عندما خطط "هتلر" لغزو بولندا عام 1939 اجتمع وزير خارجيته "يواكيم فون ريبنتروب" بعدد من المسؤولين وأكد لهم أن بريطانيا لن تعلن الحرب على ألمانيا إذا مضت في خطة الغزو، قبل أن يقسم بأن يطلق النار على أي شخص يعارضه أو يشكك في ذلك.
وعلى الرغم من أن الأوضاع قد تكون أقل دراماتيكية في عالم الشركات إلا أنه لا يزال هناك عدد لا بأس به من المديرين وكبار التنفيذيين الذين يكرهون أن يعارضهم أحد أو أن يطرح رأيًا يناقض رأيهم، حتى لو تظاهروا بعكس ذلك.
وربما لا يوجد مثال أوضح ولا أكثر إثارة للسخرية على هذا السلوك مما فعله "إدوارد شوين" الرئيس التنفيذي لشركة "شوين" للدراجات، في أحد الاجتماعات أشار عدد من مسؤولي الشركة وكبار الموظفين إلى اعتقادهم بأن سوق الدراجات الجبلية سوق واعد ويجدر الاهتمام به.
في المقابل، كان لـ"شوين" رأي آخر؛ حيث اعتقد أن الدراجات الجبلية مجرد موضة ستنتهي سريعًا وبالتالي لا توجد جدوى من توجيه استثمارات كبيرة إلى ذلك القطاع، وبعد شعوره بعدم اقتناع عدد من الحاضرين بوجهة نظره على صوت "شوين" وقرر إنهاء الاجتماع على وعد بمناقشة الموضوع مرة أخرى في غضون أسبوعين.
وبالفعل، صدق الرجل واجتمع مسؤولو الشركة مرة أخرى ولكن من دون أولئك الذين اعترضوا على رأيه في الاجتماع السابق وذلك بعد أن قام بطردهم من الشركة! وتم استئناف (النقاش) حول قصة الدراجات الجبلية ولم يجرؤ أحد ممن قدر الله لهم البقاء على أن يفكر حتى بينه وبين نفسه في أن يعارض "شوين".
مَن يجرؤ على معارضة الرئيس
عادة ما تؤدي قسوة المدراء في التعامل مع مَن يعارض رأيهم والتنكيل به إلى إحجام كل من في الشركة عن التعبير عن رأيه خوفًا من إثارة غضب "الرجل الكبير" أو حتى خشية من الوقوع في الخطأ والتعرض للإحراج أمامه وأمام الحاضرين.
في اجتماع عقدته إدارة شركة الإلكترونيات الكورية الجنوبية "سامسونج" عام 1997 شكك جميع أعضاء مجلس الإدارة الحاضرين في جدوى وفاعلية خطة رئيس مجلس الإدارة الهادفة لإدخال "سامسونج" إلى قطاع السيارات، مشيرين حينها إلى أن السوق الكورية مشبعة بالفعل ولا يوجد هناك فراغ لملئه.
كانت شركات السيارات الكورية الموجودة بالفعل في السوق تنتج نحو 2.4 مليون وحدة في حين أن احتياجات السوق لا تتجاوز 1.6 مليون سيارة، لكن لأنه كان الرئيس وابن المؤسس لم يجرؤ أحد على تحديه أو محاولة إثنائه عن قراره.
وعلى هذا الأساس، قامت الشركة بضخ استثمارات قدرها 5 مليارات دولار في بناء مشروع تصل قدرته الإنتاجية إلى 240 ألف سيارة في السنة، ولكن كما توقع الجميع باستثناء الرئيس فشل المشروع في غضون شهور ولم تنجح الشركة في بيع سوى 50 ألف سيارة فقط معظمها لموظفيها، وبحلول أوائل عام 1999 تم وضع المشروع تحت الحراسة القضائية قبل أن تقوم سامسونج ببيع 70% منه في عام 2000 مقابل 560 مليون دولار فقط.
اجتماع الصوت الواحد
تقول أستاذة القيادة والإدارة في جامعة هارفارد "إيمي إدمونسون"، إن إحجام الموظفين عن التحدث وإبداء رأيهم ينبع من خوفهم من احتمال ألا يعجب المديرون بأفكارهم أو أن يظهروا بمظهر المنتقد للأوضاع الراهنة للشركة وهو ما قد يعتبره المسؤولون خطًا أحمر وأمرًا غير مقبول، وبناءً على ذلك، يؤمن الموظف بأن الصمت والامتناع عن إبداء أي رأي معارض أسلم له.
حتى لو ادعوا عكس ذلك، غالبًا ما يكون المسؤولون التنفيذيون هم المسؤولون عن قمع المعارضة أو الآراء المختلفة التي قد تكون لدى الموظفين، فإما لا يستمعون إليها ويتجاهلونها وإما يسعون لإبعاد أصحابها وعزلهم عن النقاشات بزعم أنهم وحدهم هم مَن يعرفون ما يجب فعله، هم ببساطة يفضلون الموظف الموافق دائمًا على طول الخط أكثر من الموظف الذي لا يخشى التعبير عن وجهة نظره حتى لو كانت مخالفة لما يطرحه الجميع.
في اجتماع عقدته إحدى اللجان العليا بشركة السيارات الأمريكية "جنرال موتورز" قبل ما يقرب من 9 عقود وتحديدًا في عشرينيات القرن الماضي قال الرئيس التنفيذي للشركة "ألفريد بي سلون جونيور" للحاضرين: "أيها السادة، أرى أننا جميعًا متفقون تمامًا فيما يخص الموضوع المطروح بين أيدينا" وذلك قبل أن يهز الجميع رؤوسهم بالموافقة.
وتابع "سلون" حديثه قائلًا: أقترح أن نؤجل حسم هذا الموضوع إلى اجتماعنا التالي، لكي نعطي لأنفسنا وقتًا لنكوّن وجهات نظر مختلفة وهو ما سيسمح لنا بفهم أفضل لما يدور حوله هذا القرار"، كان الرجل ببساطة يؤمن بأهمية وجود معارضة صحية ومنطقية لأي قرار أو وجهة نظر، ويدرك كذلك أن الإجماع لا يضمن أبدًا صحة أي قرار.
يرى العديد من المراقبين أن سر تفوق شركة السيارات اليابانية "تويوتا" – التي يمكن اعتبارها واحدة من أنجح الشركات بالعالم – يكمن في حرص إدارتها على الاستماع بإنصات لكل الآراء وانفتاحها غير المشروط على التعلم من أي أحد بتواضع جم.
سبب رئيسي في الفشل
المدير الذكي يعلم أنه إذا أراد أن يتخذ قرارًا جيدًا ومستنيرًا يجب أن يأخذ كل الآراء المخالفة بعين الاعتبار، ولا يتجاهلها أو يحيد أصحابها بحجة تجنب الصراع؛ لأن ذلك السلوك الاستبدادي المتمثل في قمع وجهات النظر المخالفة يعمي الإدارة عن أي قصور محتمل بقراراتها ويقتل كذلك الإبداع لدى الموظفين.
في الواقع، يجدر بالمدير أن يشجع الآراء ووجهات النظر المخالفة وتوجيه الشكر لأصحابها؛ لأنهم أثروا النقاش ولعبوا دورًا في جعل القرار النهائي أفضل وأكثر استنارة، ومن مصلحة الشركة مكافأة الأصوات الناقدة وأصحاب الآراء المعارضة وتشجيع باقي زملائهم على التحدث بما يدور في خلدهم بكل حرية وإلا فقدت الشركة ميزتها الإبداعية.
أخيرًا، إن واحدًا من أهم أسباب فشل الكثير من الشركات والمؤسسات هو اعتقاد مديريها بأنهم الأذكى والأكثر دراية بمصلحة الشركة من الجميع وهو ما يدفعهم إلى قمع أي وجهات نظر معارضة لأنها برأيهم هي مجرد محاولة لشق الصف وتفريق الجماعة وخرق السفينة، وفي بيئة مثل هذا لا يرتاح ولا يصعد درجات السلم سوى الموظف المتملق الذي يُسمع رؤساءه ما يودّون سماعه.
وإذا حدث وأتاح أحدهم لموظف لديه رأي معارض إمكانية الحديث في الاجتماع عادة ما يكون لسان حال المدير الضائق ذرعًا بما يسمعه: "تكلم .. تكلم يا ابن الـ(شركة)" وذلك قبل أن يقاطعه قائلًا: "باللائحة أعطيتك الكلمة وباللائحة اكتفيت بهذا القدر".
المصادر: أرقام
Harvard Business School
The Essence of Strategic Decision Making
Why Smart Executives Fail
Billion‑Dollar Lessons
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}