نبض أرقام
00:31
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

التطور البطيء قاتل .. الفرق بين الأمريكيين واليابانيين في التعامل مع تغيرات السوق

2020/01/25 أرقام - خاص

في تسعينيات القرن الماضي سيطر على سوق التصوير الفوتوغرافي العالمي شركتا "كوداك" الأمريكية و"فوجي فيلم" اليابانية دون أي منافسة تذكر لكليهما على خلفية احتكارهما لأحدث تقنيات تصنيع الأفلام الفوتوغرافية.

 

وفي عام 2000 أي قبيل ثورة التصوير الرقمي شكلت مبيعات الأفلام الفوتوغرافية 72% من إيرادات "كوداك" و66% من إيراداتها التشغيلية، وذلك في مقابل 60% و66% لدى "فوجي فيلم".

 

 

ومنذ ذلك الحين شهد السوق تطورات كثيرة أدت في نهاية المطاف إلى أفول نجم "كوداك" -التي كانت في يوم من الأيام أكبر شركة لتقنيات التصوير الفوتوغرافي في العالم- قبل أن تتقدم بطلب إعلان إفلاس في عام 2012، بينما لا تزال "فوجي فيلم" تقف على قدميها باعتبارها واحدة من أكبر الشركات اليابانية وتعد الأقوى عالمياً.

 

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف نجت "فوجي فيلم" من مصير "كوداك" على الرغم من أن الشركتين كانتا تعملان بنفس الصناعة وواجهتا نفس التحديات؟ وكيف اختلف تعامل الأمريكيين واليابانيين مع ثورة التصوير الرقمي التي دمرت سوقهم الرئيسي وقضت عليه ليصبح أثراً بعد عين؟

 

الابتكار المزعزع

 

في عام 2001 بلغت مبيعات الأفلام الفوتوغرافية ذروتها حول العالم. ولكن كما يذكر رئيس "فوجي فيلم": "الذروة تخفي وراءها دائماً واديًا سحيقاً". ففي البداية بدأ السوق يتقلص ببطء شديد، قبل أن ترتفع وتيرة التراجع لتصل إلى ما يترواح بين 20 و30% سنوياً. وفي عام 2010 انخفض الطلب على الأفلام الفوتوغرافية إلى أقل من عُشر ما كان عليه قبل 10 سنوات فقط.

 

كان السبب الرئيسي وراء التراجع السريع الذي شهده سوق التصوير الفوتوغرافي هو أن سهولة تصنيع الكاميرات الرقمية جعلت سوق التصوير سهل الدخول أمام الكثير من المصنعين. فقد كان بإمكان أي مهندس ماهر أن يجمّع بنفسه مكونات الكاميرا الرقمية ويصنعها.

 

 

في لمح البصر خسر كلٌّ من "كوداك" و"فوجي فيلم" ميزتهما الرئيسية التي سمحت لهما بالتحكم في السوق وبهوامش الربح وهي احتكارهما لتقنيات التصنيع. بعبارة أخرى، وجدت الشركتان نفسيهما فجأة في ملعب مختلف لا تملكان أدواته وليس لديهما فيه ما يميزهما عن غيرهما. فالسوق يتشكل من جديد والكل يبدأ معاً من الصفر في صناعة جديدة تماماً.

 

لكن رغم فقدان سوق التصوير الفوتوغرافي لأكثر من 9 أعشار حجمه خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2010، تمكنت "فوجي فيلم" من زيادة إيراداتها بنسبة 57% خلال هذه الفترة في حين تراجعت إيرادات "كوداك" بنسبة 48%.

 

اليابانيون .. خطط جديدة لواقع جديد

 

كان العنصر الأساسي وراء نجاح "فوجي فيلم" في النجاة من هذه العاصفة هو التنويع. ففي مواجهة الانخفاض الحاد الذي شهدته مبيعات أعمالها الأساسية حاولت "فوجي فيلم" التصرف بسرعة وعدلت نموذج أعمالها من خلال الابتكار والتوسع الخارجي.

 

وتحت قيادة رئيسها التنفيذي "شيجيتاكا كوموري" المعين في عام 2000 نفذت الشركة بسرعة إصلاحات ضخمة، أهمها خطة "فيجن 75" التي أطلقها "كوموري" في عام 2004 لهدف رئيسي واضح وبسيط وهو إنقاذ "فوجي فيلم" من الكوارث وضمان سلامتها كشركة رائدة بمبيعات تبلغ 2 أو 3 تريليونات ين سنوياً.

 

وفي إطار تلك الخطة أعادت الإدارة هيكلة أعمال التصوير الفوتوغرافي من خلال تقليص خطوط الإنتاج وإغلاق المنشآت الزائدة على الحاجة. وفي الوقت نفسه تم نقل أقسام البحث والتطوير إلى منشآة بنيت حديثاً لتوحيد جهود البحث وتعزيز ثقافة التواصل بين مهندسي الشركة.

 

 

في ظل التراجع الحاد الذي يشهده سوق التصوير الفوتوغرافي أمر الرئيس التنفيذي للشركة رئيس قسم البحث والتطوير بتقييم التقنيات والتكنولوجيا التي تمتلكها الشركة والنظر في ما إذا كان هناك طلب عليها في الأسواق الدولية.

