تحديات غير مسبوقة وغير محدودة.. هكذا أجمع الخبراء على وصف التبعات الناتجة عن تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، فبينما تصارع دول العالم لانقاد الأرواح وتحجيم الاصابات بدأت التداعيات المالية والاقتصادية تظهر بقوة في جميع دول العالم من تراجع في النمو وانكماش اقتصادي وفقدان ملايين من فرص العمل.
وأكد خبراء اقتصاديون استطلعت “عمان” اراءهم ان تزامن جائحة كورونا مع التراجع الحاد في أسعار النفط يتطلب البدء في إجراءات متدرجة وشاملة لحماية الاقتصاد من التراجع وتحفيز القطاع الخاص لزيادة مساهمته والحفاظ على الوظائف مع وضع أولويات في جميع جوانب الاقتصاد منها تخصيص الحوافز المالية المقبلة للقطاعات الاكثر جدوى أو الأكثر تطلبا للحماية مثل ريادة الاعمال وتقنين الترشيد المالي الحكومي بما لا يؤثر على أوضاع الشركات الحكومية ذات الاداء الجيد والتي تحقق قيمة مضافة للاقتصاد والمجتمع، وغيرها من الاجراءات التي تضع تحفيز الاقتصاد كأولوية لكافة الخطط والسياسات.
وقال الدكتور عبدالملك بن عبدالله الهنائي أن الأولوية في الوقت الحالي هي لحماية أرواح الناس من المرض، ثم تأتي حماية الاقتصاد، و هو أمر ضروري لما له من أهمية في الحفاظ على مستوى معيشة الناس.
ويرى الهنائي انه فيما يتعلق بالاجراءات الحكومية التي تمت للتعامل مع الأزمة هناك ضرورة كبيرة لخفض الإنفاق العام والتكاليف الإدارية، ولكن من المهم أيضا الإبقاء على الإنفاق الاستثماري في الشركات الحكومية، خاصة إذا كان الإنفاق هو على مشاريع ثبت جدواها ويتم تمويلها من خارج الموازنة العامة، وذلك من أجل تجنب حصول انكماش كبير في الاقتصاد.
وأشار إلى أن بعض الدول الأوربية مازالت متشددة في موضوع الإغلاق، ومنها بريطانيا، مع أن بعض الدول تساهلت في ذلك مثل السويد والدنمارك ، وأضاف : اعتقد أنه يجب مراقبة الوضع عن كثب وعدم التسرع في اتخاذ القرار، كما يجب إيجاد طرق للتعايش مع المرض وتجنب العدوى ، وفي نفس الوقت الحيلولة دون انهيار الاقتصاد، وهناك بعض الأنشطة التي يمكن النظر في فتحها مثل الورش ومراكز إصلاح السيارات وغيرها من الأنشطة التي ليس فيها تخالط كبير بين الناس.
وقال “لابد من الأخذ في الاعتبار أن التوسع في غلق الأنشطة سيحمل الحكومة والاقتصاد عامة تبعات ويحرم من إيرادات بمبالغ كبيرة “.
الاقتصاد بحاجة الى تحفيز
وأوضح صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد ـ خبير اقتصادي وأكاديمي بجامعة السلطان قابوس ـ أن هناك الكثير من التحديات التي يواجهها الاقتصاد في ظل أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط ، ومن المؤكد أن التحديين يرتبطان ببعضهما لدرجة كبيرة، مشيرا الى مسببات انخفاض أسعار النفط. كما أدت الكثير من السياسات الاحترازية للتصدي للجائحة الوبائية إلى تقليص الإنفاق والإنتاج في كثير من الدول وهو ما قاد إلى إضعاف الطلب في أسواق النفط.
وقال أن الاقتصاد العماني حاليا يواجه تحدي الحماية من تبعات السياسات الاحترازية والإغلاق الجزئي للعديد من قنوات الإنتاج والخدمات.. ويتزامن مع الإغلاق الجزئي تدني الطلب على الخدمات والمنتجات بسبب التباعد والحجر الصحي الذي يؤثر مباشرة على مبيعات الشركات والعمالة تباعا. وفي الوقت الحالي فإن من أكبر التحديات كيف تتعامل الشركات مع العمالة التي غدت غير قادرة على تحمل نفقاتها بسبب إنقطاع أو تدني دخلها.
