يتذكر "ميتش كان" كيف قفزت أسعار النفط الخام في الولايات المتحدة، خلال ليلة واحدة، عندما بدأ القتال في حرب العراق الثانية، 10 دولارات للبرميل.
وكان هذا يعني احتمال تربح التاجر الذي اشترى كمية صغيرة منه 50 ألف دولار، أو خسارة مماثلة إذا كان التاجر قد قرر البيع.
وكان ميتش يعمل تاجرا مستقلا في بورصة نيويورك ميركانتيل، في منطقة مانهاتن، حيث يباع ويشترى النفط الخام، والغاز، وزيوت التدفئة، في الطابق الأسفل من المبنى، بينما يتعامل التجار في الطابق الأعلى مع المعادن الثمينة.
وبعدما غزت القوات الأمريكية العراق، وتحديدا في عام 2004، كانت أسعار النفط تحدد بصيحات عالية لرجال، في معظمهم، يقفون في دائرة مفتوحة، بعضهم يشتري وبعضهم يبيع، وتستقر الأسعار عند رقم معين، بحسب ما يقدمه المشترون والبائعون من عروض.
ويلجأ عدد من التجار، بسبب ارتفاع الأصوات، إلى وضع سدادات على آذانهم، بحسب ما يقوله ميتش. أما هو فقد كان ارتفاع مستوى الأدرينالين لديه كافيا للحفاظ على وضوح سمعه.
وتستمر التعاملات اليوم على مدى 24 ساعة، لكنها في 2004 كانت تنتهي بإغلاق السوق عندما يرن الجرس في الساعة 14:30 بعد الظهر.
وفي ذلك اليوم في 2004، بدأ تاجر كان يقف بجانب ميتش، عند فتح السوق، في الصياح بصوت عال.
ويتذكر كيف أن التاجر كان يحاول بيع بعض النفط، لكن فجأة "انهارت السوق".
فخلال دقائق أصبح سعر البرميل أرخص بـ20 دولارا. ولا يحتمل أن يحدث شيء مثل هذا اليوم.
ويقول ميتش: "الأسواق تتحرك الآن بطريقة مختلفة".
ويشير ميتش إلى أنه بالرغم من زيادة أسعار النفط يوم الجمعة، فإن كل شيء يتعلق بالأسواق مختلف تماما عما كان عليه وقت اندلاع الحرب في العراق.
إذ إن أماكن الإنتاج اليوم، والطريقة التي يصفى بها النفط، ويتاجر فيه، لا تحمل أي شبه لما كان ميتش يراه، عندما كان الأدرينالين يساعده على قضاء يومه وسط الصياح وتحركات الأسعار.
القواعد تغيرت
بلغت زيادة سعر برميل نفط برنت الخام الجمعة أكثر من 4 في المئة، إذ وصل إلى 69.50 دولار للبرميل.
وتأرجحت أسعار النفط بعد إعلان نبأ اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة بطائرة أمريكية بدون طيار على مطار بغداد، وصفتها وزارة الدفاع بأنها "عمل دفاعي".
كما ارتفعت أسعار شركة النفط البريطانية (بي بي)، وشركة شل الهولندية حوالي 1.5 في المئة.
والعامل الأكبر الذي مازال يغير الأسعار منذ عام 2004 وحتى الآن، بحسب ما يقوله مايكل ويدمير، استراتيجي السلع في بنك أوف أمريكا، هو احتفاظ الولايات المتحدة بقدر من النفط يجعلها مستقلة، وليست في حاجة إلى الاستيراد.
ولم تعد الولايات المتحدة معتمدة على النفط الخام من الشرق الأوسط.
ويقول ويدمير: "لقدت تغيرت القواعد ماديا".
وفي هجمات الطائرات بدون طيارين على مواقع النفط في السعودية في سبتمبر/ أيلول مثال جيد على ذلك.
ويقول ويدمير: "كانت تلك أكبر ضربة لأسواق النفط العالمية، من حيث الإمداد، لكن لم يكن لها تأثير طويل الأمد".
ففي ذلك اليوم ارتفعت الأسعار في الأسواق بما يقارب 10 دولارات للبرميل، ولكن لم يحدث شيء كبير في ما بعد.
وفي الوقت الذي زاد التوتر على الساحة السياسية، وتبادل الخطابات الحماسية بين إيران والولايات المتحدة، وعزم واشنطن على فرض عقوبات جديدة، هبطت أسعار النفط إلى ما هو أقل من 60 دولارا للبرميل بعد أسبوعين فقط.
ويتجاوز الخطاب السياسي المحتدم امتد لفترة أطول من أي مخاوف من اضطراب الأسعار.
ويرجع ذلك إلى أن بلدانا أخرى، خاصة روسيا والولايات المتحدة، تضخ نفطا الآن.
ويقول ويدمير: "عندما تقلص أوبك إنتاجها الآن، فإنها تتيح المجال لدول أخرى بزيادة إنتاجها".
ويقول ألن غيلدر، نائب رئيس أسواق النفط والكيمياويات في شركة وود ماكينزي، إن أحد السبل للنظر إلى هذا الوضع هو أن أوبك كانت تنتج نصف النفط في العالم، لكنها الآن لم تعد تنتج سوى أقل من ثلث الإنتاج العالمي.
وخلال حرب الخليج، التي بدأت في 1990، كان النفط يأتي من مكانين: إما من دول أوبك، وإما من أماكن أخرى تعد باهظة وخطرة، مثل بحر الشمال.
وكان العثور على النفط واستخراجه من قاع المحيط، خاصة قبل 40 عاما، أمرا خطيرا ولا يمكن التنبؤ به.
أما الآن، وبعد استخدام عمليات الحفر المصحوب بضغط عال من المياه لإخراج النفط، في أمريكا الشمالية، فقد أصبح هناك وفرة منه.
ويقول غيلدر: "كانت الأسواق في الماضي حديثة التأسيس، وكان عدد المشاركين في السوق أكبر بكثير مما هو عليه الآن".
كما أن كمية المعلومات المتاحة اليوم، كما يقول غيلدر، أكبر مما كانت عليه قبل خمس سنوات.
وعندما هوجمت مواقع النفط في السعودية في سبتمبر/ أيلول، أظهرت الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية للسفن المغادرة للميناء، وللمكان نفسه، أن الإنتاج والتصدير استؤنفا مرة أخرى بسرعة.
ويضيف غيلدر: "قبل سنوات، كان الناس يصابون بالهلع ويحاولون معرفة ما يجري".
أما الآن فإن منظمة أوبك، وشركات الإنتاج الأخرى، في بلدان مثل روسيا، اتفقت على الحد من إنتاج كميات كبيرة من النفط قدر الاستطاعة.
ويؤدي هذا إلى صعوبة التنبؤ بما سيحدث لأسعار النفط عند زيادة التوتر في منطقة الشرق الأوسط.
ويتوقع محللون في سيتي بانك أن تظل الأسعار على المدى القصير مرتفعة خشية من الانتقام الإيراني.
وأي هجمات على خطوط أنابيب شركات النفط الأمريكية، أو على الأماكن التي تستثمر فيها شركات النفط الغربية والأمريكية، بحثا عن آبار جديدة، سوف تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام.
لكن أي حل للصراع بين إيران والولايات المتحدة، سينتج عنه تراجع حدة الموقف وهبوط الأسعار، بحسب ما يقوله المحللون.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}