ينظر دائماً مستثمرو القيمة إلى سوق الأسهم نظرةً مختلفةً عن غيرهم من المستثمرين، فبالنسبة لهم لا يتكون السوق من أسهم بل من شركات حقيقية لها أعمال حقيقية على الأرض، هذا الاختلاف البسيط في النظرة يغير كل شيء، ويفسّر أيضًا تمكن هؤلاء من التفوق على السوق عامًا تلو الآخر.
وربما لا يوجد بين مستثمري القيمة من هو أكثر شهرة من المستثمر الأمريكي "وارن بافيت" الذي اعتاد الجميع على تواجد اسمه في قائمة أغنى أغنياء العالم على مدار العقدين الماضيين، وهو ما جعل البعض يشير إليه باعتباره المستثمر الأكثر نجاحًا في التاريخ.
منذ بروزه على الساحة في الربع الأخير من القرن الماضي كتب عن "بافيت" عدد لا يحصى من الكتب والمقالات التي تناولت أسلوبه وفلسفته الاستثمارية، ولكن يظل كتاب "مقالات وران بافيت" الذي نشر في عام 1997 والذي شارك "بافيت" نفسه في تحريره هو أكثر الكتب تعبيرًا عن فلسفة "حكيم أوماها".
فالكتاب عبارة عن مجموعة مختارة بعناية من الرسائل التي يرسلها "بافيت" بشكل سنوي إلى مستثمري شركته القابضة "بيركشاير هاثاواي" التي يديرها منذ سبعينيات القرن الماضي بالتعاون مع شريكه "تشارلي مونجر"، والتي حققت عائدًا سنويًا بلغ في المتوسط 25% على مدار السنوات الـ25 الماضية.
وهذا التقرير يحاول إلقاء نظرة سريعة على بعض نصائح وفلسفات "بافيت" كأحد أنجح مستثمري القيمة في العالم والتي توضحها رسائله السنوية التي ينتظرها المساهمون بفارغ الصبر؛ لأنها تحتوي على شذرات من الحكمة التي عرفت عن "بافيت".
الفرق بين القيمة والسعر
كل يوم تتحرك أسعار الأسهم صعودًا وهبوطًا، ووفقًا لفرضية كفاءة السوق يوجد هناك دائمًا سبب لتقلبات أسعار الأسهم، كما أن السعر يعكس دائمًا القيمة الحقيقية للشركة، وهي الفكرة التي تحظى بشعبية كبيرة داخل الأوساط الأكاديمية، ولكنّ مستثمري القيمة لا يؤمنون بها ويرفضونها.
يؤمن مستثمرو القيمة مثل "وران بافيت" بأن سوق الأسهم تحركه العواطف في المدى القصير بينما تتحكم فيه الأساسيات على المدى الطويل، وفي الحقيقة هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن "بافيت" على حق، وهو أن هذا الرجل تمكن حتى لحظة كتابة هذا التقرير من بناء ثروة تبلغ نحو 74 مليار دولار بفضل استثمار القيمة.
بالنسبة لـ"بافيت" إن مفتاح النجاح في سوق الأسهم ليس في توقع اتجاه السوق، ولكن في معرفة القيمة الجوهرية الشركات بغض النظر عن سعرها الحالي، ولذلك دائمًا ما ينتقد "بافيت" المستثمرين الذي يضيعون وقتهم في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد بدلًا من التركيز على محاولة العثور على شركات جيدة باستطاعتها الأداء بشكل جيد لسنوات مقبلة.
يرى "بافيت" أن أسعار أسهم الشركات التي تظهر على شاشة الأسعار التي يجلس أمامها المستثمر تحددها العاطفة وليس الحقائق، والحقائق المتعلقة بالشركة تكمن في نتائجها التشغيلية وليس في السعر الحالي لسهمها أو التوقعات اللامعة أو المتشائمة لمستقبلها، كما يشير إلى أن أفضل عمليات الاستحواذ التي قامت بها شركته كانت تلك التي تم إنجازها في وقت يسيطر فيه الخوف على السوق.
استثمر فقط في دائرة اختصاصك
لا يستثمر "بافيت" في الصناعات التي لا يفهمها بشكل كامل، ولذلك كان محل انتقاد من قبل البعض حين رفض الدخول إلى قطاع التكنولوجيا الذي شهد طفرة كبيرة في أواخر التسعينيات، مفضلاً عليها أسهم شركات تنتج أشياء مثل الطلاء والطوب والسجاد.
قاعدته الذهبية هي "استثمر فقط في دائرة اختصاصك" أي في الصناعات أو القطاعات التي تعرفها جيداً وبالتالي تعرف كيف تجني الشركة التي تعمل بها أموالها، ربما فوت هذا النهج على "بافيت" الكثير من الفرص الاستثمارية الرائعة مثل "جوجل" و"أمازون" ولكنه لم يعرّض نفسه ولا مستثمري شركته للمخاطر المرتبطة بالاستثمار في شيء لا يفهمه بشكل كامل.
يحب "بافيت" الاستثمار في الشركات التي من المتوقع أن يستمر الناس في شراء منتجاتها حتى بعد 10 أو 20 أو 30 عامًا من الآن والتي تمتلك علامات تجارية مشهورة تمنحها نصيب الأسد في السوق، فمن أشهر الأسهم التي تضمها محفظة "بيركشاير هاثاواي" منذ سنوات طويلة هو سهم شركة "كوكاكولا"، وذلك لإيمان "بافيت" بأن الناس سوف يظلون يشربون المشروبات الغازية، وسيفضّلون دائمًا العلامات التجارية المعروفة.
وفي الوقت نفسه، يرى "بافيت" أنه لا جدوى من التنويع إذا استطاع المستثمر العثور على عدد صغير من الشركات التي تتمتع بميزة تنافسية قوية وفي نفس الوقت أسعار أسهمها معقولة، قيام المستثمر بوضع أغلب أمواله في عدد قليل من الأسهم المختارة بعناية من شأنه أن يساعده أكثر على الاسترخاء وعدم القلق بشأن تقلبات السوق.
الاسترخاء وعدم القيام بشيء
في بعض السنوات، تقوم "بيركشاير هاثاواي" بعدد بسيط جداً من الاستثمارات، وأحياناً لا تجري أي تعديل في محفظتها الاستثمارية. ويرجع ذلك إلى اعتقاد "بافيت" بأنه في بعض الأحيان يعد الاسترخاء وعدم القيام بأي شيء هو أذكى قرار استثماري قد يتخذه المستثمر.
عن هذا قال "بافيت" في رسالته للمساهمين في عام 1993: "لقد أدركت أنا وتشارلي (شريكه) منذ فترة طويلة أنه من الصعب للغاية في الحياة الاستثمارية أن يتخذ المستثمر مئات من القرارات الذكية.. لذلك قررنا اتباع استراتيجية تتطلب أن نكون أذكياء في القرارات القليلة جداً التي سنتخذها. في الواقع، سنقوم الآن بتنفيذ فكرة واحدة جيدة كل عام".
على الرغم من أن معظم الرسائل الموجودة في الكتاب مرّ عليها أكثر من 20 عاماً تطور خلالها السوق وكذلك أسلوب "بافيت" الاستثماري إلا أن الدروس التي تحملها لا يزال بإمكانها أن تفيد الكثير من مستثمري سوق الأسهم في الوقت الحالي.
فالنصائح التالية التي ساقها الكتاب على لسان "بافيت" تفيد بالتأكيد الكثير من المستثمرين: استثمر فقط في الشركات التي تفهم أعمالها، ولا تستثمر إلا في الشركات التي تثق في أن أرباحها في المستقبل ستكون أعلى من أرباحها الحالية.. ابحث دائماً عن الشركات التي تمتلك ميزة تنافسية دائمة باستطاعتها أن تضمن لها تفوقها على منافسيها.
اشترِ فقط السهم الذي تنوي الاحتفاظ به لفترة طويلة.. فإذا كنت لا ترغب في امتلاك سهم لمدة 10 سنوات فلا تفكر في امتلاكه لعشر دقائق.
المصادر: أرقام
كتاب: The Essays of Warren Buffett: Lessons for Corporate America
كتاب: The Literature of Possibility
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}