نبض أرقام
22:15
توقيت مكة المكرمة

2024/07/11

كيف تفقد العملة مكانتها؟.. الإسترليني ورحلة الهبوط من القمة

2020/07/24 أرقام - خاص

تتزايد التكهنات كل فترة بشأن قرب فقدان الدولار لمكانته كعملة الاحتياط الأولى في العالم، مع مخاوف ارتفاع الديون والعجز التجاري والمالي المتزايد.
 

ويحتاج العالم لعملة احتياط مقبولة في التعاملات الخارجية المتبادلة بين الأفراد والدول ويمكن أن تقوم بدور النقود المتمثل في "مخزن القيمة ووسيلة التبادل ووحدة حساب" على النطاق الدولي.
 

  

ومع حقيقة أن اختفاء عملات الاحتياط يعتبر أمراً مألوفاً من الناحية التاريخية، فإن التجارب السابقة تشير إلى وجود أسباب مشتركة تجمع قصص الصعود والهبوط للعملات المستخدمة دولياً على نطاق واسع.
 

وكما يتزامن صعود العملة لصدارة المشهد العالمي مع زيادة قوة الدولة اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، فإن تراجعها يحتاج لانتفاء هذه العوامل بالإضافة لوجود خصم قوي مستعد للوثوب واعتلاء القمة.
 

وداعاً الغيلدر
 

في معظم أوقات القرنين السابع والثامن عشر كانت عملة الخولده أو الغيلدر الهولندي تسيطر على التعاملات في أوروبا فيما يمثل أول عملة احتياط بالمعنى المتعارف عليه في العالم.
 

ومع صعود هولندا كقوة سياسية وعسكرية وتجارية وانتشار سفنها في معظم بقاع العالم آنذاك، اكتسبت عملتها شعبية ملحوظة وتزايد استخدامها في التعاملات الدولية لتمثل نحو ثلث الإجمالي العالمي.
 

كما ساعد إنشاء أول سوق كبير لتبادل الأوراق المالية في أن تصبح هولندا مركزاً مالياً مرموقاً يجتذب التجار من كل أنحاء العالم، وهو ما دعّم مركز الغيلدر كعملة الاحتياط الأكبر آنذاك.
 

  

لكن كما جاءت انطلاقة هولندا وعملتها على حساب إسبانيا بعد إزاحتها من الصدارة السياسية والتجارية، تسبب تفوق القوة الصاعدة حديثاً "بريطانيا" في نهاية الإمبراطورية الهولندية.
 

وبعد سنوات من تراجع التنافسية والصراعات التجارية والمصادمات العسكرية والسياسية بسبب الرغبة في السيطرة على التجارة خاصة في آسيا، جاءت الحرب "الإنجليزية – الهولندية" الرابعة في الفترة بين 1780 وحتى 1784 والانتصار الكاسح لبريطانيا فيها لتكتب نهاية السيطرة الهولندية.
 

كما ساهم توسع بنك أوف أمستردام في الإقراض وخاصة للذراع التجارية الأهم آنذاك والمتمثلة في شركة الهند الشرقية الهولندية في فقدان الثقة في العملة واتجاه معظم حائزيها لاستبدالها بالذهب أو الفضة وبالتبعية تراجع الطلب عليها.
 

ومع خسارة الحرب وتراجع التنافسية وانحسار الدور التجاري وانهيار الثقة في كفاءة وملاءة بنك أوف أمستردام، تنحى الغيلدر جانباً ليفسح المجال أمام العملة القادمة لاحتلال عرش العالم: الجنيه الإسترليني.
 

عصر الإسترليني ينطلق
 

بعد التخلص من المنافس الهولندي، أصبحت بريطانيا أكبر قوة اقتصادية وتجارية وعسكرية في العالم، مع تكوين مستعمرات في عدد كبير من مناطق العالم.
 

وبحلول عام 1860 كانت بريطانيا تستوعب أكثر من 30% من الصادرات العالمية، كما احتلت صدارة الدول الأكثر تصديراً للسلع الصناعية والخدمات، ناهيك عن استخدام الإسترليني لتسوية أكثر من نصف التجارة العالمية.
 

  

ونجحت لندن في أن تصبح مركزاً مالياً عالمياً يجتذب الراغبين في الاستثمار والاقتراض حول العالم، ما جعل الإسترليني العملة الأكثر طلباً آنذاك كما وسّع الفجوة بين الثروة في بريطانيا وباقي دول العالم لمستوى مرتفع.
 

ومع إجبار المستعمرات المنتشرة حول العالم على استخدام الإسترليني في التبادل التجاري مع بريطانيا، اكتسبت العملة دوراً حيوياً ملحوظاً خاصة مع استمرار ربطها بالذهب عند سعر 4.25 إسترليني لكل أونصة لمدة قرنين من الزمن تقريباً.
 

وبدأ البساط ينسحب تدريجياً من بريطانيا مع بزوغ قوى أخرى على الساحة العالمية خاصة الولايات المتحدة والتي نجحت في اكتساب قوة اقتصادية ملحوظة جعلت الدولار يكتسب شعبية متصاعدة في الاحتياطات الدولية.
 

