نبض أرقام
10:20 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

فكرة بمليار ريال .. مشروع عبقري لا ينقصه سوى العملاء

2020/05/30 أرقام - خاص

وجدتها وجدتها!.. هكذا صرخ حسن في وجه صديقه مسعود حين أراد أن يخبره بفكرة المشروع التجاري التي أوحيت إليه للتو والتي من شأنها أن تجعلهما أخيرًا من أصحاب الملايين، وأكثر ما كان يميز فكرة حسن أنها فريدة جدًا من نوعها وغير تقليدية على الإطلاق: مطعم مشويات!
 

مسعود الذي أخذت بلبه فكرة حسن المختلفة والعبقرية في الوقت ذاته تحمس جدًا للمشروع ووضع أمواله على أموال حسن وبدآ معاً في نفس الأسبوع في تجهيز وإعداد المطعم. وفي الحقيقة كان لسان حال الرجلين ومنطقهما بسيطين جدًا: إذا فتحنا المطعم وأعددنا الطعام فبالتأكيد سيأتي الناس ليأكلوا لدينا. وبالتالي، سنفتح المطعم أولًا ثم نهتم بأمر العملاء لاحقًا.
 


 

بمجرد أن تم افتتاح المطعم، وقفت الجماهير أمامه في صفوف متراصة في انتظار الحصول على طعامها، وسرعان ما زادت شهرة المحل الذي أصبح المقصد الأول لكل محبي الكبسة في الرياض... ما سبق من الممكن أن يحدث في الأفلام لكن في العالم الحقيقي غالبًا ما سيكون مصير حسن ومسعود هو الإفلاس.
 

ببساطة انتهك حسن ومسعود القاعدة الأهم التي يجب أن يلتزم بها كل من يريد أن يبدأ مشروعًا تجاريًا مهما كان حجمه وهي ضرورة دراسة السوق لفهم حجم وتفضيلات العملاء المحتملين.
 

الخطأ السابق على سذاجته منتشر جدًا ووقعت فيه شركات كبرى، وهو ما تسبب في خسارة آلاف المستثمرين لأموالهم التي ربما لم يكسبوها إلا بشق الأنفس. ومن بين هذه الشركات شركة "ويبفان" التي تُدرس قصة فشلها الساذجة في معظم كليات إدارة الأعمال حول العالم.
 

استثمارات كبيرة في مشروع طموح

 

في منتصف التسعينيات ظهرت شركة ناشئة تدعى "ويبفان" قائمة على فكرة توقع العديد من المستثمرين أن تغير للأبد وجه صناعة البقالة في الولايات المتحدة البالغة قيمتها في ذلك الوقت حوالي 450 مليار دولار. والفكرة ببساطة كانت كالتالي: تأسيس موقع على الإنترنت يمكّن الناس من طلب احتياجاتهم من البقالة قبل أن يتم توصليها إلى أبواب منازلهم في نفس اليوم. عبقرية جدًا، أليس كذلك؟

 

بغض النظر عن رأيك، آمن عدد كبير من المستثمرين بالفكرة وهو ما دفعهم إلى استثمار ما يقرب من 800 مليون دولار في الشركة الناشئة.
 

في جولة التمويل الأولى حصلت الشركة على 3.5 مليون دولار من ثلاث شركات استثمارية. وفي الجولات التالية استثمرت الذراع الاستثمارية لمجموعة الاتصالات اليابانية "سوفت بنك" 160 مليون دولار إلى جانب 100 مليون دولار ضخها كل من "سيكويا كابيتال" و"جولدمان ساكس" بواقع 50 مليون دولار لكل منهما. وفي المجموع استثمر أصحاب رأس المال المغامر بشكل عام أكثر من 396 مليون دولار في ويبفان.
 


 

في نوفمبر 1999 طرحت الشركة نفسها للاكتتاب العام الأولي الذي تمكنت خلاله من جمع 375 مليون دولار بعد أن قدرت قيمتها الإجمالية بنحو 4.8 مليار دولار. وفي تلك اللحظة كانت إيرادات الشركة لا تتجاوز الـ395 ألف دولار في حين بلغت خسائرها الصافية أكثر من 50 مليون دولار، ولكن الكل كان يراهن على النمو المستقبلي.
 

حصل مؤسس الشركة "لويس بوردرز" على الأموال التي ستمكنه من المضي قدمًا في خطته التي كان منطقها الأساسي الذي تقوم عليه هو: بمجرد أن ننفذ المشروع سيأتون إلينا (العملاء) بأعداد كبيرة!
 

كان هذا هو الخطأ الأول ضمن سلسلة من الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها "ويبفان". فمنذ اللحظة الأولى تم بناء نموذج عمل الشركة على أساس مجموعة من الافتراضات المشكوك في صحتها والتي لم يجهد مسؤولو الشركة أنفسهم أبدًا في اختبارها.
 