وأشار سمو السيد الدكتور أدهم آل سعيد الى أن هناك العديد من القرارات التي صدرت للتكيف مع الازمة، ومن أهمها سياسة خفض الإنفاق العام والتي تعد حاجة ملحة في الفترة الحالية بغض النظر عن تزامن جائحة الوباء مع تدهور أسعار النفط ، ومع الأخذ في الاعتبار تزامن الأمرين فتدهور أسعار النفط يعني أن العجز المتوقع يتضخم بشكل سريع مما يشكل أزمة متفاقة لتمويل الإنفاق والحفاظ على دين عام معقول، ولكن الأهم كم هي النسبة الأمثل للخفض وأين يتم الخفض؟ والحل الأمثل في الوضع الراهن هو تأجيل المشاريع الإنمائية التي ليس لها عائد إقتصادي واجتماعي مناسب وتقليص الإنفاق التشغيلي للحكومة مع الحفاظ على مستوى الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم.
وإضافة للإجراءات المتعلقة بالجانب المالي يرى الدكتور أدهم آل سعيد أن الاقتصاد لا يزال بحاجة الى تحفيز بسبب تبعات الجائحة الوبائية. وفي حال تدني الإيرادات يمكن أن تتوجه الحكومة لتخفيف العبء بتأخير أو إلغاء الرسوم وبعض الضرائب. ويعتبر هذا التوجه معقولا في إطار شح الموارد. في ذات الوقت يتسبب ذلك في إنقاص الإيرادات الحكومية المتوقعة، ولكن تحفيز الاقتصاد في المقام الأول، مشيرا الى أن تحفيز الاقتصاد يرتبط الى حد كبير بأداء القطاع الخاص، وقد اقرت اللجنة العليا لمتابعة المستجدات المرتبطة بكورونا حزمة من الاجراءات لمواجهة التحديات التي تواجه الشركات نتيجة تفشي الوباء وجاءت القرارات لتنظيم وضع استثنائي في البلاد. ومما لا شك فيه أن تحديات الشركات أي كان حجمها كبيرة جدا في ظل تدني الموارد واستمرار التكاليف الثابتة.
تأجيل الالتزامات المالية
وفي جانب العمالة فإن ما أقرته اللجنة يعطي الموظف القدرة على الاستفادة من الإجازة السنوية ومن ثم إذا تم خفض الراتب لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر لأسباب ملحة، يتم عن طريق التفاوض وتخفيض ساعات العمل تباعا.
كما يتم في هذه الحالات تأجيل الالتزامات المالية مثل القروض ورسوم خدمات الكهرباء والماء وكذلك مشاركات التأمينات الاجتماعية، وأُلحق مع قرارات اللجنة العليا عدد من التحفظات مثل عدم تسريح الموظفين العمانيين.
كما يجدر التذكير بأن صندوق الأمان الوظيفي قد يكون عاملا مهما في التخفيف من تبعات تقلص الاقتصاد على العاملين في القطاع الخاص. ودور الصندوق قد يكون مهماً في تخفيف الأثار السلبية على أصحاب الأعمال الفردية والمؤسسات الصغيرة كذلك تظل التفاصيل مبهمة إلى حين صدور ما ينظم هذا الجانب. والواقع انها معادلة صعبة لخلق التوازن بين ضمان استقرار الوظائف وتباطؤ الاقتصاد الحاد.
وحول بعض التجارب في أوروبا التي رغم استمرار تفشي فيروس كورونا لم تجد طريقا الا بالعودة الى الحياة الاعتيادية مع اتخاذ اجراءات على مستوى الأنشطة وحدث ذلك أيضا في دول عربية اعتبر سمو السيد الدكتور أدهم آل سعيد ان الغلق التام للأنشطة الاقتصادية أمر لا يمكن أن يتحمله أي إقتصاد وإن عظمت موارده.
وهناك تحد كبير في كيفية التعامل مع العودة إلى الحياة الاقتصادية الطبيعية في ظل متغيرات وبائية متسارعة، وما هو مؤكد أن العودة سريعا للتعامل مع النمط الاعتيادي عواقبه وخيمة كما تبين في دول مثل الولايات المتحدة مثلا حيث تم تجاهل سرعة انتشار الوباء.
