واقع الشركات الحكومية وما آل إليه وضع بعض هذه الشركات من خسائر وتراجع وتدهور في الإنتاجية هو ما دعا الكثيرين للمطالبة بإعادة النظر في واقع الشركات الحكومية وضرورة تبني “خطة انقاذ” سريعة يمكنها أن تجنب هذه الشركات المزيد من الخسائر والأعباء المالية التي ليس بمقدور الحكومة تحملها في ضوء الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها السلطنة بسبب تراجع أسعار النفط وتفاقم تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني.
عدد من الاقتصاديين ممن التقى بهم “الوطن الاقتصادي” أرجعوا أسباب تراجع أداء الشركات الحكومية والخسائر التي تسجلها سنويا هذه الشركات للعديد من الاعتبارات ومنها سوء الإدارة وغياب المتابعة والمحاسبة وعدم وجود رؤية واضحة حول طبيعة وتوجهات إدارات هذه الشركات وارتفاع الأجور والميزات وتنوع الجهات الرقابية والإشرافية على هذه الشركات وعدم وجود معايير واضحة للتوظيف.
وقالوا إن الشركات الحكومية وعلى مدى السنوات الماضية كانت عبئا على كاهل الدولة، وبدل أن تكون سندا وداعما لخزينة الدولة أصبحت تستنزف موارد مالية ضخمة، وهو ما رفع من حجم عجوزات هذه الشركات وبالتالي يرون أنه قد حان الوقت لإعادة ترتيب أوضاع هذه الشركات لتكون فاعلة في المشهد الاقتصادي والتنموي خلال المرحلة القادمة وذلك عبر تبنى برنامج طموح لتمكين هذه الشركات وتعزيز إنتاجيتها وعوائدها إذا ما أردنا لها النجاح.
كما أكدوا أهمية أن تكون هناك جهة مستقلة تعنى بالإشراف والمتابعة على الشركات الحكومية بدل ان تكون تحت إشراف جهات مختلفة، وأهمية العمل على تفعيل نظام الحوكمة على هذه الشركات أو الشركات التي تملك الحكومة حصة من رأسمالها بما يحقق العائد المرجو من هذه الشركات على مالية الدولة في الوقت الذي رآى فيه البعض أن معالجة أوضاع الشركات الحكومية مرتبطة بقدرتها على الممارسة والتطبيق وليست الهيكلة لان الهيكلة في النهاية تبقى مجرد إجراء.
قرارات جريئة
الدكتور سعيد بن محمد الصقري رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية أكد على أهمية النظر في واقع الشركات الحكومية والعمل على رفع كفاءتها من خلال تخفيض مصاريفها أو رفع مستوى إنتاجيتها وأدائها وتقليل المصاريف الإدارية أو التشغيلية أو أي مصاريف أخرى يمكن أن تحد من استنزاف الموارد المالية لهذه الشركات وهذا الوضع يتوجب تطبيقه على الشركات الحكومية أو مؤسسات الدولة المختلفة اذا ما أردنا بالفعل أن نصحح وضع الشركات الحكومية وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى في ظل الوضع الاقتصادي الحالي الذي تشهده السلطنة مع الارتفاع المتواصل في حجم العجز والمديونية، فالظروف الحالية صعبة وبحاجة لتعاون وتكاتف الجميع لنتجاوزها بأقل الخسائر بالإضافة لإعادة ترتيب الأولويات في توجهات وبرامج الدولة التنموية خلال المرحلة القادمة وفي مقدمتها الشركات الحكومية.
وقال الدكتور سعيد الصقري: من الأهمية خلال الفترة القادمة أن نكون صريحين ونطرح أفكارا وقرارات جريئة ونتحدث بصدق لأن الواقع الذي تعيشه الشركات الحكومية بحاجة لقرارات إذا ما أردنا لها أن تسهم وتتفاعل مع التطورات الاقتصادية الحاصلة عبر التخفيض في مصروفاتها حتى لو تطلب ذلك إعادة النظر في الأجور والرواتب وآليات التعيين والتوظيف والمصرفات المتكررة والمصروفات الجارية والمصروفات الرأسمالية وهذا الأمر معمول به في الكثير من الدول التي تعيد بين فترة وأخرى دراسة جوانب عديدة في مؤسساتها في ظل الأزمات الاقتصادية.
وأضاف رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية: من الأهمية رفع كفاءة وأداء الشركات الحكومية بما يتاح من موارد لكن من المهم ايضا إخضاع المؤسسات الحكومية للحوكمة والمحاسبة بما يؤدي لرفع كفاءتها وتحقيق الأهداف المرجوة منها وتحقيق الأرباح واستدامتها ومساهمتها في مالية الدولة.
أسباب رئيسية
ورد الدكتور الصقري في سؤال حول الأسباب الرئيسية من وجهة نظره لأن يصل بعض شركاتنا الحكومية لهذا المستوى المتراجع من الأداء وما إذا كانت المشكلة في سوء الإدارة المالية أو الإدارة التنفيذية فقال: لا أملك بيانات دقيقة لتوصيف المشكلة لكن الواضح ان الشركات الحكومية زاد اعتمادها على الحكومة في الوقت الذي كان الهدف من إنشائها رفد مالية الدولة والتقليل من الخسائر وغيرها من الجوانب الأخرى الكثيرة التي كانت موضوعة ضمن أهداف وتوجهات الشركات الحكومية.
وقال: إن هذه المؤسسات الحكومية قامت بهدف تنمية كوادر بشرية وطنية قادرة بأن تدير هذه المؤسسات بكفاءة وفعالية ومعظم هذه المؤسسات اليوم تعتمد على خبراء أجانب.
وفيما يتعلق بدمج هذه الشركات في تكتلات كبيرة على غرار ما تم في المجموعة العمانية للطيران ومجموعة أسياد وأكيو وأهمية هذه الخطوة في تقليل خسائر الشركات الحكومية وتعزيز انتاجيتها قال: المؤمل من دمج وفصل الشركات هو تحقيق الأهداف المرجوة منها وأن تعمل بشفافية وأن تكون نتائجها وبرامجها واضحة ومؤشرات الأداء لهذه الشركات معلنة ومتاحة بجانب إخضاعها للحوكمة وهو من الجوانب المهمة والاساسية لهذه الشركات خلال المرحلة القادمة، وبالتالي لا يمكن أن تكون الحكومة هي المالك وهي المحكم، وعليه فإن من الأهمية ان تكون هناك جهات خارجية محكمة، اذا لم توجد آليات تصحيح تلقائية في أي عمل فسيبقى الخلل موجودا وتتراكم التحديات والمشكلات.
وبالنسبة لتخصيص بعض من هذه الشركات قال سعيد الصقري: للتخصيص الكثير من الإيجابيات خاصة بالنسبة للمؤسسات الخدمية بل قد يكون من الحكمة ان تخصص بعض المؤسسات التي تشكل عبئا على الموازنة العامة مع وجود الضمانات لتقديم خدمات نوعية وبأسعار مناسبة وضمان استفادة الحكومة بوجود عائد على شكل ضرائب ورسوم من تخصيص هذه المؤسسات.
إعادة الهيكلة .. ضرورة ملحة
الدكتور ناصر المعولي عميد كلية الدراسات المصرفية والمالية أكد من جانبه أهمية العمل على إعادة هيكلة الشركات الحكومية بما يجعل منها شركات ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني وتدعم الخزينة العامة للدولة وتتفاعل مع التطورات الاقتصادية والتنموية محليا ودوليا.
وقال: من المهم أن يكون هناك تصنيف للشركات الحكومية وإيجاد معايير لإعادة هيكلتها بدل وضعها في قالب واحد، فهناك شركات جيدة وتحقق أرباحا وهناك شركات تخسر، وبالتالي فإن تصنيف الشركات الحكومية بناء على الربحية والإنتاجية وكفاءة رأس المال ونوعية الخدمة سيعزز من أدائها.
وأضاف المعولي: بعد تصنيف هذه الشركات إلى مجموعات ولنقل على سبيل المثال 3 مجموعات، الشركات الجيدة وتصنف باللون الأخضر، والشركات التي يمكن معالجتها وإعادة هيكلتها أو دمجها وخصخصتها باللون الأصفر، والشركات ذات اللون الأحمر وهي التي من وجهة نظري يجب التخلص منها بشكل سريع، وبناء على ذلك التصنيف سنوجد معايير مهنية واقتصادية ومالية للوقوف على الشركات التي نستطيع ان نعتمد عليها في المرحلة القادمة والإبقاء عليها والتخلص من الشركات التي قد يصعب تعديل أوضاعها خاصة اذا كانت هذه الشركات لا تقدم خدمات ولا تساهم في التوظيف.
أما الشركات التي تحقق ربحية ومستوى الإنتاجية لديها عال فهذه الشركات يجب رعايتها وتطوير أدائها وتحسين انتاجيتها بما يعزز من حضورها وتساهم مع الحكومة في رفد الميزانية العامة للدولة.
إدارة تقليدية
وعن المشكلات التي عانت منها هذه الشركات وهل مسألة الخسائر ترتبط بسوء الإدارة أو الارتفاع في الأجور وعدم وجود وضوح بالنسبة لطبيعة وعمل هذه الشركات قال المعولي: المشكلة الرئيسة في موضوع الشركات الحكومية أنها ما زالت تدار بالعقلية التقليدية، وبالتالي فإن أي شركة لم تؤسس بناء على فكر تجاري من الصعب جدا اليوم أن تحقق أرباحا وهذا نرجعه إلى أن هذه الشركات ظلت معتمدة على الدعم الحكومي، فالمتابع للموازنات السنوية للدولة يلاحظ أن هناك بندا يتعلق بدعم الشركات الحكومية وهنا نتٍساءل لماذا هذا الدعم الحكومي؟
وأوضح الدكتور ناصر المعولي في حديثه قائلا: النظريات الاقتصادية والتجارب التي مرت بها الكثير من الشركات العالمية أثبتت أن المؤسسات التي تعتمد على الدعم الحكومي احتمالية فشلها كبير وقدرتها على المنافسة ضعيفة، لأنها حتى ولو تمكنت من المنافسة فهي في النهاية معتمدة على الدعم الحكومي. وهناك اليوم منظمات عالمية اقتصادية تقف ضد دعم هذه الشركات ولدينا في المنطقة نماذج لشركات كبيرة ناجحة لكن هذا النجاح قائم على الدعم الحكومي وتسهيل الإجراءات لها، وعليه فإن الإبقاء على الدعم الحكومي قد يطيح بهذه الشركات في يوم من الأيام وهناك العديد من التجارب على ذلك.
وأكد الدكتور ناصر المعولي على أهمية العمل على تغيير ثقافة هذه الشركات وأن تعمل بمفهوم اقتصادي وتجاري بشكل بحت وأن ” تفطم ” هذه الشركات عن أي دعم حكومي باعتباره السبب في ترهل هذه الشركات، وغياب الربحية وضعف الأداء.
هيئة مستقلة
وفي سؤال حول ما إذا كنا بحاجة لوجود هيئة مستقلة تعنى بإدارة هذه الشركات قال المعولي: من الأهمية أن نفرق بين هيكلة الشركات والممارسات العملية، فالمهم بالنسبة لهذه الشركات هي الممارسة والتطبيق وليست الهيكلة التي هي في النهاية تبقى مجرد إجراء.. فهناك قطاعات في السلطنة على مستوى المؤسسات الحكومية بشكل عام لديها هيكلة ممتازة لكن يبقى الخلل في التطبيق والممارسة.
الحوكمة تعزز الإنتاج
وأكد الدكتور المعولي: أن من المهم بالنسبة للشركات أو المؤسسات الحكومية العمل على تطبيق نظام الحوكمة فما دام أن هناك حوكمة صارمة اذن هناك محاسبة ورقابة وشفافية ووضوح للرؤية والتوجهات في عمل وأداء هذه الشركات. فتفعيل الحوكمة في هذه الشركات سيوجد إدارات إنتاجية فاعلة ومجلس إدارة يراعي مصالح هذه الشركات وأيضا بالنسبة للتعيينات في هذه الشركات والتي يفترض ان تكون على أساس الكفاءة والخبرة عكس ما هو حاصل حاليا منوها إلى أهمية اختيار مجالس إدارة فاعلين ولديهم الخبرة والدراية للدفع بهذه الشركات لتحقيق الربحية والإنتاجية.
الشركات الوطنية
وتطرق الدكتور ناصر المعولي لموضوع يتعلق ببعض الشركات ذات الطابع الوطني وقال: هذا النوع من الشركات من وجهة نظري لا يترك لمجلس إدارة، والسبب أن هذه الشركات وطنية من الدرجة الأولى، ومنها على سبيل المثال شركات الاتصالات وشركات الطيران، فيفترض أن تكون إدارتها من قبل مجلس الوزراء وذلك للعديد من الاعتبارات منها أنها شركات ربحية وتمس المواطن والمقيم بشكل مباشر وبعض الدول تعتبر هذه الشركات جزءا من أمنها الوطني.
دور تكاملي
وبالنسبة للخطوة التي اتخذتها السلطنة في دمج بعض الشركات في مجموعة واحدة قال: من المبكر الحكم على نجاح هذه الشركات، فهي ما زالت حديثة النشأة لكن من المهم التأكيد على أن لا تنافس هذه الشركات القطاع الخاص ولا تستحوذ على السوق وأن لا تستأثر بالقوانين والنظم الحكومية لخدمة مصالحها، فعمل الشركات الحكومية بهذه الطريقة لن يخدم الاقتصاد ولن يشجع على الاستثمار من قبل القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
وقال: من المهم أن تقوم الشركات الحكومية مع مؤسسات القطاع الخاص بدور تكاملي والعمل بتجانس وأن تكون داعمة ومساندة لها لا أن تقف وراء توجهاتها وطموحاتها.
واقع الشركات الحكومية
وقال محمد بن سليمان الكندي عضو اللجنة الاقتصادية والمالية ورئيس فريق الدراسة حول واقع أداء بعض الشركات الحكومية في مجلس الشورى بالفترة الثامنة: الحديث عن واقع الشركات الحكومية ليس بجديد بل هو طرح قديم تم تناوله في الكثير من اللقاءات والمؤتمرات والندوات لعدة سنوات وتم الوقوف على التحديات والمشكلات التي تواجه هذه الشركات، ومجلس الشورى لطالما دعا لمراجعة واقع الشركات الحكومية في مجموعة من الدراسات واللقاءات، ورغم التعديلات التي تطرأ في سبيل تحسين إدارة هذه الشركات إلا أن حال هذه الشركات لا يزال يتفاوت بين ما هو مأمول وبين الواقع والذي يتطلب تدخلات واقعية وحقيقية بمقدورها إنقاذ عدد من الشركات الحكومية من الخسائر المتزايدة التي تمنى بها سنويا.
وأضاف: الهدف من تأسيس الشركات الحكومية هو المساهمة في تنويع مصادر دخل الدولة من خلال تخفيف العبء المالي عنها خاصة في فترة الأزمات، إذ ترتكز غالبا هذه الشركات في قطاعات استراتيجية تتميز بنسب مخاطرة وتنافسية عالية وتتطلب موظفين ذوي تعليم ورواتب مناسبة وتستوعب مجموعة من العاملين العمانيين المؤهلين، ولكن رغم أشكال الدعم التي وفرتها الحكومة بقيت بعض هذه الشركات تعتمد بشكل رئيس في مصروفاتها والتزاماتها المالية على الحكومة للعديد من الأسباب منها ما قد يتعلق بسوء الإدارة ومنها ما هو مرتبط بعدم توظيف الموارد المالية والبشرية لهذه الشركات بالأسلوب الصحيح وهو ما فاقم من مشكلة الشركات الحكومية على مدى السنوات الماضية، ولا يعني ذلك أن بعضها لا يعاني من تحديات السوق والبعد التجاري الخاص بخدماتها.
5 شركات تحت التقييم
أضاف محمد الكندي: قام مجلس الشورى خلال فترته السابقة بتكليف لجنة شرفت برئاستها لدراسة واقع 5 شركات حكومية كبيرة تم تحديدها من قبل اللجنة المشكلة وبحث وضعها المالي والإداري والوقوف على مكامن الخلل بهدف الخروج بتوصيات تكون مناسبة لهذه الشركات بشكل خاص والشركات الحكومية بشكل عام.
وأشار الكندي إلى أن الدراسة وقفت على العديد من الأسباب التي كانت وراء تراجع مستوى هذه الشركات من حيث ارتفاع حجم العجوزات والدين العام خاصة أن عددا من هذه الشركات يعتمد بشكل رئيس على التمويل الحكومي او الضمانات الحكومية، فعندما تتأثر الحكومة بتراجع أسعار النفط تتأثر هذه الشركات، وهو ما يعد كلفة إضافية على الحكومة تتمثل بارتفاع حجم تمويل الشركات خاصة ان بعض هذه الشركات ملتزمة بقروض تمويلية وبالتالي كلفة تمويلها ستكون عبئا إضافيا على الحكومة خاصة بالنسبة للشركات الخاسرة.
أضاف الكندي: الجانب الآخر الذي خرجت به الدراسة هو غياب خطط ورؤى واضحة لتنمية وتطوير أداء هذه الشركات بحيث تكون خططا بعيدة المدى يتم البناء عليها ومراجعتها وتطبيق المحاسبة والحوكمة بناء على مؤشرات دقيقة واضحة وشفافة.
وأكد الكندي أن من الأسباب الرئيسية لخسائر الشركات الرواتب والميزات، وقد تم رفع توصية بأهمية خفض الرواتب والميزات وأهمية ربط هذه الرواتب بالإنتاجية.
موضحا أن موضوع الرواتب في هذه الشركات يتطلب ربطه بالأرباح بمعنى أن الرواتب تكون في معدلات معقولة ومن ثم يكون للموظف نسبة من الأرباح وهذا معمول به في الكثير من شركات العالم.
كما ان ملف التوظيف بالنسبة للعديد من الوظائف لا يتم بناء على الكفاءة وهذا سبب ضعف مستوى الإنتاجية وتحقيق الربحية .
حلول وبدائل
تطرق الكندي إلى موضوع يتعلق بمراقبة أداء هذه الشركات وقال إن هذه الشركات تخضع لرقابة وزارة المالية عبر مديرية واحدة يتم تكليفها بمراقبة أداء هذه الشركات، وفي ضوء النقص في عدد الموظفين والخبرات المتوفرة للقيام بأدوار المراقبة والتوجيه لشركات تمتلك أصولا بمليارات الريالات من الأهمية أن يكون هناك نظام الكتروني يراقب أداء الشركات الحكومية من حيث الإنتاجية والوقوف على المشاكل والتحديات التي تواجهها هذه الشركات منوها بأهمية العمل على حوكمة هذه الشركات بناء على قانون الشركات التجارية الجديد والذي ينص على حوكمة الشركات التي تمتلك الحكومة حصصا فيها حتى بالنسبة للشركات المقفلة وأي نوع من الشركات التجارية وذلك بناء على المادة ٢٠ من القانون الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم ١٨/٢٠١٩، ويجب على الهيئة العامة لسوق المال الإسراع في إصدار وضع المبادئ المنظمة لحوكمة هذا النوع من الشركات.
“أوكيو” تجربة رائدة
وتناول محمد الكندي واقع الشركات العاملة في القطاع النفطي وقال إن هذه الشركات النفطية التي تم دمجها تحت مسمى ” أوكيو” هي تجربة رائدة ومميزة لكن من المهم أيضا العمل على مراقبة هذه الشركات كونها تحتضن أهم الشركات النفطية العاملة في مجال الطاقة بالسلطنة كذلك استمعنا للخطوة الجديدة التي تعتزم الحكومة القيام بها وهي تأسيس شركة تنمية طاقة عمان والتي تستهدف تحفيف عبء تمويل تطوير القطاع النفطي عن كاهل موازنة الدولة، مؤكدا أهمية العمل على دراسة واقع بعض الشركات الخدمية ومنها على سبيل المثال شركة حيا وشركة بيئة وشركة مواصلات وعمران وغيرها من الشركات الحكومية الخدمية، وإعادة النظر في أداء وطبيعة عمل هذه الشركات التي تتحمل الحكومة مبالغ استثمارية ضخمة لتشغيلها لكنها لا تغطي تكاليفها التشغيلية.
وعن المخرج لتفعيل دور هذه الشركات لتقليل حجم الخسائر التي تمنى بها هذه الشركات سنويا قال محمد بن سليمان الكندي من المهم النظر في تعيين مجالس إدارة هذه الشركات بحيث يكون على الكفاءة وليس من منظور شرفي ويكون مجلس الإدارة مسؤولا مسؤولية تامة عن إدارة هذه الشركات، فالحاصل حاليا أن رئيس مجلس الإدارة يكون معينا لعدد من الشركات الحكومية أو يكون موظفا في إحداها وعضوا بمجلس ادارة شركة أخرى، وهذه الشركات تعمل في نفس القطاع وهو ما يفقد عنصر التنافسية بين هذه الشركات وغياب الإدارة السليمة.
مراجعة الرواتب والأجور
وأكد على ضرورة مراجعة الرواتب والامتيازات الكبيرة التي يحصل عليها المديرون في هذه الشركات والتكاليف السنوية التي تصرف على جوانب غير أساسية وهي تمثل ثقلا ماليا إضافيا، وعدم مراجعتها سيكلف الشركات الخسائر مهما حاولنا تعزيز مستوى إنتاجيتها، مع أهمية العمل على وضع رؤية وبرنامج واضح لتعزيز مستوى العمل وتطوير الإنتاجية بحيث تكون الأهداف واضحة ويتم الاشتغال عليها بشكل مركز.
وأكد الكندي أن من المطالب الرئيسية التي أكدنا عليها في توصيات الدراسة تكوين جهاز إداري مستقل لإدارة الاستثمارات الحكومية مع مراعاة طبيعة هذه الشركات من حيث الطابع الخدمي أو الطابع الاستثماري، وقد أكدنا على هذه التوصية خلال اللقاءات التي جمعتنا بعدد من المسؤولين، فنحن بحاجة لجهاز إداري واحد يقوم على هذه الشركات وتنميتها وتعزيز حضورها في المشهد الاقتصادي المحلي والعالمي، والواقع الحالي هو أن هذه الشركات ليست تحت مظلة واحدة، بعضها تحت إدارة صندوق الاستثمار والبعض الآخر تحت إشراف وزارة المالية.
تخصيص الشركات
وبالنسبة لوجهة نظره فيما يتعلق بتخصيص بعض الشركات قال: هذا يعتمد على طبيعة الشركة وعملها فهناك شركات خدمية وسيادية يفترض أن تبقى تحت إدارة الدولة، وهناك شركات أخرى يمكن تخصيصها لتحقيق أهداف مختلفة ومنها رفع كفاءة الخدمة ومستواها بما يتيح لها ان تكون شركة لديها القدرة للاستثمار خارج حدود السلطنة.
ومع التحديات الاقتصادية القادمة أكد الكندي أنه يجب على كل شركات القطاع الخاص بما فيها الحكومية ان تبادر للتكيف مع التغييرات الاقتصادية محليا وعالميا وذلك من خلال تغيير خطوط الانتاج وأنواع الخدمات والتفاعل السريع مع المتغيرات المختلفة وان يكون قسم ادارة المخاطر في هذه الشركات مفعلا بالطريقة المناسبة كما دعا جميع مجالس الادارات الى أن يتحملوا مسؤوليتهم الوطنية في محاسبة اداراتهم التنفيذية وأيضا تشجيعها للوصول للأهداف المنوطة بهم ووضع الخطط اللازمة لتحقيق اهداف الشركة واتخاذ اجراءات الافصاح ومحاولة الحفاظ على المركز المالي الحقيقي للشركة .. مشيراً إلى أهمية الاستثمار الجيد في هذه الشركات لما له من فوائد عدة من خلال تنويع مصادر دخل الحكومة وأيضا زيادة الناتج المحلي الاجمالي وتوليد عدد أكبر من فرص العمل.
أسباب الخسائر
علي بن سالم الراشدي كاتب ومحلل اقتصادي أكد من جانبه على أن من أسباب الخسائر التي تمنى بها الشركات الحكومية أو الخاصة هو الإدارة، فالنجاح والفشل دائما يرتبطان بالاستراتيجيات المتعلقة بالإدارة، لذا فإن تغيير أسلوب إدارة أي كيان تجاري يعتبر الخطوة الأولى والمهمة للنجاح وتحقيق الربح، والمؤكد أن عدم النجاح يعود إلى عوامل متعددة أبرزها ارتفاع الكلفة التشغيلية والتسويقية وسوء الإدارة وضعف الإنتاجية، وبما أن المنتج من هذه الشركات معروف سوقه ومطلوب لأنه متعلق بخدمات يحتاجها المجتمع وبشدة، لذا فإن أهم عامل للنجاح والفشل هنا هو التشغيل بكافة جوانبه سواء المتعلق بتكاليفه والتي يدخل فيها نظام الأجور والمكافآت والتي تعتبر مرتفعة جدا مقابل رواتب الحكومة مع أن الجهة المشغلة واحدة وهي الحكومة.
ضبط الإنفاق
أضاف الراشدي: الخطوة الأولى للنجاح هو ضبط الإنفاق من خلال وقف المكافآت والحوافز والرواتب الخيالية لمجالس الإدارات والاستشارات الخارجية التي ليس لها علاقة بعمل هذه الشركات لأنها لا تسوق منتجا تجاريا وإنما تقدم خدمة عامة شأنها شأن الوزارات الحكومية فالملاحظ ارتفاع الكلفة التشغيلية لهذه الشركات والتي يذهب جلها لبند الرواتب والأجور.
والأمر الآخر هو منع الفاقد والاستفادة من الإمكانيات قدر المستطاع ومحاولة تدوير الموجود وعدم التوسع في الشراء والاسناد الخارجي قدر المستطاع.
وحول تعزيز دور هذه الشركات وتعزيز مساهمتها وإشراكها في المشهد التنموي والاقتصادي بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة قال الراشدي : يتطلب نجاح أي شركة تعمل على أسس تجارية الالتزام بعدة إجراءات أهمها وجود حوكمة واضحة تضبط الشفافية والاستفادة من الموارد المتاحة بحكمة ووضوح، لذا فإن الشركات الحكومية إذا أرادت النجاح لابد من اخضاعها لنظام حوكمة واضح يعتمد على تحقيق أهداف واضحة تضمن تحقيق الغاية من إنشاء هذه الشركات وتقوم على العمل على أسس تجارية، وفي حالة تحقق الربح يمكن الحديث عن حوافز، أما ما يحدث اليوم من منح رواتب كبيرة وحوافز والشركات تحقق خسائر سنوية فهو إهدار لأموال عامة ويجب أن يتوقف، كما أن التعيين الذي يتم في هذه الشركات بحاجة لمراجعة سريعة فمن المفترض ان يتم التعيين بناء على الكفاءة والخبرة وما يحدث حاليا غير ذلك، فالتوظيف يتم وفق رغبات القائمين على هذه الشركات وكان يفترض أن تطرح هذه الوظائف للتنافس بين الجميع.
أهداف أساسية
وقال علي الراشدي في ضوء توجه الحكومة لإعادة تأهيل الشركات فمن المهم تحقيق العديد من الأهداف أولها إعطاؤها مساحة أكبر للتحرك والعمل وفق آليات السوق من حيث التحرر من البيروقراطية الحكومية والتقليل من الإجراءات وذلك لضمان سرعة الإنجاز والاستفادة من التطورات الحديثة لتطوير الإنتاج.
والهدف الثاني هو التحول إلى الإنتاج القائم على تحقيق الربح من وراء طرح المنتج بحيث تصل في يوم من الأيام إلى الاعتماد الذاتي في الإنتاج وفي تغطية نفقاتها التشغيلية وربما تضخ أرباحا سنوية إلى خزينة الدولة .
أضاف: الوضع على الأرض يقول إن هذه الشركات لاتزال تعتمد على الدعم الحكومي وبدلا من أن تتحول إلى موفر للمال أضافت عبئا آخر من خلال ارتفاع كلفة التشغيل، ونحن نرى أن الخطوة الأخيرة بدراسة وضع هذه الشركات أصبح ضروريا وذلك كما ذكرت لتعظيم أدوارها الاقتصادية، ولابد من التركيز على عدة أمور الأول إعادة النظر إلى أهداف الشركات ومدى تحققها على الواقع وإعادة صياغة هذه الأهداف، الإضافة إلى معرفة أسباب الإخفاق والخسائر وتحليلها وإيجاد الحلول لها بحيث تحقق الشركات الهدف من إنشائها وفي حالة عدم وجود أمل في معالجة هذه الإشكالات لابد من الاعتراف بضرورة البحث عن بديل آخر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}