 

وبعد عام ونصف من البحث والتدقيق التكنولوجي قدم رئيس القسم إلى الرئيس التنفيذي رسمًا بيانيًا يوضح جميع التقنيات المملوكة للشركة والتي يعتقد القسم أنها تتناسب مع الأسوق المستقبلية.

 

رأى "كوموري" أن التقنيات التي تمتلكها "فوجي فيلم" يمكن استغلالها في الصناعات الناشئة في ذلك الوقت مثل الأدوية ومستحضرات التجميل وغيرهما. فعلى سبيل المثال كانت الشركة قادرة على التنبؤ بالطفرة التي شهدتها صناعة شاشات الـ"إل سي دي" واستثمرت بكثافة في ذلك السوق.

 

من الأفلام إلى الأدوية ومستحضرات التجميل

 

السؤال الذي قد يشغل أذهان البعض هو: ما علاقة شركة تصنيع أفلام فوتوغرافية بسوق مثل سوق مستحضرات التجميل؟ ببساطة مستحضرات التجميل تعتمد بشكل أساسي على الجيلاتين و"فوجي فيلم" كان لديها خبرة تصل إلى 70 عاماً في التعامل مع الجيلاتين باعتباره أحد المكونات الرئيسية الداخلة في صناعة الفيلم الفوتوغرافي.

 

وفي نفس الوقت كان لدى "فوجي فيلم" معرفة عميقة بعملية الأكسدة التي تؤثر على جودة الصور الفوتوغرافية مع مرور الوقت، وتؤثر أيضاً على شيخوخة الجلد البشري ونضارته. ومع محاولة الاستفادة من خبرتها وما تمتلكه من معرفة أطلقت "فوجي فيلم" خطاً إنتاجياً لصناعة المكياج في عام 2007 يسمى "أستليفت".

 

على الجانب الآخر عندما وجدت "فوجي فيلم" أنها لا تمتلك الكثير من التقنيات الواعدة التي يمكن أن تساعدها على دخول الصناعات الناشئة سعت الشركة اليابانية لتعويض ذلك النقص من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ على الشركات التي تمتلك التقنيات بالفعل.

 

 

على سبيل المثال استحوذت الشركة اليابانية على "تويوما كيميكال" في عام 2008 لدخول صناعة الأدوية. ولاحقاً قامت بتعزيز وجودها في القطاع من خلال الاستحواذ على شركة أدوية إشعاعية أصبحت تسمى الآن "فوجي فيلم أر آي فارما".

 

في عام 2010، أي بعد 9 سنوات من بداية انحدار سوق التصوير الفوتوغرافي كانت "فوجي فيلم" شركة جديدة تماماً. فبينما جاءت 60% من مبيعاتها وثلثا أرباحها في عام 2000 من الأفلام الفوتوغرافية وملحقاتها، لم يشكل هذا القسم أكثر من 16% من إيراداتها في عام 2010. ببساطة تمكنت فوجي فيلم من النجاة من العاصفة عبر استراتيجية إعادة هيكلة وتنويع مثيرة جداً للإعجاب.

 

لماذا فشلت "كوداك" الأمريكية؟

 

كان سبب فشل "كوداك" الأمريكية هو ذاته سبب نجاح "فوجي فيلم" اليابانية وهو التنويع. فافتقار "كوداك" للتنويع هو الذي جعل الشركة تتلاشى وتصبح جزءاً من التاريخ. على عكس فوجي فيلم التي أدركت بسرعة أن عصر التصوير الفوتوغرافي في طريقه للأفول، ولذلك سارعت إلى استغلال أصولها بشكل مختلف وتحويل اهتمامها إلى صناعات أخرى.

 

استمرت "كوداك" في ضخ الأموال بكثافة في صناعة التصوير لديها رغم خسائرها الكبيرة. وفي الوقت الذي كانت "فوجي فيلم" تقوم فيه بالاستثمار بكثافة في صناعتي الأدوية والرعاية الصحية للحد من تعرضها لصناعة التصوير الفوتوغرافي الآخذة في التراجع، قامت "كوداك" في عام 2007 ببيع قسم التصوير الطبي المربح جداً مقابل 2.35 مليار دولار من أجل ضخ المزيد من الأموال في صناعة الكاميرات، والتي كانت أشبه ببئر لا قاع له، في لفتة مثيرة للدهشة والاستغراب ولكنها توضح الفارق بين عقلية الأمريكيين واليابانيين في التعامل مع ذلك التحدي.

 

 

في النهاية أفل نجم "كوداك" بينما تقف "فوجي فيلم" اليابانية في السوق اليوم باعتبارها أحد أكبر اللاعبين في صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل بالعالم، بالإضافة إلى سيطرتها على أكثر من 70% من السوق العالمي لشاشات الـ"إل سي دي".

 

المصادر: أرقام
كتاب: Strategic Management: An Integrated Approach
كتاب: Innovating Out of Crisis: How Fujifilm Survived (and Thrived) As Its Core

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة