عندما سمع "ديفيد رودز" عن فكرة يوم العمل الذي يستمر لخمس ساعات فقط، أراد أن يوفر تلك الميزة لموظفيه. "ديفيد" هو الرئيس التنفيذي لشركة "بلو ستريت كابيتال"، وهي شركة مقرها كاليفورنيا توفر التمويل للشركات العاملة في أنظمة تكنولوجيا المعلومات.
ركوب الأمواج
"ديفيد" أيضًا من هواة ركوب الأمواج، وقد رأى أن إحدى شركات ألواح الركمجة على الإنترنت وتسمى "تاور لألواح الركمجة" قد قامت بتخفيض ساعات العمل اليومية لموظفيها إلى خمس ساعات فقط، فانبهر بالفكرة.
وقد أنشأت شركة "تاور" في 2010 على يد "ستيفان أرستول" الذي كان مقتنعاً بأنه يمكنه استخدام التكنولوجيا لإدارة الشركة ككل وليس فقط للوصول لقاعدة عملائه. وقال إن الموظفين إذا ركزوا على مهامهم ذات الأهمية العالية، وابتعدوا عن مصادر الإلهاء، واستخدموا التكنولوجيا لأتمتة المهام الروتينية فسيجعلون المهام الصعبة أسهل ويتحسن أداؤهم بشكل كبير. مما يمنحه الوقت لممارسة رياضته المحببة ركوب الأمواج.
وفي يونيو 2015، عرض ستيفان على موظفيه صفقة مفادها: إذا اكتشفت كيفية القيام بنفس العمل في وقت أقل، فيمكنك الاحتفاظ بنفس الراتب والانصراف في الساعة 1 بعد الظهر. كما قام بتنفيذ خطة لتقاسم نسبة 5% من الأرباح مع الموظفين مما أدى لرفع الأجور.
في اليوم الذي أعلنوا فيه التغيير على موقع الإنترنت الخاص بهم ، حطمت "تاور" سجل مبيعاتها اليومي السابق وسجلت مبيعات بقيمة 50 ألف دولار لأول مرة. وبنهاية الشهر، كانت قد باعت ألواح تجديف بقيمة 1.4 مليون دولار، محطمة بذلك أعلى رقم لمبيعاتها الشهرية السابق بـ 600 ألف دولار.
هل نحن حقا بحاجة لتحسين العمل؟
العالم يجري على قدم وساق، فالاقتصاد العالمي لا يتوقف أبداً والمنافسة لا هوادة فيها فكيف يمكن اتباع هذا النهج وتحسين الإنتاج في الوقت ذاته؟.
خلال السنوات القليلة الماضية، اتبعت مئات الشركات في مجموعة متنوعة من الصناعات في جميع أنحاء العالم نفس المسار الذي اتبعته "تاور لألواح الركمجة" و"بلو ستريت كابيتال" وخفضت عدد ساعات عملهم الأسبوعية دون خفض الرواتب، أو خفض الإنتاجية أو التضحية بالجودة والابتعاد عن العملاء.
قبل قرن من الزمان، جادل الفيلسوف "برتراند راسل" والخبير الاقتصادي "جون ماينارد كينز" بأنه بحلول عام 2000 (ثمانية عقود في مستقبلهم وعقدان من الزمن في ماضينا) سيكون بإمكاننا جميعًا العمل لأقل من ثلاث أو أربع ساعات في اليوم.
خلال حياة "راسل" و"كينز" قللت التكنولوجيا ونقابات العمال والمستويات التعليمية المرتفعة من متوسط ساعات العمل اليومية من 14 إلى ثماني ساعات في اليوم. واعتقدت أنه مع استمرار التقدم التكنولوجي خلال القرن العشرين، فقد تستمر الإنتاجية في الارتفاع، ويمكن للاقتصادات أن تستمر في النمو و تنخفض ساعات العمل في الوقت ذاته.
في الولايات المتحدة انخفضت ساعات العمل بالكاد منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك على الرغم من مكاسب الإنتاجية الهائلة والنمو الاقتصادي. جلب صعود وادي السيليكون في الثمانينيات نموذجًا جديدًا للعمل والنجاح جعل ساعات العمل الطويلة تتألق، وجعل مدمني العمل أبطالاً، وحول العمل الزائد إلى شارة للشرف.
نتيجة لذلك، نحن نعيش الآن في عالم سريع الحركة وغير مستقر حيث العمل الزائد هو مصدر ثروات للبعض وضرورة للبقاء على قيد الحياة للبعض الآخر.
تكلفة احتراق الطاقة البشرية
لكن طريقة العمل هذه مكلفة للأفراد والشركات والاقتصادات. إن التكلفة البشرية للعمل المرهق والإرهاق ضخمة، حيث يعاني الأشخاص المرهقون من ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة والاكتئاب.
جادل أستاذ الأعمال بجامعة ستانفورد "جيفري بفيفر" مؤخرًا بأن التكاليف الصحية لأماكن العمل سيئة التصميم تجعل العمل خطيرًا على الصحة مثل التدخين.
الإفراط في العمل يؤدي أيضًا إلى نتائج عكسية للشركات. فالموظفون الذين يعانون من فرط العمل هم في الواقع أقل إنتاجية من العمال الذين يحصلون على راحة جيدة. كما أنهم أقل انخراطًا في العمل، وأكثر احتمالية للمغادرة، بل وأكثر احتمالية لكسر القواعد الأخلاقية في العمل أو السرقة من الشركة.
يكلف استنزاف الموظفين الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 300 مليار دولار سنويًا في شكل إجازات مرضية وفقدان للإنتاجية.
يوفر أسبوع العمل القصير حلاً لكل هذه المشاكل (ثقافة العمل الشاق ، عدم المساواة بين الجنسين، والتقسيم غير المتكافئ للمكاسب الاقتصادية ، والتكاليف غير المباشرة الهائلة للإرهاق).
وأخيراً فالراحة ليست منافسًا للعمل، بل شريكة له. ففي العالم المتصل على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، يسهل الاعتقاد بأن العمل الزائد أمر لا مفر منه ولكنه في الحقيقة ليس كذلك.
المصدر: الجارديان
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}