نبض أرقام
11:23 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21

المحلل عديم الضمير .. تضارب المصالح في سوق الأسهم

2020/04/10 أرقام - خاص

في أواخر التسعينيات وخاصة في الفترة ما بين عامي 1997 و2001 كان الاقتصاد الأمريكي مدفوعاً للأعلى بفضل أنشطة المضاربة واسعة النطاق في أسهم التكنولوجيا على خلفية سعي المستثمرين إلى الاستفادة من الشركات التي تحاول مواكبة عصر الإنترنت.
 


 

هذا الحماس الكبير لأسهم شركات التكنولوجيا والإنترنت دفع أسعارها إلى مستويات مرتفعة جداً لا تبررها الأساسيات بأي حال. وعندما انفجرت الفقاعة وانهارت أسعار الأسهم في عامي 2000 و2001 خسر العديد من المستثمرين جزءًا كبيراً من أموالهم.
 

أين تكمن المشكلة؟
 

في ذلك الوقت شجع العديد من المحللين في وول ستريت المستثمرين على الاستثمار في أسهم شركات التكنولوجيا المتضخمة سعرياً ودفع أسعار عالية في شركات أرباحها ضئيلة أو معدومة بحجة أن المستقبل لها.

وحرص المحللون على التأكيد بانتظام على أن الناس سوف يشترون قريباً كل شيء عبر الإنترنت، وعلى هذا الأساس أوصوا المستثمرين بشراء أسهم أي شركة تقريباً تعمل في تجارة الإنترنت.

 

لكن انفجرت الفقاعة وخسر الناس أموالهم مع انهيار قيمة أغلب الشركات. وحتى شركات التكنولوجيا التي نجت بعد انفجار الفقاعة ونجحت في إثبات نفسها كشركات ناجحة في مجالها مثل "إنتل" و"سيسكو سيستمز" لا تزال أسعار أسهمها أقل من ذروتها حين انفجرت الفقاعة قبل 20 عاماً تقريباً.
 

المشكلة هي أنه كان هناك تضارب مصالح مكمنه أن المحللين الذين أوصوا المستثمرين بشراء أسهم شركات ضعيفة الأداء باعتبارهم عاملين بمجال بحوث الاستثمار كان أغلبهم ينتمي لمؤسسات تجمع بين وظيفتي البنوك الاستثمارية وشركات البحوث.

أي أنها توفر خدمات للمستثمرين وإدارات الشركات في الوقت ذاته. ولكن ماذا لو تعارضت مصالح الاثنين؟

 


 

عندما ترغب أي شركة في طرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي فإنها تفعل ذلك عبر أحد البنوك الاستثمارية، والذي يقوم بهذه المهمة مقابل رسوم معينة.

البنك الاستثماري من مصلحته أن تتم تغطية الاكتتاب بنسبة 100% وبالتالي بيع كل الأسهم المصدرة من قبل هذه الشركة، لأنه إن بقي شيء منها غير مبيع سيحتفظ به في دفاتره.

 

من هنا يصبح للبنك الاستثماري مصلحة مالية مباشرة في نقل نظرة إيجابية عن الشركة المطروحة للاكتتاب العام إلى جمهور المستثمرين بغض النظر عن مدى جاذبيتها وجودتها كخيار استثماري.

ولذلك ينص القانون على ضرورة وجود فصل وعزل تامين بين الموظفين العاملين في قسم الخدمات الاستثمارية ونظرائهم العاملين في قسم البحوث.

 

دائماً ما تثار هناك تساؤلات حول جدية هذا الفصل حين يقوم محلل تابع لأحد البنوك الاستثمارية بالتوصية بشراء سهم شركة يدير لها البنك عملية الاكتتاب العام.

وفي النهاية من غير المرجح أن تلجأ أي شركة تخطط للاكتتاب العام إلى الاستعانة بخدمات بنك استثماري يقلل محللوه من جاذبية الشركة كخيار استثماري.

 

المحلل الذي يوصي بشراء كل شيء
 

في ديسمبر من عام 1998 حقق المحلل المالي "هنري بلودجيت" شهرة كبيرة بعدما تنبأ بأن شركة "أمازون دوت كوم" للتجارة الإلكترونية التي كان يتم تداولها عند 242 دولاراً للسهم – وهو السعر الذي كان يراه معظم المحللين مبالغاً فيه – سوف تصل قريباً إلى 400 دولار للسهم، متوقعاً توسعها على مدى السنوات الخمس المقبلة.
 

وفي خلال شهر واحد صدقت نبوءة "بلودجيت" وتجاوز سعر سهم "أمازون" 500 دولار، لتبدأ طلبات المقابلات تنهال على الرجل من كل حدب وصوب.

هذا التنبؤ الصائب أهّل "بلودجيت" ليحل في عام 1999 محل المحلل المختص بشركات الإنترنت لدى شركة ميريل لينش "جوناثان كوهين" الذي فشل في توقع طفرة أمازون.

 

عندما انضم "بلودجيت" إلى "ميريل لينش" كانت العلاقة بين الشركات ووول ستريت تتوطد.

فقد أصبحت شركات السمسرة مثل "ميريل لينش" التي كانت تركز دائماً على المستثمرين الأفراد دكاكين مالية تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات بما في ذلك الخدمات المصرفية الاستثمارية.

 


 

المحللون الذي كانوا مهتمين فقط بتقديم المشورة للمستثمرين حول الشركات، أصبحوا الآن يحسبون حساب كل كلمة قد تعكر صفو العلاقة مع كبرى الشركات في السوق والتي تستعين بشركاتهم في خدمات مجزية مادياً كالخدمات الاستثمارية، وذلك رغم أنه من المفترض وجود جدار يفصل بين المحللين العاملين بأقسام البحوث وبين نظرائهم العاملين بقسم الخدمات الاستثمارية.
 

لكن في أواخر التسعينيات بدأ الجدار الذي يفصل عادة بين المحللين وبين المصرفيين الاستثماريين في الانهيار في شركات كبرى مثل "ميريل لينش".
 

أظهرت تحقيقات هيئة الأوراق المالية والبورصات أن "بلودجيت" الذي انضم حديثاً لـ"ميريل لينش" كمحلل بقسم البحوث مهمته نصح المستثمرين، وكرس هو وفريقه ما لا يقل عن نصف وقتهم في مساعدة الشركة بأنشطتها المصرفية الاستثمارية، في تضارب واضح للمصالح.
 

على حساب المستثمرين
 

في الحادي عشر من يناير عام 2001 أرسل "بلودجيت" تقريراً لعملاء شركته أعطى فيه توصية بالشراء لسهم شركة "جو تو".

ولكن وفقاً لتحقيقات الهيئات التنظيمية فإن "بلودجيت" نفسه رد على أحد عملائه الكبار الذي كان قد أرسل له بريداً إلكترونياً يسأله "ما المثير للاهتمام في "جو تو" باستثناء الرسوم المصرفية التي تدفعها لكم؟" قائلاً : "لا شيء".

 

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. ففي مايو من نفس العام اقترح المصرفيون الاستثماريون بـ"ميريل لينش" على "جو تو" أن يتولى البنك إدارة طرح ثانوي لأسهمها وهو ما ستحصل مقابله " ميريل لينش" على عمولة كبيرة.

ولكن بعد أيام أبلغت "جو تو" "ميريل لينش" بأنها تعتزم إعطاء إدارة الاكتتاب لشركة أخرى، ليقوم على الفور "بلودجيت" بتخفيض توقعاته لآفاق نمو "جو تو"!

 


 

في عام 2001 أشار أحد مراسلي "نيويورك تايمز" إلى أن "بلودجيت" قام طوال عامي 1999 و2000 بنصح المستثمرين بشراء كل الأسهم التي قام بتغطيتها تقريباً.
 

لكن عندما انفجرت فقاعة دوت كوم في عام 2000 وخسر المستثمرون ما مجموعه 5 تريليونات دولار سعى كثير منهم للنيل ممن ضللهم. وأصبح "إليوت سبيتزر" المدعي العام لولاية نيويورك بطلهم.

أراد "سبيتزر" خلال التحقيقات أن يعرف سبب قيام أقسام البحوث في العديد من شركات وول ستريت بإصدار تقارير مضللة تهدف إلى كسب ود الشركات على حساب المستثمرين.

 

وكانت "ميريل لينش" واحدة من بين الشركات التي حقق "سبيتزر" في أنشطتها، حيث قام بفحص أكوام من رسائل البريد الإلكتروني والتقارير البحثية الصادرة عن "بلودجيت" والتي أثبتت أنه ضلل المستثمرين من خلال مدح شركات الإنترنت علناً ووصفها في الخفاء بأنها شركات فاشلة.
 


 

وفي أبريل من عام 2003 خلصت تحقيقات هيئة الأوراق المالية والبورصات إلى أن "بلودجيت" أصدر تقارير عن سبع شركات إنترنت أبدى فيها آراء إيجابية لا تتوافق مع تلك الآراء السلبية التي كشف عنها خلال محادثات خاصة تجاه نفس الشركات.
 

وفي النهاية تمت تسوية الأمر مقابل دفع "بلودجيت" لغرامة قدرها 4 ملايين دولار، بالإضافة إلى منعه للأبد من العمل مرة أخرى في صناعة الأوراق المالية.
 

المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – ذا نيويوركر – كتاب " When Good Companies Go Bad"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.