وفي السلطنة فإن ما أقرته اللجنة العليا في هذا الصدد من تسهيل عمل بعض المؤسسات الخدمية والصناعية في القطاع الخاص ما دامت ملتزمة بإجراءات احترازية يشكل تدرجا في التعامل مع مواصلة الأنشطة الاقتصادية الحيوية. ومن الأجدى أن تواصل السلطنة جهودها في تقصي الوباء من خلال تكثيف الفحص للتعرف على مدى تفشي الإصابات لتقليل فرص انتشار الوباء كخطوة استباقية. بعض البلدان مثل جمهورية كوريا اتبعت هذا النهج منذ تفشي الوباء واستطاعت تقنين التبعات السلبية للجائحة إلى حد ما.
عدم وجود توازن
ويرى الدكتور أحمد بن سعيد كشوب ـ خبير اقتصادي ـ أن التحدي الأكبر بالنسبة للاقتصاد الوطني عدم وجود توازن بين الايرادات والانفاق وكذلك الناتج المحلي الاجمالي يبقى ضيقا وربما 65% من الايرادات موجه نحو المصروفات الادارية والدعم وهذا الأمر الذي يصعب المساس به في المراحل الاولى حيث اعتماد المجتمع والقطاع الخاص أيضا على الانفاق الحكومي وأسعار النفط تتراوح ما بين 35 دولارا للبرميل وربما تصل الى 25 دولارا للبرميل فنحن نتحدث عن فرق 33 دولارا للبرميل حيث أن تقدير سعر النفط للموازنة العام الجاري عند 58 دولارا للبرميل واذا استمر ذلك دون إعادة تشغيل العمليات الاقتصادية الى نهاية العام سوف نحقق عجزا كبيرا وهذا بلا شك يتطلب اتخاذ قرارات صعبة نحو الترشيد العام الذي قد يدوم الى أكثر من سنتين مالم تعد أسعار النفط الى 60 دولارا للبرميل لتقليص الفروقات علما بأننا لكي نحقق سعر التعادل للانفاق العام يتطلب الاسعار أن تصل 76 دولارا للبرميل.
ويرصد أحمد كشوب العديد من التحديات الأخرى منها عدم تمكن الحكومة والقطاع الخاص معا من تنفيذ الخطط التي تساهم في تحقيق التنويع في مصادر الدخل وفق المخطط له، وتكلفة فاتورة الانفاق على المنظومة الصحية في حالة استمرارية تفشي الوباء أو عدم اكتشاف لقاح واستمر الوضع الى أكثر من عام، وضعف الفوائض المالية وكذلك الجدارة الائتمانية للمنظومة المالية والنقدية في حالة استمرارية الأزمة حيث تتآكل الاحتياطيات وندخل في مرحلة من الركود، ومن بين التحديات المهمة ايضا انخفاض الايردات غير النفطية مثل رسوم الجمارك وضريبة الشركات ورسوم العمالة والضريبة الانتقائية ورسوم الخدمات.
حاجة لمزيد من الاجراءات
واعتبر كشوب أن هناك حاجة لمزيد من الاجراءات واسعة النطاق للتعامل مع الجانب المالي، فخفض الانفاق العام قد يفيد على مدى قصير لكن سينتهي مفعوله بقدر استمرارية أصل الأزمة وهي أسعار النفط وكذلك الوباء واعتقد أغلب تلك الاجراءات تتجه نحو تفادي قدر المستطاع الوصول الى بند الرواتب كون ذلك البند ربما يرتكز جله على اهم قطاعين التعليم والصحة والذي يصعب التخفيض منه بنسب كثيرة لذلك نحن بحاجة الى زيادة نسبة التخفيض في المصروفات وفق كل جهة بحيث يمكن بعض الوحدات والشركات نسب التخفيض تصل الى 30% والبعض الاخر في حدود 5% وهكذا يمكن تقليص بنود الانفاق.
ايضا فيما يتعلق بالشركات الحكومية هناك شركات لها دور فاعل مع الازمة وأخرى يمكن تأجيل بعض أنشطتها أو تخصيصها كما يجب التعامل مع كل شركة وفق معايير الاداء والاستدامة المستقبلية وما تحققه من قيمة مضافة.
