نبض أرقام
06:27 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/22
2024/11/21

"كورونا" يحاصر مصنع العالم .. كيف وقع الاقتصاد الصيني في فخ الانكماش لأول مرة منذ عقود؟

2020/04/20 أرقام - خاص

منذ انتهاء حقبة "الثورة الثقافية" الصينية الدامية التي أشعل فتيلها الزعيم الصيني"ماوتسيتونج" في العام 1966 قبل أن تنتهي بعد 10 سنوات مظلمة فقد خلالها مئات الآلاف من الصينيين –جلهم من المتعلمين والمثقفين– حياتهم، حقق الاقتصاد الصيني قفزات متتالية ونموا غير منقطع على مدار 4 عقود، مما أدى إلى توسعه؛ ليصبح الآن أكبر بما يقرب من مائة ضعف مقارنة مع حجمه في ذلك الحين.

 

 

حتى أسابيع قليلة ماضية كان يبدو للعالم أجمع أنه لا شيء يمكنه أن يوقف التوسع الاقتصادي الصيني، لكن فجأة وفي غفلة من الزمن تغير كل شيء. ففي ديسمبر من العام الماضي ظهر فيروس كورونا المستجد لأول مرة في الصين التي حاولت في البداية إخفاء تداعياته والتعتيم على أخباره، قبل أن يخرج الأمر عن نطاق سيطرتها وتضطر لاتخاذ تدابير مشددة والبدء في التعامل معه بداية من الأسبوع الأخير في يناير.

 

كيف فقد 80 مليونًا وظائفهم؟

 

في سعيها للسيطرة والحد من انتشار الفيروس اضطرت الصين إلى إغلاق الجزء الأكبر من مصانعها وفرض حجر صحي على الكثير من مدنها الكبرى بما في ذلك مدينة ووهان، موطن الفيروس، وهو ما أثر سلبًا على إنتاجها الصناعي. هذه الصدمة سرعان ما تحولت إلى صدمة مزدوجة مع خروج الفيروس من الصين لينتشر في أغلب بلدان العالم التي اضطرت هي الأخرى إلى اتخاذ إجراءات مشددة تسببت في انهيار مستويات الطلب لديها على منتجات "مصنع العالم".

 

في نهاية الأسبوع الماضي، أظهرت البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء انكماش الناتج المحلي الإجمالي الصيني خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 6.8% على أساس سنوي، وبنسبة 9.8% على أساس ربع سنوي، ليسجل اقتصاد البلاد أول انكماش اقتصادي منذ بدء الصين نشر بياناتها الاقتصادية بشكل رسمي في عام 1976.

 

 

تحاول الصين جاهدة إعادة تشغيل اقتصادها الضخم البالغ قيمته نحو 14 تريليون دولار بطاقته الكاملة، غير أنها على الأغلب لن تنجح في ذلك؛ لأن الأمر ببساطة خارج عن نطاق سيطرتها بشكل كامل تقريبًا. فقد أدى انتشار الفيروس في الولايات المتحدة وأوروبا إلى دخول اقتصادات هذه الدول في حالة من الشلل ضعفت على أثرها شهيتها للمنتجات والبضائع الصينية، وهو ما سيضطر بكين على الجهة الأخرى إلى إغلاق الكثير من مصانعها وتسريح مئات الآلاف من الموظفين.

 

على الرغم من التأكيدات الرسمية بأن الصين– التي لديها 900 مليون مواطن في سن العمل – لم تشهد حتى الآن أي موجات ضخمة لتسريح العمال، إلا أن تقديرات الاقتصاديين ترجح أن ما يقرب من 80 مليون شخص في الصين فقدوا وظائفهم أو لم يتمكنوا من العودة إلى عملهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

 

هل الاستهلاك المحلي يكفي؟

 

على مدار العقود الأربعة الماضية، كان نمو الاقتصاد الصيني مدفوعًا بشكل أساسي بشبكتها الواسعة والحديثة من الطرق السريعة والسكك الحديدية، وكذلك قوتها العاملة الماهرة، فضلًا عن استعداد الحكومة لتقديم مصلحة الاقتصاد على أي شيء بما في ذلك البيئة وحقوق العمال، إلا أن أيًا من هذه العوامل لا يمكنه الآن مساعدة الصين على إعادة اقتصادها إلى مساره السابق.

 

الضربة الأولى التي تعرض لها الاقتصاد الصيني في شهري يناير وفبراير كانت بالأساس ضربة لمستويات الاستهلاك المحلي، وهي شيء باستطاعة الصين التحكم فيه بشكل ما، غير أن الضربة الأكثر إيلامًا والتي بدأت تداعياتها تظهر في مارس، كان مصدرها انخفاض الطلب العالمي على منتجات الصين التي تعد أكبر مصدر في العالم.

 

 

في السنوات الأخيرة، حولت الصين تركيزها ناحية تعزيز مستويات الاستهلاك المحلي، والذي يمثل حاليًا أكثر من نصف اقتصادها، ورغم هذا من غير المرجح أن يساعدها ذلك كثيرًا بالنظر إلى الضغوط الهائلة التي تعرض لها المستهلكون الصينيون خلال الأسابيع الأخيرة والتي دفعت معظمهم إلى البدء في التركيز على شراء الضروريات فقط.

 

فقد أشارت أيضًا البيانات الصادرة يوم الجمعة الماضي عن المكتب الوطني للإحصاء بالصين إلى انخفاض نصيب الفرد من الدخل المتاح خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 3.9% على أساس سنوي إلى 8561 يوانًا (1209 دولارات)، وهو أول انخفاض يشهده الدخل المتاح منذ بدأت الحكومة الصينية نشر هذه البيانات في عام 2002.

 

وما سيزيد من الضغوط على الصين في الأشهر القادمة هو استعداد نحو 9 ملايين طالب للتخرج هذا العام والدخول إلى سوق العمل الذي يمر بواحدة من أسوأ فتراته على الإطلاق. ففي دراسة نشرتها يوم الأربعاء الماضي، أشارت جامعة بكين إلى انخفاض إعلانات التوظيف في الصين بنسبة 27% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.

 

ما السر وراء امتناع الصين عن إطلاق خطة تحفيز ضخمة؟

 

حتى الآن لا تزال الصين مترددة حول ضرورة تحفيز اقتصادها من خلال إطلاق حزم إنفاق ضخمة كما فعلت الولايات المتحدة واليابان مؤخرًا. فقد كشفت واشنطن عن حزمة إنقاذ بقيمة تريليوني دولار، بينما أقرت اليابان خطة تحفيز اقتصادي بقيمة تريليون دولار.

 

لكن في المقابل نجد أن الصين، الدولة التي ساعدت الاقتصاد العالمي على النهوض بعد أزمة 2008 من خلال إقرار حزمة إنفاق تقارب النصف تريليون دولار في ذلك الوقت لا تفضل حتى الآن المضي في ذات الاتجاه. فبينما تساعد الشركات على الاحتفاظ بالعمال وتدفع بنوكها الحكومية إلى إقراض الناس المزيد من الأموال تمتنع بكين حتى اللحظة عن محاولة تحفيز اقتصادها من خلال إغراق نظامها المالي بالمال.

 

لكن ما الذي يفسر ذلك التردد؟ عقب الأزمة المالية الأخيرة وفي محاولة لدعم اقتصادها انتهجت الصين سياسة الإنفاق المفتوح وأقرت حزمة إنفاق بقيمة 586 مليار دولار. ومولت هذه الحزمة مشاريع الطرق السريعة والسكك الحديدية عالية السرعة وغير ذلك من مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد.


ونجحت هذه السياسة في قيادة الاقتصاد الصيني ومِن ورائه الاقتصاد الآسيوي نحو الانتعاش غير أنها في الوقت ذاته أثقلت كاهل الشركات والبنوك في البلاد بكميات هائلة من الديون. ففي الفترة ما بين عامي 2008 و2019 ارتفع إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من حوالي 173% إلى 300% لتصبح الصين واحدة من أكبر بلدان العالم مديونية وذلك وفقًا لبيانات معهد التمويل الدولي.

 

حجم الديون الصينية يقبع حاليًا بالقرب من مستوى حرج وخطر، ومن شأن إطلاق خطط إنفاق ضخمة أن يخرجه عن نطاق السيطرة وهو ما قد يهدد مستقبل الاقتصاد الصيني في السنوات القليلة القادمة.

 

باختصار، حتى الآن لا تزال خيارات الصين محدودة للغاية في مواجهة التداعيات الاقتصادية لأزمة الفيروس كورونا المستمرة في التوسع. هي ربما نجت من الأسوأ فيما يتعلق بالأمن الصحي لسكانها من خلال نجاحها في السيطرة على انتشار المرض، ولكنها لا تزال بعيدة عن ضمان أمنهم الاقتصادي.

 

 

المصادر: أرقام – وول ستريت جورنال – نيويورك تايمز – بلومبرج

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.