أين العملاء؟
 

باستخدام أكوام الأموال التي حصلت عليها من المستثمرين بدأت الشركة في تعيين مجلس إدارة يضم عددًا من أبرز أصحاب رؤوس الأموال المغامرة في وادي السيليكون. وبمساعدة شركة الإنشاءات الأمريكية الشهيرة "بيكتل" قامت الشركة ببناء عدد كبير من المستودعات في أنحاء متفرقة من البلاد لنقل مواد البقالة منها إلى منطقة العملاء.
 

توسعت "ويبفان بسرعة كبيرة، وتمكنت في ذروة انتشارها في عام 1999 من تغطية 10 مدن رئيسية في الولايات المتحدة شملت سان فرانسيسكو ودالاس وسان دييجو ولوس أنجلوس وشيكاغو أتلانتا، وفي الوقت ذاته كانت تخطط للانتشار في 16 مدينة أخرى.
 

كان كل شيء يمضي على ما يرام ولم يكن ينقص الشركة سوى شيء بسيط جدًا: العملاء! بعد أن انتهت الشركة من تنفيذ خطتها بالكامل تقريبًا اكتشفت أنه لا يوجد لديها عملاء لأن أكثرهم كان غير مهتم أصلًا بما تقدمه.
 


 

تفاجأت الشركة بأن حجم الطلب كان أقل بكثير مما توقعته. ففي عام 2001 كان متوسط قيمة طلبات العملاء لا يزيد على 70 دولارًا في حين أن تكاليف "ويبفان" كانت تقترب من 130 دولارًا لكل طلب. والأسوأ من ذلك هو أن العملاء لم يتعاملوا مع "ويبفان" بشكل منتظم، حيث إن أكثرهم كان يجربها ثم لا يعود إليها مرة أخرى إلا بعد أسابيع، في حين أن بعضهم كان لا يطلب منها إلا في المناسبات.
 

رغم ذلك أصر مديرو الشركة على الاستمرار في التوسع معتقدين أنه بمجرد انتشارهم بصورة أكبر في السوق لن يستطيع العملاء تجاهلهم ومع الوقت ستزيد حجم طلباتهم من الموقع.
 

هذا الاعتقاد المعيب قاد الشركة لارتكاب ثاني أكبر أخطائها وهو التوسع بسرعة كبيرة في عدد أكبر من المدن قبل معالجة الأخطاء التشغيلية التي تم اكتشافها في الأسواق التي تتواجد فيها بالفعل. وللأسف تسبب هذا النهج في حرق "ويبفان" لجزء كبير من رأس مالها في مدن مثل دالاس وأتلانتا التي ارتكبت فيها الشركة نفس الأخطاء التشغيلية.
 

أموال المستثمرين .. من يبكيها؟
 

من بين الأخطاء التشغيلية التي وقعت فيها الشركة هو تقديرها غير الدقيق لعدد عمليات التسليم التي يستطيع السائق التابع للشركة إنجازها في الساعة الواحدة. وهذا حدث لأسباب كثيرة من بينها على سبيل المثال صغر حجم الطلبات واتساع النطاق الجغرافي للأماكن التي يسكن فيها العملاء وهو ما أثر سلبًا على كفاءة عملية الشحن.
 

كان من الممكن جدًا أن تخرج شاحنة من المستودع لا تحمل سوى طلب لا تتجاوز قيمته الـ50 دولارًا لعميل يسكن أعلى تل في سان فرانسيسكو لا يوجد إليه طريق ممهد. وفي حين أن ذلك يعد أمرًا رائعًا بالنسبة للعميل إلا أنه كان كارثة من ناحية التكلفة بالنسبة للشركة.
 


 

في نهاية عام 2000 أي بعد أكثر من عام من طرحها للاكتتاب العام، لم تتجاوز الإيرادات الإجمالية لـ"ويبفان" حاجز الـ200 ألف دولار. وبعد عدة أشهر، وتحديدًا في يونيو 2001 أعلنت الشركة إفلاسها وتسريح نحو ألفي موظف وتبرعها بمخزونها من المواد الغذائية لصالح عدد من بنوك الطعام المحلية.
 

وهكذا تبخرت أموال المستثمرين والمساهمين البالغة نحو 800 مليون دولار في الهواء؛ بسبب مجموعة من الأخطاء الساذجة التي وقع فيها مسؤولو الشركة الذين لم يكن بينهم أي شخص له خبرة في قطاع البقالة.
 

"نحن نؤمن بأن فكرتنا رائعة، غير أن مشكلتنا فقط هي أننا كنا سابقين لعصرنا".. هذا التصريح اللطيف صدر على لسان المتحدث باسم ويبفان "بود جريبي" خلال حديثه لـ"وول ستريت جورنال" في 16 يوليو 2001 حول أسباب إفلاس الشركة وضياع أموال المستثمرين.
 

المصادر: أرقام – وول ستريت جورنال – نيويورك تايمز – سان فرانسيسكو كرونيكل

كتاب: Will Your Next Mistake Be Fatal?

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.