في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1929، انهار سوق الأسهم الأمريكي، وتبخرت مليارات الدولارات من الثروة بين عشية وضحاها، كما تآكلت قيمة العديد من الشركات، لكن كان لدى بعض المسؤولين التنفيذيين فكرة ستستمر لعقود من شأنها جعلهم أثرياء.
بدأ مسؤولو الشركات المدرجة في البورصة الأمريكية والتي انهارت أسهمها بفعل الأزمة آنذاك، شراء الأسهم الخاصة بشركاتهم من المستثمرين، ما يعني أن معروض هذه الأسهم المتداول أصبح أقل، وبطبيعة الحال عندما يقل عرض الشيء يرتفع سعره.
في هذه الأثناء، اكتُشف ما يمكن وصفه بالخدعة السحرية، حيث وجدت الشركات أنه بإمكانها رفع قيمة الأسهم دون فعل أي شيء في الحقيقية، كل ما عليها هو استخدام النقدية للحد من الأسهم المتاحة للتداول، وكانت هذه بداية الممارسة المعروفة حاليًا بـ"إعادة شراء الأسهم".
هذه الممارسة غيرت بشكل أساسي الطريقة التي تعمل بها الشركات، وتفسر السبب الذي يجعل الشركات التي تحقق أرباحًا قياسية، لا تزال تدفع لموظفيها القليل جدًا من الأموال مقارنة بالرؤساء التنفيذيين.
أسباب لانتقاد الممارسة
- أصبحت عمليات إعادة الشراء الطريقة المفضلة للشركات الأمريكية لتمرير الكاش إلى المساهمين، وفي عام 2018، أعادت الشركات المدرجة بمؤشر "إس آند بي 500" شراء أسهم بقيمة 806 مليارات دولار، وهو مستوى قياسي يزيد بنسبة 55% عن عام 2017.
- تتجه هذه الشركات لتسجيل عمليات شراء قيمتها 740 مليار دولار لأسهمها في 2019، وهو ما سيكون ثاني أعلى مستوى قياسي في السوق الأمريكي، بحسب "هورد سيلفربلات" كبير محللي المؤشرات لدى "إس آند بي داو جونز إندسيز".
- يتم انتقاد هذه الممارسة لسببين، أحدهما أنها تعود بالنفع الكبير على المساهمين في حين تضيع حق العمال، لأنها تهدر الأموال التي يجب إعادة استثمارها في النشاط التجاري أو دفعها للموظفين، لذا يدعم المرشحان الديمقراطيان للرئاسة "إليزابيث وارن" و"بيرني ساندرز" تشريعات تحظرها.
- أما السبب الآخر الأقل ذكرًا، فهو أنها ليست جيدة للمساهمين على الدوام، حيث تحقق مكاسب كبيرة للمديرين التنفيذيين الذين يستفيدون غالبًا من ارتفاع سعر السهم، بفضل حصتهم من الأسهم التي تلقوها عبر نظام المكافآت أو في صورة خيارات.
تربح المديرين التنفيذيين
- خلال مؤتمر لشركة "هوم ديبوت" في فبراير 2018، تحدث رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي "كريغ مينر" عن خطته لإعادة شراء ما يقرب من 4 مليارات دولار من الأسهم القائمة على مدار العام.
- في اليوم التالي للمؤتمر، باع "مينر" أكثر من 113 ألف سهم، ليحقق مكسبا صافيا نحو 18 مليون دولار، وبعد يوم آخر، حصل على 38.7 ألف سهم جديد، قام على الفور ببيع ثلثيهم، محققًا ربحًا قدره 4.5 مليون دولار.
- رغم أن المدفوعات المقدمة لـ"مينر" والمعلنة في المستندات الرسمية المقدمة لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، بلغت 11.4 مليون دولار في عام 2018، فإن مبيعات الأسهم، ساعدته على كسب 30 مليون دولار إضافية.
- على النقيض من ذلك، فإن متوسط أجر العامل في الشركة بلغ 23 ألف دولار سنويًا، وإذا استخدمت أموال إعادة الشراء في زيادة الرواتب، كان ليجني كل عامل 18 ألف دولار إضافية، وفقًا لحسابات معهد "روزفلت" للأبحاث.
- مع ذلك، هناك شركات مثل "أمازون" (لم تُعِد شراء الأسهم منذ سبعة أعوام) والتي تهتم حاليًا بالاستثمار في الأشخاص والتقنيات والمنتجات التي يمكنها جعل أنشطة تجارية مثل "هوم ديبوت" (أنفقت المليارات لإعادة شراء 35% من أسهمها) خارج المنافسة في نهاية المطاف.
أهمية الممارسة للشركات
- الأمر الذي لا يتساءل بشأنه أحد تقريبًا الآن، هو ما إذا كانت عملية إعادة الشراء مهمة من الأساس لدرجة أن شركات مؤشر "إس آند بي 500" وجهت 58% من أرباحها التشغيلية إليها؟ في الحقيقة يؤدي خفض عدد الأسهم القائمة بهذه الطريقة إلى تعزيز ربحية السهم.
- وفقًا لـ"سيلفربلات"، فإن شركات مؤشر "إس آند بي 500" قد أنفقت على عمليات إعادة الشراء أكثر مما أنفقته على توزيعات الأرباح سنويًا منذ عام 2010، وربما يرجع لذلك لكون المكاسب المحققة عن طريق ارتفاع قيمة السهم لا تخضع للضريبة بخلاف الأرباح الموزعة نقدًا.
- وفقًا لبحث أجراه الأستاذ بجامعة ماساتشوستس في مدينة لويل، "ويليام لازونيك"، فإن شركات مثل "بوينغ" و"آبل" و"سيسكو سيستمز" و"ميرك" و"فايزر"، يضعون العمال في ظروف غير مواتية، ويعرضون قدراتهم التنافسية للخطر من خلال دفع الكثير للمساهمين والحد من الإنفاق على البحث والتطوير.
- في حين توقع الرئيس "دونالد ترامب" تعزيز استثمارات الشركات في الداخل بعد الخفض الضريبي، وأعادت الشركات نحو 777 مليار دولار من أموالها في الخارج، وجد الفيدرالي أن هذه الأموال استخدمت بشكل رئيسي في عمليات إعادة شراء الأسهم.
- مع ذلك، فالبعض يقول إن إعادة شراء الأسهم هي الوسيلة الأفضل للحصول على الأموال الواقعة تحت تصرف المديرين الذين قد يهدرونها على استثمارات منخفضة القيمة أو مضاربة.
المصادر: بزنس ويك، ڤوكس، ذا أتلانتيك
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}