قبل عشر سنوات، كانت الولايات المتحدة ثالث أكبر منتجي النفط في العالم، بعد السعودية وروسيا، لكنها تتصدر قائمة منتجي الخام والغاز الآن، حيث نمت إمداداتها من النفط بأكثر من الضعف، والغاز بنحو الثلثين تقريبًا، وفقًا للبيانات الفيدرالية.
السبب وراء ذلك بسيط، طفرة التكسير، حيث حفزت تقنيات الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي الثورة الإنتاجية في الولايات المتحدة خلال هذا العقد، مؤدية إلى انخفاض أسعار الاستهلاك، كما شكلت دعمًا قويًا للاقتصاد الأمريكي وأعادت تشكيل الجيوسياسة.
ورغم أن بعض هذه الأساليب كان متعارفا عليها منذ وقت بعيد، فإنها طُبقت بنجاح على التكوينات الصخرية الكثيفة قبل عقدين فقط مع التطور التقني، ما سمح للشركات بالوصول إلى كميات هائلة من النفط والغاز المخزّن في بطن الأرض.
كيف بدأت الطفرة؟
- استهدفت عمليات الحفر الغاز الطبيعي أولًا في بارنيت شالي، شمالي تكساس، ثم في أبالاشيا في وقت لاحق، ومع المزيد من التطور، استطاعت هذه الأساليب استخراج النفط الأثقل من بين التكوينات الصخرية، وأدى ذلك إلى نهضة أحد أغنى وأنشط الحقول الأمريكية "الحوض البرمي".
- منذ عقد مضى، أنتجت عمليات الحفر والتكسير في التكوينات الصخرية الكثيفة أقل من مليون برميل يوميًا من النفط في الولايات المتحدة، وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة، لكن هذا الرقم يحوم قرب 8 ملايين برميل يوميًا الآن.
- قبل الطفرة الصخرية، كان إنتاج الخام الأمريكي في انخفاض مستمر منذ سبعينيات القرن الماضي، ما جعلها عرضة لصدمات الأسعار، لكن حاليًا، أصبحت الولايات المتحدة أكثر عزلة عن مثل هذه الأزمات، بفضل إمداداتها الوفيرة من الحقول الصخرية.
- ساهمت أيضًا طفرة التكسير في الحد من الآثار المحلية للعقوبات على بلدان مثل فنزويلا، والتي ظلت منذ زمن بعيد أحد أكبر موردي النفط الخام إلى الولايات المتحدة، كما دعمت الطفرة مبيعات النفط الأمريكي في الخارج، ما جعل واشنطن مصدرًا صافيًا للنفط والمنتجات المكررة.
- يقول نائب رئيس مجلس إدارة "آي إتش إس ماركيت"، "دانييل يرغن": في بداية هذا العقد، كانت مسألة استقلال الطاقة لا تزال مزحة للبرامج التلفزيونية الساخرة التي تُعرض في وقت متأخر من الليل، لكن ها نحن أولاء بعد عقد من الزمان.
موت "ذروة النفط"
- وصول الإنتاج إلى مستوى قياسي في الولايات المتحدة، وتجاوزها لروسيا والسعودية كأكبر منتجين للنفط في العالم، كان أمرًا من الخيال قبل 10 أو 15 عامًا، خاصة أن فكرة "ذروة النفط" هيمنت على العقول بعدما ظلت الإمدادات الأمريكية في تراجع لفترة طويلة.
- تعود الفكرة إلى عام 1956، عندما تنبأ عالم الجيولوجيا الأمريكي "كينج هوبرت" بوصول إنتاج الولايات المتحدة لذروته في غضون 15 عامًا قبل أن يبدأ إنتاجها تراجعًا مستمرًا، وهو أمر رجح حدوثه في مناطق أخرى من العالم.
- لكن ما لم يلتفت إليه "هوبرت" وفقًا لتقرير اقتصادي جديد صدر من البيت الأبيض في أوائل عام 2019، هو ارتفاع أسعار النفط والتطور التقني السريع، وهما أمران مكنا المنتجين من إيجاد سبل لاستخراج الوقود بسعر أرخص.
- المثال الأبرز على هذا النجاح، كان طفرة التكسير التي مكنت المنتجين من الوصول إلى النفط الحبيس بين التكوينات الصخرية التي تعذر بلوغها في السابق، ومن ثم أصبحت الولايات المتحدة رائدة في أعمال التكسير، وكانت النتيجة موت فكرة "ذروة النفط".
ماذا استفادت أمريكا؟
- هذا التحول على مدار العقد الماضي، استفاد منه الاقتصاد الأمريكي بقوة، حيث وظفت الشركات المزيد من العمال، واستثمرت بكثافة في المعدات الرأسمالية مثل منصات الحفر، وزاد الطلب على مجموعة متنوعة من المواد مثل الصلب.
- يقول مجلس المستشارين الاقتصادين بالبيت الأبيض إن الإنتاج القياسي للنفط في الولايات المتحدة ساهم في استقرار السعر العالمي وقلل مخاطر حدوث تقلبات كبيرة في الأسعار، مثل تلك التي أضرت باقتصاد البلاد في الفترة بين عامي 2007 و2008.
- تعتقد الولايات المتحدة أنها ستصبح مصدرًا صافيًا للطاقة ربما خلال عام 2020، وهو ما يمكن أن يساعدها في كبح تضخم العجز التجاري (ساهم نمو صادرات الغاز الطبيعي في الحد من ارتفاع العجز التجاري لعام 2018).
- مع ذلك، ورغم التداعيات الكبيرة على الأسواق والاقتصاد، فإن طفرة النفط الصخري لم تحقق عائدات جيدة للمستثمرين في السنوات الأخيرة، حيث أنفقت الشركات أكثر بكثير مما جنته في سعيها لتحقيق النمو السريع، وبدأت مؤخرًا تظهر علامات على تباطؤ الإنتاج والإنفاق.
المصادر: وول ستريت جورنال، ماركت ووتش
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}