نبض أرقام
07:49 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

متلازمة استوكهولم في الشركات.. لماذا يدافع الموظف عن مديره المتسلط؟

2019/12/06 أرقام - خاص

في صباح الثالث والعشرين من أغسطس 1973 اقتحم مجرم هارب أحد البنوك بمنطقة "نورمالم" في العاصمة السويدية استوكهولم، حاملاً أسفل سترته بندقية رشاشة، وذلك قبل أن يبدأ في إطلاق النار على السقف ويصرخ في الحاضرين بلكنة أمريكية مصطنعة قائلاً بالإنجليزية: "لقد بدأت الحفلة للتو!"

 

 

بعد أن أصاب ضابط الشرطة الذي استجاب لجرس الإنذار، احتجز "أولسون" أربعة من موظفي البنك كرهائن، وفي مقابل إطلاق سراحهم طالب بأكثر من 700 ألف دولار وسيارة للهرب بالإضافة إلى إطلاق سراح صديقه "كلارك أولوفسون" وهو مجرم مدان محكوم عليه بالسجن بتهمة السطو المسلح.

 

الخاطف والرهينة

 

في غضون ساعات أطلقت الشرطة سراح صديق "أولسون" وسمحت له بالانضمام إليه داخل البنك وجهزت له الفدية المطلوبة وكذلك سيارة زرقاء من طراز "فورد موستانج" بخزان ممتلئ بالوقود. ولكنها في الوقت نفسه رفضت طلب السارق بالسماح له بالمغادرة من البنك في صحبة الرهائن كضمان لخروجه بشكل آمن.

 

في لمح البصر، أصبحت القصة محط اهتمام وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم. وعلى أسطح البنايات المقابلة للبنك افترش المصورون الصحفيون الأرض إلى جانب القناصة بداية من 24 أغسطس 1973، أي بعد يوم واحد فقط من بدء عملية السرقة.

 

تحفظ "أولسون" وصديقه على الأسرى في قبو البنك، وفي هذه الأثناء تكونت علاقة غريبة ما بين الخاطفين والمخطوفين، بسبب مجموعة من التصرفات. على سبيل المثال، عندما رأى "أولسون" الرهينة "كريستين إنمارك" ترتجف قام بوضع سترة من الصوف على أكتافها، كما أعطاها رصاصة من بندقيته كتذكار.

 

 

وعندما فشلت الرهينة الأخرى "بيرجيتا لوندبلاد" في التواصل مع أسرتها عبر الهاتف، أخبرها "أولسون" بأن تحاول مرة أخرى وألا تستسلم. وعندما اشتكت الرهينة "إليزابيث أولدجرين" من خوفها من الأماكن المغلقة، سمح لها "أولسون" بالسير خارج القبو بينما يربطها بحبل طوله 30 متراً.

 

حتى عندما تعرض هؤلاء الرهائن للتهديد بالأذى الجسدي فلم يتخلوا عن تعاطفهم مع خاطفيهم. وعندما أراد "ألسون" ترهيب الشرطة طلب من الرهينة الشابة "سفين سافستروم" أن تسمح له بإطلاق النار على ساقها. وفي حديثها لصحيفة "نيويوركر" بعد تحريرها قالت "سافستروم": "لقد كان (أولسون) لطيفاً لدرجة أنه أراد أن يطلق النار على ساقي فقط".

 

"لا تؤذهما، لا تؤذهما"

 

في نهاية المطاف لم يصب الخاطفون الرهائن بأي أذى، وفي ليلة الثامن والعشرين من أغسطس أي بعد أكثر من 130 ساعة ضخت الشرطة الغاز المسيل للدموع في القبو واستسلم الجناة بسرعة.

 

المدهش هو أن الشرطة حين طلبت من الرهائن الخروج أولاً رفضوا رغبة منهم في حماية خاطفيهم لدرجة أن الرهينة "إنمارك" صرخت قائلة: "لا، ليخرج "أولسون" و"كلارك" أولاً. سوف تطلقون النار عليهما إذا خرجنا وتركناهما خلفنا".

 

وعند مدخل القبو، احتضن الخاطفون المخطوفين، وبينما تلقي الشرطة القبض على المسلحين بكت اثنتان من الرهائن وقالتا: "لا تؤذهما، لا تؤذهما". أما الرهينة "إنمارك" التي أخرجتها الشرطة من القبو على ظهر نقالة صرخت إلى "كلارك أولوفسون" قائلة : "كلارك سأراك مرة أخرى".

 

 

في سعيهم لتفسير تصرفات الرهائن تجاه خاطفيهم، يقول الأطباء النفسيون إن الرهائن شعروا بأنهم مدينون عاطفياً للخاطفين وليس للشرطة لأنهم نجوا من الموت، وذلك رغم أي معاملة سيئة تعرضوا لها. وهذه بالأساس آلية دفاع نفسية تطورها الضحية بشكل لا شعوري عندما تقع تحت ضغط كبير وهو ما يدفعها للاطمئنان إلى الجاني، خاصة إذا أظهر لها الأخير أي شكل من أشكال الاهتمام مهما كان صغيراً.

 

وبعد عدة أشهر من وقوع تلك الحادثة، أصبحت هذه الظاهرة الغريبة تعرف باسم "متلازمة استوكهولم"، وهي الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع من أساء إليه بأي شكل من الأشكال، أو يظهر له بعض علامات الولاء.

 

في عالم الشركات

 

جنت هذه الظاهرة شهرتها بالأساس في عالم الجريمة، غير أن الكثير من الأطباء النفسيين لاحظوا خلال السنوات الأخيرة وجودها في عالم الشركات وأطلقوا عليها اسم ""Corporate Stockholm Syndrome أو "متلازمة استوكهولم في الشركات".

 

فنظراً لأن الناس في عصرنا الحديث أصبحوا يستمدون الجزء الأكبر من قيمتهم الذاتية وهويتهم من العمل، فقد أصبح الكثير منهم معرضا لخطر المعاناة من "متلازمة استوكهولم" إذا وجد في بيئة عمل معينة لفترة كافية.

 

وفي البداية يمكننا تعريف "متلازمة استوكهولم في الشركات" على أنها الحالة النفسية التي تسيطر على الموظف الذي يتعرض لسوء المعاملة سواء من مديره المباشر في الشركة أو من صاحب العمل، ورغم ذلك يظل يدين بالولاء لذلك الشخص ويخلص له بل وقد يدافع عن تصرفات مديره السيئة تجاهه ويبررها.

 

 

سوء المعاملة هذا له أشكال كثيرة، فقد يشتمل على سبيل المثال لا الحصر الإساءة اللفظية أو المطالبة بالعمل لساعات طويلة للغاية بشكل يتجاهل الاحتياجات الاجتماعية والعاطفية للموظف أو مضايقته باستمرار إما بسبب ملابسه وإما بسبب ميعاد وصوله ومغادرته.

 

وكما هو الحال مع ديناميكية الخاطف والأسير، يتحكم صاحب العمل أو المدير في مصير الموظف، حيث بإمكانه خفض راتبه أو فصله من العمل نهائياً.

 

مشكلة الموظف الذي يعاني من متلازمة استوكهولم هو أنه يميل لتقديم الشركة على حساب صحته النفسية والعاطفية، لدرجة أنه قد يخلق المبررات للمعاملة السيئة التي يتلقاها ويدافع عنها باعتبارها ضرورية لمصلحة الشركة ككل، بل وقد يصل الأمر إلى أن يدافع بغضب عن تصرفات مديره السيئة تجاهه إذا حاول أي شخص من الخارج لفت نظره إلى حقيقة الوضع.

 

استمراء الإساءة

 

هناك الكثير من العوامل التي تجعل الشركة بيئة خصبة لمتلازمة استوكهولم. فعلى سبيل المثال غالباً ما تكون الثقافة السائدة في تلك الشركات تشجع الموظفين على الإساءة اللفظية لبعضهم البعض عند حدوث أي تقصير من أي موظف. والكارثة هي نظرة الموظف المساء إليه إلى تلك الإساءة والذي يستمرئ تلك الإهانات ويتقبلها باعتبارها مزاحاً غير ضار.

 

بنفس الديناميكية التي تعمل بها هذه الظاهرة النفسية في عالم الجريمة، يتلقى الموظف بعض المعاملة الحسنة من آن لآخر من نفس المدير الذي يسيء إليه وهو ما يجعله أكثر قابلية للتلاعب به وأكثر استمراءً للإساءة.

 

 

الموظف الموجود بتلك البيئة معرض بشكل كبير لخطر الصدمة العاطفية الكبيرة، حيث إن مجرد قضاء يوم واحد فيها مع هذا الكم من الضغط النفسي يؤثر سلباً على صحته النفسية والجسمانية. والأخطر من ذلك هو أنه حين يحاول التخلص من ذلك الضغط يقوم بتنفيس غضبه بعيداً عن العمل ويوجهه تجاه الأصدقاء والأسرة.

 

الشركات التي تسيطر عليها تلك الثقافة ترهب باستمرار موظفيها بعواقب عدم الامتثال للتوجيهات والأوامر، والموظف الذي يستمر في تلك الدوامة عادة ما يجد نفسه في النهاية شخصاً مسلوب الإرادة يدور في حلقة مفرغة لا يستطيع الفكاك منها.

 

المصادر: أرقام - ميديام - ذا جورنال - سيكولوجي توداي

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.