امتد الحديث عن اندلاع حروب في المستقبل بسبب الخلافات حول مصادر المياه لفترة طويلة للغاية، بما يكفي ليصبح هذا الموضوع محل شك ويعتبر الخوض فيه من باب العبث، لكن أيضًا ارتفع الطلب بشكل كبير على المياه مع نمو التعداد السكاني وبفعل تحسن الظروف المعيشية.
المشكلة هي أن الاستهلاك المتزايد يأتي مع تراجع المعروض من المياه بفعل ضغوط مثل التغير المناخي الذي يزيد معدلات الجفاف حول الأرض، وحتى الآن لا تزال هناك بعض الخلافات القائمة حول مصادر الماء العذب، مثلما هو الوضع بين الهند وباكستان ومصر وإثيوبيا والبرازيل وباراجواي.
وقال المدير التنفيذي لمعهد ستوكهولم الدولي للمياه "تورجني هولمجرين": كل الأزمات المحلية المرتبطة بنقص المياه في جميع أنحاء العالم تتصاعد في الوقت الراهن، وبصدد التحول إلى أزمة عالمية.
والتخفيف من حدة التهديد وضمان حصول المزيد من الناس على إمدادات آمنة ومستقرة سيكون تحديًا هائلًا، كون الوصول إلى المصادر وتوزيع المياه مرتبطين بالسياسة والآراء الثقافية الراسخة.
أزمة معقدة
- يقول مسؤول ملف استثمارات التكيف مع تغيرات المناخ لدى البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير "كريج ديفيز": في الأردن، ثالث أكبر دولة تعاني من شح المياه، فإن رفع أسعار المياه للتعبير عن نقصها سيكون منطقيا من الناحية الاقتصادية.
- لكن يشير "ديفيز" إلى استثناء في ظل وجود نحو 1.5 مليون لاجئ سوري إلى جانب المواطنين الأصليين، مضيفًا: من وجهة نظر سياسية، قد يكون من الضروري الإبقاء على أسعار المياه منخفضة للغاية.
- في أوزبكستان، يقوم الاقتصاد على صادرات القطن، وهو أمر غير منطقي في ظل نقص المياه هناك، ويعلق "ديفيز" قائلًا: لا يمكنك ضبط الأمور بسهولة بالغة دون إغضاب المزارعين وزعزعة الاقتصاد.
- في شمال إفريقيا، تتيح مضخات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية المستخدمة حديثًا، وصول مياه الري إلى المزارعين المتضررين من الجفاف، لكن أيضًا يتم وقف حوافز ترشيد المياه لأنه لم يعد على المزارعين شراء الوقود لمضخات الديزل.
- تقول كبيرة الباحثين لدى معهد التنمية الألماني الذي يعمل في المنطقة "أنابيل هودريت": حرفيًا، لا توجد أي سيطرة على الأمر هنا، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى استنزاف طبقات المياه الجوفية في المنطقة.
مخاوف مرتبطة بالوظائف والغذاء
- يقول نائب رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية "أولكاي أونفر"، إن ثلاثاً من بين كل أربع وظائف تعتمد على المياه على مستوى العالم بشكل ما، بما في ذلك صغار المزارعين الذين ينتجون 80% من غذاء الأرض.
- بحلول عام 2050، تقدر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، ارتفاع الطلب على الغذاء بنسبة 50%، ويعلق "أونفر" قائلًا: ليس لدينا 50% زيادة في إمدادات المياه لتخصيصها للزراعة، إنها بالفعل المستهلك الرئيسي.
- يرتفع الطلب على المياه أيضًا في المدن سريعة النمو، حيث يعيش أكثر من نصف سكان العالم الآن، ومن المتوقع أن يعيش أكثر من ثلثي السكان بالمدن بحلول عام 2050.
تاريخ سابق ومحتمل من الصراعات
- وفقًا لقاعدة بيانات النزاعات المتعلقة بالمياه التي يحتفظ بها معهد المحيط الهادي (مركز بحثي في كاليفورنيا) منذ الثمانينيات، كانت هناك أكثر من 900 حالة صراع على مر التاريخ بسبب المياه، وتسارعت وتيرة هذه الصراعات خلال السنوات الأخيرة.
- يميز المعهد بين ثلاثة أنواع من العنف، ففي بعض الأحيان استخدمت المياه نفسها كسلاح عندما سمم الإسبرطيون مياه الشرب في أثينا خلال السنة الثانية من الحرب البيلوبونيزية في عام 430 قبل الميلاد.
- في أحيان أخرى، تكون المياه الزناد المطلِق للرصاصة الأولى، مثلما أدى القتال على أراضي الرعي في وسط مالي هذا العام إلى مذابح وتشريد لنحو 50 ألف شخص.
- النوع الثالث من النزاعات، هو الذي تكون فيه منشآت المياه هدفًا للأعمال العسكرية، ويلاحظ المعهد زيادة كبيرة في الهجمات على شبكات المياه المدنية، قائلًا إن من بين البلدان التي شهدت هجمات مماثلة هذا العام، سوريا وأوكرانيا.
- مع ذلك، فإن النزاعات على المياه ما زالت محدودة النطاق ولا يقع معظمها على مستوى الأمم، لكن التوقعات تشير إلى سيناريوهات أسوأ وفقًا لدراسة أجراها مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية العام الماضي.
- نتيجة الدراسة التي استخدم بها المركز أنظمة نمذجة حاسوبية، قال الباحثون إن هناك خمسة أنهار قد تتسبب في اندلاع صراعات عابرة للحدود، وهي نهر كولورادو، براهمابوترا، إندوس، النيل، دجلة والفرات.
المصادر: الإيكونوميست، رويترز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}