لكن الإسترليني حافظ على مكانته على قمة الهرم بفضل المركز التجاري والمالي والانتشار الجغرافي للمستعمرات، حتى اشتعال الحرب العالمية الأولى.
 

واضطرت الحكومة البريطانية لتعليق العمل بقاعدة الذهب في عام 1915 من أجل التوسع في الاقتراض لتمويل الاحتياجات المالية الكبيرة للحرب، وهو ما رفع معدل التضخم بشدة ودفع الدولة لخفض مستمر في قيمة العملة.
 

ومع خروج بريطانيا منتصرة من الحرب قرر "ونستون تشرشل"  عندما كان وزيرا للخزانة العودة لقاعدة الذهب في عام 1925، لكنه تناسى أن العالم تغير والقيمة الممكنة قبل الحرب لم تعد تناسب الوضع الحالي.
 

  

ودخلت بريطانيا في ركود اقتصادي عميق مع جبل الديون التي خرجت بها من الحرب والقيمة المبالغ فيها للعملة والتي قلصت القدرة التنافسية للصادرات البريطانية مقارنة بالقوى الصناعية الأخرى.
 

ومع إدراك الحقائق الجديدة، خرجت بريطانيا نهائياً من قاعدة الذهب في 1931 وسط خفض مستمر لقيمة الإسترليني، وهو ما بدأ حرب عملات بين الدول قام فيها كل طرف بخفض متعمد لقيمة عملته للحصول على ميزة تنافسية.
 

الحرب والهبوط التدريجي
 

كانت الحرب العالمية الثانية بمثابة "بداية النهاية" للمكانة الدولية للجنيه الإسترليني، والذي كان يترنح بالفعل قبل ذلك مع تراجع التنافسية والصعود السريع للنجم الأمريكي في سماء العالم.
 

ورغم خروج بريطانيا منتصرة من الحرب، فإنها كانت الطرف الأكثر إجهاداً سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي، خاصة مع ارتفاع ديونها بشكل حاد وتضرر بنيتها التحتية.
 

وعلى النقيض، خرجت الولايات المتحدة من الحرب كقوى عظمى عسكرياً، بالإضافة إلى حقيقة أنها الدائن الأكبر لمعظم الدول الحلفاء، وهو ما مكنها من رسم خريطة النظام الاقتصادي الجديد لفترة ما بعد الحرب.
 

وتمخضت الحرب عن اتفاق "بريتون وودز" الذي ربط الدولار الأمريكي بالذهب عند سعر ثابت، ما جعل باقي دول العالم تربط عملاتها بالورقة الخضراء مباشرة لتصبح الأخيرة العملة الأكثر طلباً وأهمية في النظام العالمي.
 

ورغم التفوق الأمريكي حتى قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن الإسترليني احتاج لنحو 20 عاماً ليفقد مكانته بشكل كامل مع الهبوط التدريجي في الاعتماد على العملة في التجارة الدولية واحتياطات الدول.
 

  

وبعد الحرب العالمية مباشرة شكل الإسترليني نحو 80% من الاحتياطات الدولية بالعملات الأجنبية، لكن تحولاً حاداً بدأ في الظهور جعل الكفة تميل بقوة للدولار والذي استحوذ على أكثر من نصف الاحتياطات الدولية بحلول منتصف خمسينيات القرن الماضي.
 

كما تهاوت الثقة في الإسترليني كعملة احتياط عالمية مع خفض قيمته بنسبة 30% في عام 1949 لتبدأ رحلة تخلص البنوك المركزية من العملة البريطانية لصالح حيازة الدولار، وهو ما استمر بعد الخفض الكبير الثاني للإسترليني في عام 1967.
 

واستمرت الفجوة في الاتساع بين الدولار الآخذ في كسب الأرض عالمياً والإسترليني الذي تتراجع مكانته في الاحتياطات الدولية، بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بالمارك الألماني (اليورو لاحقاً) والين الياباني.
 

ويظهر التاريح أن عوامل خسارة الباوند البريطاني لمكانته الدولية تشابهت مع ما حدث للغيلدر الهولندي: فقدان التفوق الاقتصادي والتجاري والعسكري مع ظهور منافس أكثر تنافسية وقوة بالإضافة إلى ارتفاع الديون وتدني الثقة في العملة.
 

ورغم أن المكانة الدولية للعملة غالباً ما تستمر لفترة ممتدة من الزمن، فإن استمرار السيطرة إلى الأبد يبدو أمراً غير مرجح تاريخياً.

 

المصادر:المنتدى الاقتصادي العالمي– صندوق النقد الدولي

دراسة Death of a Reserve Currency

دراسة STABILITY OR UPHEAVAL? THE CURRENCY COMPOSITION OF INTERNATIONAL RESERVES IN THE LONG RUN

دراسة The changing world order, The Big Cycles Over The Last 500 Years

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة