في الساعات الأولى من صباح الخامس عشر من ديسمبر 1989 قام النحات الإيطالي "أرتورو دي موديكا" وعدد من أصدقائه بتحميل تمثال ضخم لثور هائج مصنوع من البرونز والفولاذ المقاوم للصدأ على شاحنة كبيرة باستخدام رافعة، وذهبوا به إلى الحي المالي في نيويورك وتركوه أمام بورصة نيويورك للأوراق المالية قبل أن يلوذوا بالفرار.
بمجرد طلوع النهار، انتشر خبر تمثال الثور الهائج في جميع أنحاء نيويورك ومنها إلى العالم أجمع. وفي غضون ساعات التف حوله المئات من سكان المدينة الذين راق لهم هذا العمل الفني وأعجبوا به، غير أن شرطة نيويورك كان لها رأي آخر.
قامت الشرطة على الفور بنقل التمثال إلى كوينز، بسبب عدم وجود تصريح بتثبيته في هذا المكان، ولقلقها من تأثيره المحتمل على حركة المرور والسلامة العامة. لكن الضجة التي أحدثها التمثال كانت كبيرة لدرجة دفعت إدارة الحدائق والاستجمام بالمدينة إلى إعادة التمثال مرة أخرى بعد بضعة أيام إلى الحي المالي وتثبيته هناك. ومن يومها أصبح الثور الهائج أحد أشهر معالم نيويورك.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا صمم "موديكا" تمثاله على هيئة ثور تحديدًا؟ وما علاقة الثور بالحي المالي في نيويورك وبأسواق الأسهم عمومًا؟
الحديث عن هذه الجزئية تحديدًا يصبح ذا أهمية في الوقت الحالي بينما تدشن "أرقام" صفحة "آراء المستثمرين" التي ستتيح لجمهور المشاركين إمكانية التعبير عن آرائهم تجاه السوق والأسهم الفردية المدرجة بتداول، وذلك من خلال الإجابة على السؤال التالي: كيف ترى اتجاه السهم؟ متفائل أم متشائم؟
أهمية هذه الصفحة تكمن في أنها ستتيح لأول مرة للمستثمر أن يتعرف على آراء غيره من المتداولين تجاه السهم وتجاه السوق بشكل عام، وبذلك يصبح لديه دراية بثاني أهم العوامل المؤثرة في أسعار الأسهم بعد الأساسيات وهو "معنويات المستثمرين". هذا من شأنه أن يزيد من قدرة المستثمر على اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة.
الدببة والثيران
كل من يطالع المواقع والصحف والبرامج التلفزيونية المعنية بأسواق المال، بالتأكيد قرأ أو سمع ولو مرة مصطلحي "السوق الصعودية" و"السوق الهبوطية". هذان المصطلحان هما في الأصل مجرد تعريب للمصطلحين الإنجليزيين التاليين على الترتيب: (Bull market) و(Bear market) أو "سوق الثور" و"سوق الدب".
في أسواق المال الغربية يستخدم كل من الثيران والدببة في الإشارة إلى اتجاه السوق. فإذا كان السوق يأخذ اتجاهًا صعوديًا فيسمى سوق ثيران، أما إذا كان يأخذ اتجاهًا هبوطيًا فيطلق عليه سوق دببة. ومن هنا جاءت الإشارة إلى المستثمرين المتفائلين الذين يقودون السوق نحو الصعود بالثيران، بينما يلعب المستثمرون المتشائمون الذين يسحبون السوق نحو الهبوط دور الدببة.
رغم أنه غير معلوم على وجه اليقين سر هذه التسمية، إلا أن أكثر الروايات رواجًا تشير إلى أن الأمر له علاقة بالكيفية التي يهاجم بها كل من الثور والدب خصومهما. فالثور عندما يهاجم يرفع الضحية بقرونه نحو الأعلى (وهكذا أصبح رمزًا للسوق الصاعدة) في حين أن الدب عندما يهاجم يسحب ضحيته نحو الأسفل (ومن هنا أصبح رمزًا للسوق الهابطة).
يأخذ السوق اتجاهًا صعوديًا عندما يسيطر التفاؤل على أغلبية المشاركين فيه والذين يميلون للاعتقاد بأن أسعار الأسهم سترتفع، وبالتالي يقبلون على الشراء على أمل أن يتمكنوا من البيع لاحقًا بسعر أعلى. وفي المقابل، عندما يسيطر التشاؤم على جمهور المستثمرين حول مستقبل الأسعار يتراجع السوق نحو الأسفل آخذًا اتجاهًا هبوطيًا، بسبب إقبال الكثيرين على البيع لرغبتهم في القفز من السفينة قبل فوات الأوان.
محددات الصعود والهبوط
الاتجاهان الصعودي والهبوطي لا ينطبقان على السوق فقط بل ينطبقان أيضًا على الأسهم الفردية. فمن الممكن جدًا أن يؤدي شعور أو معنويات المستثمرين تجاه أي سهم إلى أن يأخذ اتجاهًا صعوديًا أو هبوطيًا بغض النظر عن حالة السوق أو جودة الأساسيات.
لكن متى يعتبر السوق سوقًا صعوديًا أو هبوطيًا؟ هل إذا ارتفع السوق مثلًا بنحو 10% منذ بداية العام يعتبر في هذه الحالة سوقًا صعوديًا؟ لا توجد قواعد واضحة لتحديد متى يطلق على السوق سوقًا صعوديًا أو سوقًا هبوطيًا غير أن القاعدة الأكثر شيوعًا هي أن السوق يعتبر صعوديًا إذا ارتفع بنسبة 20% من نقطة منخفضة محددة، ويعتبر هبوطيًا إذا تراجع بنسبة 20% من قمته.
على سبيل المثال، في الفترة ما بين عامي 2007 و2009 انخفض مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 50%، ولذلك أطلق على السوق الأمريكي وقتها سوقًا هابطة. بينما عندما ارتفع المؤشر بأكثر من 300% خلال التسع سنوات الممتدة بين عامي 2009 و2018 سماه المحللون سوقًا صاعدة.
في السوق الصعودي، يكون المطلوب من الأسهم أكثر من المعروض. بمعنى آخر يرغب الكثير من المستثمرين في الشراء بينما لا يوجد سوى قليلين مستعدين للبيع. ونتيجة لذلك ترتفع أسعار الأسهم مع تنافس المستثمرين على الأسهم المتاحة. والعكس صحيح في السوق الهبوطية والتي يكون فيها المعروض أكبر من المطلوب وبالتالي تنخفض الأسعار.
كيف يستفيد المستثمر من التقلبات المزاجية للمستثمرين؟
السوق في النهاية ما هو إلا تجمع يضم ملايين من الناس، ولذلك فإن سلوك وشعور الأفراد المشاركين فيه تجاه الأسهم هما من يوجهان السوق ويحددان ما إذا كان سيرتفع أم سينخفض. فإلى جانب حالة الأساسيات تعتمد أسعار الأسهم بشكل كبير على سيكولوجية المستثمر وحالته الشعورية ومزاجه تجاه السهم.
ولا يمكن الحديث عن سيكولوجية المستثمر ومعنوياته دون الإشارة إلى عقلية القطيع التي تسيطر على عدد لا بأس به من مستثمري سوق الأسهم. فهناك أناس يميلون طوال الوقت إلى تقليد قرارات الآخرين بغض النظر عن مدى منطقيتها بالنسبة لهم، لأن هذا يشعرهم بشكل من أشكال الأمان. فإذا خسروا يحدثون أنفسهم قائلين "لم نخسر لوحدنا".
المستثمر الذكي يمكنه تحقيق الربح في كلٍّ من السوق الصعودية والهبوطية وبإمكانه كذلك الاستفادة من التقلبات المزاجية للمستثمرين تجاه الأسهم. ففي السوق الصعودية يمكن للمستثمر تحقيق الربح إذا استطاع الشراء في بداية موجة الصعود والبيع عندما يصل السهم إلى الذروة. لا شك أن تحديد بداية ونهاية موجات الصعود بدقة أمر مستحيل، لكن معنويات المستثمرين بإمكانها أن ترشد المستثمر ولو قليلًا.
في السوق الهبوطية، يقوم المستثمر الذكي باقتناص الأسهم الجيدة المعروضة للبيع بخصم كبير بسبب سيطرة التشاؤم على السوق تجاهها، على أمل أن يستفيد من ارتفاع سعرها بعد أن تنتهي دورة الهبوط وتبدأ دورة الصعود وتنعكس أساسيات السهم على سعره.
ما بين الخوف والجشع
بشكل عام يحكم سلوك المستثمرين في التداول شعوران أساسيان هما الخوف والجشع. الخوف من الخسارة والرغبة في تعظيم المكسب وعدم تفويته. الخوف هو ما يجعل بعض المستثمرين يتخلون عن أسهمهم بأقل من قيمتها، والجشع هو ما يجعلهم يتورطون في أسهم مبالغ في تقييمها بسبب إقبال السوق عليها.
ومرة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن تعرف المستثمر على معنويات جمهور المستثمرين تجاه السوق والأسهم الفردية سيمكنه من اتخاذ قرارات استثمارية أكثر استنارة ومن اقتناص فرص واعدة، لأنه أصبح على دراية بثاني أهم عامل في تحديد أسعار الأسهم بعد الأساسيات.
الآراء التي سيعبر عنها جمهور المشاركين بسوق الأسهم في صفحة "آراء المستثمرين" بإمكانها أن تعطي المستثمر فكرة حول النظرة الجمعية المكونة لدى المتداولين حول السوق بالكامل والأسهم بشكل فردي. والمستثمر الذكي هو من يأخذ ذلك العامل في اعتباره كأحد محددات قراره الاستثماري وليس باعتباره المحدد الوحيد.
ومن غير الحكمة أن تبيع أو أن تشتري فقط بناءً على المزاج العام المتكون لدى الجمهور حول السهم سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، لأن مثله مثل الكثير من المقاييس قد يكون مضللًا في كثير من الأحيان. لذلك كن موضوعيًا وادرس أساسيات السهم جيدًا قبل أن تبيع أو تشتري. فالمستثمر الذكي قد يشتري سهمًا يهرب منه الجميع وقد يبيع آخر يتسابق الكل للحصول عليه، لأنه ببساطة لديه خطة واستراتيجية واضحة ملتزم بها.
المصادر: أرقام
The Secret History of the Wall Street Bull
Trend Following: How to Make a Fortune in Bull, Bear, and Black Swan Markets
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}