بصفة دورية تنشر المواقع والصحف المالية قائمة ترصد خلالها الأسهم التي سجلت أدنى سعر لها في آخر 52 أسبوعًا، وهي القائمة التي تلقى عادة تفاعلًا كبيرًا من قبل القراء، وذلك لأنها تضم واحدة من أشهر البيانات التي كثيرًا ما يركز عليها المستثمرون أثناء محاولتهم اتخاذ قرارات البيع والشراء في السوق.
ورغم كونها المعلومة الأكثر طلبًا تقريبًا من قبل مستثمري الأسهم إلا أنها أيضًا تعد واحدة من أكثر المعلومات التي يساء استخدامها من قبل المستثمرين وخصوصًا حديثي العهد منهم بالسوق والذين يعتمدون عليها كاستراتيجية يبيعون ويشترون على أساسها قبل أن ينتهي الحال بمعظمهم مصطدمين بالحائط.
المنطق السائد بين كثيرين حول هذه المعلومة هو أن وصول سعر السهم إلى أدنى مستوى له في 52 أسبوعًا يجعله فرصة شراء لا تفوت، حيث إنهم يفترضون هنا أن السهم وصل بالفعل إلى القاع وأن اتجاهه الطبيعي والمنطقي القادم سيكون نحو السماء. بهذه البساطة!
هؤلاء يستخدمون هذه المعلومة كنقطة مرجعية، ولكن ما لا يدركونه هو أن هذه النقطة المرجعية المتصورة لا تحمل في الحقيقة أي معنى أو قيمة خاصة من الناحية العددية. ورغم ذلك، يظل لهذه المعلومة تأثير كبير على المستثمرين من الناحية النفسية قادر على تحريك سعر السهم.
كيف يجب أن يتفاعل المستثمر مع هذه المعلومة؟ هذا هو موضوع التقرير ومحور هذه الجلسة.
فرصة لا تعوض!
تدخل إلى المول التجاري فتلاحظ أن أحد المحلات يعرض قميصًا للبيع بخصم نسبته 50%، هل تشتريه؟ على الأغلب ستفعل. ولكن ماذا لو علمت أن هذا القميص جودته سيئة؟ هل سيشكل الخصم أي قيمة بالنسبة لك حينها؟ أغلب الظن لا، لأنه مهما كان سعره يظل ثمنه غاليًا نظرًا لسوء جودته.
نفس المنطق في سوق الأسهم، فوصول السهم إلى أدنى سعر له في 52 أسبوعًا لا يجعله سهمًا جيدًا أو سيئًا. فهذه المعلومة بمفردها لا تشكل أي قيمة، ورغم ذلك تجد بعض المستثمرين وخصوصًا عديمي الخبرة منهم مغرمين بشكل كبير بشراء أي سهم يستقر عند أدنى مستوى سعري له في 52 أسبوعًا، معتقدين أنهم بطريقة ما نجحوا في اقتناص فرصة لا تعوض.
كثير من المستثمرين للأسف يخلطون بين هذه الاستراتيجية وبين استثمار القيمة، ولكنهم لا يدركون أن وصول السهم إلى أدنى مستوى له في 52 أسبوعًا لا يجعله سهمًا رخيصًا يتم تداوله بأقل من قيمته الحقيقية، لأن السعر السوقي بحد ذاته لا يحدد ما إذا كان السهم رخيصًا أو باهظ الثمن. من الممكن جدًا أن يهبط سعر السهم إلى ريال واحد ويظل سهمًا غاليًا، أو يرتفع إلى أعلى مستوى في تاريخه ويبقى رخيصًا.
إلى جانب السعر يجب أن يأخذ المستثمر جودة السهم في اعتباره. فالسهم الذي يستحق الشراء هو ذاك الذي يتمتع بأساسيات قوية وفي نفس الوقت يتاح في السوق بخصم معتبر على قيمته العادلة، وهو ما سيوفر له هامش أمان يقيه شر تقلبات السوق ومن قبله الزمن.
والأساسيات تشمل أشياء كثيرة من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الإدارة وآفاق النمو والإيرادات والميزة التنافسية والسمعة التجارية والحصة السوقية. وينبغي للمستثمر أن يقارن السعر المعروض بالقيمة العادلة للسهم التي يستمدها من حالة هذه العوامل، ولكن الكثيرين يفضلون للأسف التركيز فقط على السعر، مما يقودهم في النهاية إلى الوقوع في الفخ.
المستثمر العاقل قبل أن يسارع إلى شراء السهم المستقر حاليًا عند أدنى مستوى له في 52 أسبوعًا سيقف لحظة ليسأل نفسه عن السبب وراء وصول السهم إلى هذا المستوى من الأصل. فربما يوجد سبب وراء تراجع سعره، وعلى الأغلب هناك.
