تعتبر شركة "رويال داتش شل" واحدة من أكبر شركات النفط في العالم، حيث تنافس بشكل أساسي كلًا من "أرامكو" و"بريتش بتروليوم" و"توتال" و"إكسون" و"موبيل" و"شيفرون" وهي الشركات التي تنتج معًا الجزء الأكبر من احتياجات العالم من النفط والغاز.
وكغيرها من شركات الطاقة العالمية، تمتلك "شل" أعمالا متكاملة رأسيًا، وهو ما يعني أنها تقوم بكافة المهام على امتداد سلسلة التوريد الخاصة بالوقود الأحفوري، بما في ذلك الاستكشاف والاستخراج والتكرير والتعبئة والتوزيع وأخيرًا البيع بالتجزئة.
وفي سعيها لخفض التكاليف وزيادة الكفاءة ورفع معدلات الأمان بدأت "شل" تعتمد في السنوات الأخيرة على علم "البيانات الضخمة"، مما منحها ميزة كبيرة على كثير من شركات الطاقة العالمية التي لا تزال تعتمد على النهج التقليدي.
الاستكشاف يزداد صعوبة
في العقود الأخيرة نمت أعداد سكان الأرض بنسب متسارعة جدًا ساهمت في ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة التي يأتي أغلبها من مصادر غير متجددة مثل النفط والغاز. ومن المنطقي جدًا أن يدفع تضاؤل حجم احتياطيات النفط والغاز شركات الطاقة إلى البحث عن احتياطيات بديلة.
لكن عمليات الاستكشاف أصبحت أكثر صعوبة وكلفة لأن الشركات مضطرة الآن للحفر على أعماق أكبر، وتحتاج هذه العملية إلى الكثير من الدراسات والمعدات والقوى العاملة وقبل كل ذلك المال. ومن الممكن جدًا أن تنتهي جهود الشركة في النهاية إلى لا شيء.
في المتوسط، تبلغ تكلفة حفر بئر نفطية في المياه العميقة نحو 100 مليون دولار، ومبلغ مثل هذا لا ترغب أي شركة في أن يذهب سدى، وبالتالي لن تقدم على الحفر إلا في المواقع التي يرجح بنسبة كبيرة أنها تحتوي على احتياطيات معقولة.
تعتمد عملية استكشاف النفط والغاز بشكل أساسي على أجهز المسح السيزمي التي تقوم بالتقاط الموجات الزلزالية منخفضة التردد الناتجة عن النشاط التكتوني داخل الأرض. وبتحليل هذه الموجات يستطيع الخبراء تحديد طبيعة الوسط الذي انتقلت عبره والذي قد يكون صخورا صلبة أو سوائل أو مواد غازية، وهكذا يتمكنون من تحديد الموقع المحتمل للرواسب الهيدروكربونية.
ولكن المشكلة هي أن الاستنتاجات الأولية لعملية المسح السيزمي من الممكن جدًا أن تكون خاطئة أو غير دقيقة، كما أن محاولة التأكد منها تكلف الكثير من الوقت والمال وقد لا تنتهي إلى نتيجة محددة تشجع الشركة على البدء في الحفر. ولكن هذا الوضع تغير في السنوات الأخيرة بفضل التطورات الكبيرة التي شهدها علم البيانات.
كيف تستفيد "شل" من البيانات الضخمة؟
عملية المسح السيزمي التقليدية تتضمن عادة بضعة آلاف من القراءات لطبيعة استجابة أرض الموقع محل الاستكشاف للموجات الزلزالية، ولكن بفضل علم البيانات الضخمة أصبح من الممكن أن تنطوي هذه العملية على أكثر من مليون قراءة. فما يحدث ببساطة هو أنه يتم رفع القراءات الزلزالية على نظم حاسوبية تحليلية تقوم بمقارنة هذه البيانات مع تلك الخاصة بكثير من مواقع الحفر الأخرى في أنحاء متفرقة بالعالم.
وكلما زادت درجة تشابه البيانات المرفوعة مع البيانات الخاصة بمواقع حفر أخرى تحتوي بالفعل على احتياطيات كبيرة زاد احتمال أن تؤتي عملية الحفر في الموقع محل الاستكشاف ثمارها. وتعتمد "شل" حاليًا على هذه التقنية في أنشطة الحفر والاستكشاف الخاصة بها وهو ما جعلها أكثر ثقة من أي وقت مضى بقدرتها على التنبؤ بحجم الاحتياطيات.
ولا يعرف أحد على وجه اليقين الطبيعة الدقيقة للقياسات والتحليلات التي تستخدمها "شل" في تحليل بياناتها، حيث تعتبر سرًا تجاريًا يخضع لحراسة مشددة. ولكن المؤكد هو أن الشركة تستخدم كابلات الألياف البصرية وتكنولوجيا الاستشعار المطورة من قبل شركة "إتش بي"، كما تقوم بتخزين بياناتها وتحليلها بالاستعانة بمنصة برمجية تعمل على خوادم مملوكة لذراع الحوسبة السحابية الخاصة بشركة "أمازون".
وتشمل الأسرار أيضًا حجم البيانات التي تمكن حتى الآن النظام الخاص بـ"شل" من استخلاصها من كافة المواقع التابعة للشركة، على الرغم من أنه من المعروف أن ذلك النظام والذي يديره نحو 70 موظفًا تمكن من جمع واحد بيتا بايت من البيانات في أول اختبار له.
سعي حثيث
في الوقت ذاته، تستخدم "شل" البيانات الضخمة أيضًا في مراقبة أداء وحالة معداتها. فمن خلال تقنيات هندسية متطورة تقوم مجموعة من المستشعرات بجمع البيانات حول الأداء التشغيلي لكل المعدات الموجودة بموقع الحفر، مما يسمح للشركة بالحصول على تنبؤات دقيقة حول القدرة التشغيلية لكل معدة واحتمال تعطلها وإجراء الصيانة في الوقت المناسب وبشكل أكثر كفاءة.
ولا تقف جهود "شل" في تبني أحدث التكنولوجيا عند هذا الحد، فقد تعاونت الشركة مع مبرمجي "آي بي إم" وخبراء الأنيميشن في "دريم ووركس أنيميشن" لكي ينتجا لها أدوات تصوير بصري للبيانات تزود المحللين التابعين لها بنماذج ثلاثية ورباعية الأبعاد لخريطة الاحتياطيات الموجودة بباطن الأرض.
تستثمر "شل" بكثافة في هذه التقنيات لأنها تؤمن بأنه ما استمرت سيطرة الوقود الأحفوري على الجزء الأكبر من سوق الطاقة العالمي ستزداد الحاجة مع مرور الوقت لاستكشاف احتياطيات جديدة تحل محل ما يتم استهلاكه وهو ما سيؤدي بالتبعية إلى ارتفاع تكلفة الاستكشاف والاستخراج، وبإمكان تقنية مثل "البيانات الضخمة" أن تقلل بشكل كبير من التكاليف الخاصة بها من خلال مساعدتها على الاستفادة من مواردها بأفضل شكل ممكن.
المصادر: أرقام – وول ستريت جورنال
كتاب: Big Data in Practice: How 45 Successful Companies Used Big Data Analytics to Deliver Extraordinary Results
الورقة البحثية: Analytic Innovations Address New Challenges in the Oil and Gas Industry
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}