المتغيرات الجديدة
وذكر كشوب بعض الحلول والاجراءات التي يمكن اللجوء اليها في الوقت الحالي مع انخفاض حجم الايرادات منها إعادة النظر وبشكل سريع في جميع الخطط والتركيز على المتغيرات الجديدة وما فرضته من مستجدات وتبعات، وتسريع وزيادة حجم الاستثمارفي مشاريع الصحة والتعليم والطاقة والثورة الصناعية الرابعة والأمن الغذائي ، وتأهيل المجتمع للعمل والانتاج وخلق نمط استهلاكي يجعله قادرا على مواجهة الازمات، وزيادة الانفاق والدعم للمشاريع التي تخلق قيمة مضافة سريعة وتقليص الضرائب والرسوم لتحريك عجلة التشغيل ودعم القطاعات الاساسية التي تمس معيشة المواطن، ودعم الاسر المتضررة مباشرة من الأزمة حيث هناك أسر مصدر دخلها بعض الأعمال الحرفية ومتناهية الصغر مما يتطلب توجيه حزمة مالية لهم.
إصدار سندات وصكوك
وعلى الجانب المالي يمكن إصدار سندات وصكوك بملياري ريال على سبيل المثال لتنشيط الاقتصاد وتفادي العجوزات المالية وكذلك ضخ سيولة في القطاع الخاص من خلال قروض ميسرة حيث تباطؤ الاقتصاد سوف يؤثر على وضعنا في الداخل مما يجعلنا نضخ سيولة ويزيد من الدين العام وتضخم العجوزات مما يتجاوز الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي الى أكثر من 100 بالمائة ، ويمكن أيضا توفير حزم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال التي تضيف قيمة مضافة وتساهم في نمو العجلة الاقتصادية.
وأكد أحمد كشوب الحاجة الى اجراءات هادفة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وربط الدعم المادي بشبكات الأمان الاجتماعي،والتوجه للاندماج من قبل الكيانات الاقتصادية من المصارف والشركات الخاصة، وتحويل الشركات العائلية الى شركات مساهمة حتى يكتب لها البقاء في ظل انهيار أغلبها في الجيل الثالث، وخصخصة الشركات الحكومية بنسب تصل الى من 40 الى 25% عبر الاكتتاب العام لرفد موازنة الدولة وتشجيع المواطن على الاستثمار والادخار، مع تعزيز الجهود من خلال التركيز على القطاعات التي تمثل شرايين الحياة، ووضع استراتجيات شاملة للتعافي السريع والمستدام من عواقب الأزمة، حشد الجهود الحكومية والمجتمعية والخاصة لمواجهة الوباء وتعزيز الاستقرار.
إنشاء وحدة متخصصة
وأوضح أن الأموال والدعم المقدم خلال الفترة القادمة ينبغي أن يكون مرتبطا بخطط التعافي والبعد عن اي تحفيز لا يخلق قيمة مضافة خشية استمرارية الازمة والعجز عن استمرارية التحفيز.
كما أن هناك ضرورة كبيرة لتعزيز الابتكار والتمويل المغامر، وانشاء وحدة متخصصة للتعافي من آثار الأزمة، والحفاظ على قنوات التواصل مع المواطنين وانشاء منصات متعددة للتفاعل المجتمعي للاشراك المواطنين والمقيمين والشركات في النقاش ومعرفة الأفكار والأراء والمقترحات لدعم التعافي، ويتطلب الأمر أيضا إعادة النظر في المفهوم العام بأن المنافس الأكبر لأي محاولة لتنويع مصادر الدخل هو القطاع الحكومي الذين يوفر مميزات ورواتب أفضل من القطاعات الأخرى لتوفير فرص وظيفية جديدة من خلال استثمارات نوعية ونحتاج إلى قلب المعادلة حت يصبح الأمان الوظيفي هو في القطاع الخاص وليس العام،وتظل الحاجة الى مواصلة جهود مكافحة كل أشكال الفساد وزيادة الشفافية حتى يشعر المواطن والمستثمر بتكافؤ الفرص في الأعمال.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}