السعر السوقي للسهم هو في الحقيقة ليس سوى مؤشر على القيمة التي يعتقد المشاركون في السوق أن السهم يستحقها. فالسهم قد يكون وصل بالفعل إلى هذا المستوى لأن جمهور المستثمرين في السوق يشكون في آفاق نمو الشركة أو لا يثقون في إدارتها أو لأي سبب آخر يجعلهم قلقين بشأن مستقبلها.
ومن نافلة القول طبعًا أن نؤكد أن الرأي الجمعي للمشاركين في السوق ليس دائمًا صحيحاَ، ولكن ما لم تكن لديك أسباب معقولة ورؤية محددة تدفعك للشك فيما اجتمع عليه السوق فلا يجدر بك أن تتذاكى أو تتحاذق وتحاول أن تبدو كما لو كنت أكثر ذكاءً من الآخرين وتخالف لمجرد المخالفة.
رحلة اكتشاف القاع
أهم معلومة يجب أن يضعها نصب عينيه كل من يفكر في انتهاج هذه الاستراتيجية هي أن السهم المتراجع حاليًا إلى أدنى سعر له في 52 أسبوعًا سيستمر على الأرجح في التراجع على الأقل لفترة قصيرة بسبب زخمه السلبي. فالسهم ببساطة لن يعكس اتجاهه فورًا احتفالًا بقدومك، بل على الأغلب سيستمر في اتجاهه الحالي لبعض الوقت، لتبقى بعدها كمستثمر أمام احتمالين:
إما أن يتمكن السهم لاحقًا من عكس اتجاهه بعد أن يبدأ السوق في إدراك أنه سهم أساسياته جيدة مثلًا ويستحق أكثر من سعره الحالي، وإما يأخذك وتهبطا معًا إلى القاع، الذي اتضح أنه (ويا للمفاجأة) لا يزال بعيدًا وأن أدنى سعر للسهم في 52 أسبوعًا ربما كان السطح أصلًا، وبالتالي فالرحلة إلى القاع لا تزال طويلة.
وبالتالي، إذا وجدت سهمًا يتم تداوله عند أدنى مستوى له في 52 أسبوعًا وفي نفس الوقت أساسياته جيدة تشير إلى مستقبل جيد له، فيجب أن تكون مستعدًا ماليًا ونفسيًا لاحتمال استمراره في التراجع لبعض الوقت قبل أن يتمكن من عكس اتجاهه. ومن المهم أيضًا أن تدرك أن السوق في بعض الأحيان يكون بطيء الفهم، وبالتالي قد يستغرق الأمر فترة أطول من قدرتك على تحمل الخسائر. ضع كل هذا في حسبانك.
على الجهة الأخرى، قد يكون هناك بالفعل سبب وجيه يبرر تراجع السهم إلى ذلك المستوى، كأن تكون أساسياته تدهورت للأسوأ مثلًا. ولذلك قبل أن تندفع إلى شراء السهم قم بواجبك وحاول أن تفهم سبب انخفاض سعر السهم، وهل هذا السبب لا يزال قائمًا أم أنه كان مجرد رياح عكسية عابرة.
افهم أولًا
قيامك بشراء سهم متراجع دون أن تفهم سبب تراجعه يعرضك لخطر تكبد خسائر كبيرة. ربما لا نستطيع الإشارة إلى حالات بعينها، ولكن حدث كثيرًا أن قفز كثيرون على سهم متراجع لاعتقادهم أنه معروض بسعر رخيص دون أن يفهموا سبب تراجعه أصلًا، وانتهى بهم الأمر على نحو غير سار. هذا فيلم متكرر كثيرًا للأسف ربما يقرأ بعض أبطاله هذا التقرير.
خلاصة القول: لا يجدر بالمستثمر أن يندفع لشراء سهم لمجرد أنه يتداول حاليًا عند أدنى مستوى له في 52 أسبوعًا، لأن هذه المعلومة بحد ذاتها عديمة القيمة ولا يُبنى عليها قرار ومن السذاجة وضعف الحكمة أن يعتقد المستثمر أن هذه النقطة هي القاع أو أن يحاول أصلًا تحديد القاع.
الأسعار الأدنى في 52 أسبوعًا تصبح معلومة مفيدة جدًا إذا استخدمت في سياق وإطار تحليلي أوسع عماده الرئيسي هو حالة الأساسيات. وفي هذا الإطار قد يفيدك الاطلاع على التقرير التالي: السهم الرخيص غال.
وبينما نستعد لرفع الجلسة وإنهاء التقرير ليذهب كل إلى بيته ليلزمه وسط الأجواء الحالية التي لا تحبذ فيها التجمعات يتعالى صوت يأتي من آخر المجلس لأحدهم يسأل مستفسرًا: وما العمل إذا حاولت أن أعرف سبب تراجع سعر السهم ولم أفهم شيئا؟ "ابتعد عما لا تفهمه" هكذا ينصح الخبراء. رفعت الجلسة وانتهى التقرير.
المصادر: أرقام – سيكينج ألفا
كتاب: The 52-Week Low Formula
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}