نبض أرقام
20:28
توقيت مكة المكرمة

2024/07/11

لم يجربه سوى 76 شخصًا فقط! .. القصة الكاملة للقاح "كورونا" الروسي الذي لا يثق فيه أحد

2020/08/12 أرقام - خاص

"الجائزة الكبرى" .. هكذا يوصف اللقاح المنتظر لفيروس كورونا المستجد الذي تتنافس كبريات الشركات والمؤسسات البحثية حول العالم على تطويره منذ عدة أشهر ضمن سباق ضُخت فيه مليارات الدولارات من قبل الحكومات والقطاع الخاص على أمل التوصل إلى ذلك اللقاح الذي سينقذ الأرواح والاقتصاد معًا.

 

 

وبينما ينهمك جميع اللاعبين الرئيسيين بصناعة الدواء في المراحل المختلفة للتجارب السريرية التي لا يرجح أن تنتهي قريبًا، قرر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أمس الثلاثاء مفاجأة وإرباك العالم أجمع حين أعلن نجاح بلاده في تطوير أول لقاح لفيروس كورونا وحصوله على الموافقات اللازمة من الجهات المحلية المعنية.

 

"قرار متهور وأحمق"

 

على الفور أثار تصريح "بوتين" موجة من الغضب والقلق في الأوساط العلمية التي رأت أن روسيا تهورت وتسرعت حين قررت القفز فوق المرحلة الثالثة والأهم في التجارب السريرية والتي يتم في إطارها اختبار مدى فاعلية اللقاح على أعداد كبيرة من المتطوعين قبل أن تتم إجازته والموافقة عليه، وهو ما يشكك في أمان وفاعلية اللقاح الروسي.

 

"هذا قرار متهور وأحمق".. هكذا وصف عالم الوراثة في كلية لندن الجامعية "فرانسوا بالوكس" إعلان الرئيس الروسي عزم بلاده المضي قدمًا في إنتاج نسختها الخاصة من لقاح كورونا، قبل أن يحذر "بالوكس" من أنه لو اتضح لاحقًا أن اللقاح الروسي الذي لم يخضع للاختبارات الكافية غير آمن فإن العواقب الصحية ستكون وخيمة، والأخطر من ذلك هو أن ثقة الناس حول العالم في اللقاحات بشكل عام ستقل.

 

 

في تصريحاته بالأمس أوضح "بوتين" أن الجهات التنظيمية الروسية وافقت على اللقاح الذي طوره معهد "جماليا" لعلوم الأوبئة والأحياء الدقيقة في موسكو، ولكن ما لم يشر إليه الزعيم الروسي هو أن ذلك اللقاح لم يتجاوز سوى المرحلتين الأولى والثانية من التجارب السريرية فقط ولم يتخط بعد المرحلة الثالثة الحاسمة والتي لا يمكن بأي حال تجاهلها والقفز فوقها.

 

ما خطورة ما فعله الروس؟

 

في البداية يجب أن نعرف أنه على عكس الأدوية التجريبية التي تعطى للمرضى، يتم إعطاء اللقاحات للأشخاص الأصحاء – وهم الأغلبية الساحقة من الناس – بغرض تحصينهم ضد الإصابة بمرض معين. وعلى هذا الأساس يجب أن تخضع عملية تطوير أي لقاح لأعلى معايير الأمان والسلامة الممكنة للتأكد من عدم تسببها في أي أعراض جانبية خطيرة.

 

تعتبر اللقاحات اليوم واحدة من أكثر المنتجات الطبية أمانًا في العالم بفضل الصرامة الشديدة للمراحل المختلفة التي تمر بها التجارب السريرية والتي لا يتم الشروع فيها إلا بعد تجاوز اللقاح للتجارب الحيوانية بنجاح. بعد نجاح اللقاح مع الحيوانات تتم تجربته على عشرات المتطوعين من البشر في أولى مراحل التجارب السريرية والتي يسعى الباحثون خلالها إلى التأكد من أمان وسلامة اللقاح على البشر.

 

 

إذا لم تظهر في المرحلة الأولى أي مشاكل خطيرة تتعلق بسلامة اللقاح فينتقل الباحثون إلى المرحلة الثانية والتي يحاولون خلالها التعرف على الحجم والعدد الأمثل للجرعات بالاستعانة بالمئات من المتطوعين. وهنا بالضبط توقف الروس الذين اعتبروا أن نجاح المرحلتين الأولى والثانية كاف للموافقة على اللقاح والمضي قدمًا في تصنيعه، وذلك رغم تأكيدهم لاحقًا على أنهم سيواصلون التجارب وسيجرون المرحلة الثالثة.

 

ولكن ما جدوى إجراء المرحلة الثالثة إذا كانت الموافقة على اللقاح قد تمت بالفعل! وفقًا للعلماء تعتبر المرحلة الثالثة هي المرحلة الأهم لأنها الأكبر والأوسع نطاقًا، حيث يتم خلالها تجربة اللقاح على عشرات الآلاف من المتطوعين لاختبار مدى فاعليته. ومن الوارد جدًا أن ينجح اللقاح في المرحلتين الأولى والثانية ثم يفشل في المرحلة الثالثة كما حدث مع لقاحات كثيرة من قبل.

 

لم يجرؤ أحد!

 

ربما أكثر ما يلفت الانتباه هو أن الروس هم الوحيدون الذين تجرؤوا على القفز فوق المرحلة الثالثة من التجارب. يوجد اليوم أكثر من 200 لقاح محتمل لفيروس كورونا قيد التطوير حول العالم، لم ينتقل سوى نحو 30 منها إلى المراحل المختلفة للتجارب السريرية.

 

ومن بين تلك الثلاثين نجحت 8 لقاحات في الانتقال إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من التجارب السريرية من بينها اللقاحات الخاصة بشركة "موديرنا" الأمريكية وجامعة أكسفورد البريطانية والعديد من الشركات الصينية. هؤلاء جميعًا لم يجرؤوا على الاكتفاء بنجاح تجارب المرحلتين الأولى والثانية لأنهم يدركون جيدًا خطورة ذلك.

 

 

من دون المرحلة الثالثة يصبح اللقاح مشكوكا في سلامته وفاعليته وهو ما يفتح الباب على مصرعيه أمام احتمالية كونه لقاحا معيبا وهذا شيء خطير جدًا لأنه وفقًا للخبراء قد يتسبب اللقاح المعيب في إصابة أولئك الذين سيتم تلقيحهم به بأشكال حادة من فيروس كورونا، وهذه كارثة لا يمكن استبعاد حدوثها إلا من خلال إجراء اختبارات واسعة النطاق على أعداد كبيرة جدًا من البشر، وهو ما يحدث بالضبط في المرحلة الثالثة من التجارب التي تجاهلها الروس.

 

بحسب ما أعلنه المعهد الروسي المطور للقاح الذي أطلق عليه اسم "سبوتنيك في" من خلال موقعه على شبكة الإنترنت، من المفترض أن تبدأ المرحلة الثالثة من التجارب السريرية اليوم الأربعاء بمشاركة أكثر من 2000 شخص من روسيا والسعودية والإمارات والبرازيل والمكسيك.

 

وهذا بالمناسبة رقم ضئيل جدًا بالمقارنة مع الأعداد التي تجرى عليها حاليًا المرحلة الثالثة من التجارب السريرية لدى الشركات والجهات الطبية التي تعمل على تطوير لقاح لـ"كورونا". "مودرنا" الأمريكية على سبيل المثال تختبر فاعلية لقاحها في هذه الأثناء على أكثر من 30 ألف متطوع في إطار المرحلة الثالثة، وهو نفس عدد المتطوعين تقريبًا لدى جامعة أكسفورد في نفس المرحلة من التجارب.

 

اللقاح الغامض .. مناورة بوتين

 

في الوقت نفسه تفرض روسيا حالة غريبة من السرية شبه التامة على نتائج الاختبارات الخاصة بلقاحها التجريبي، وكل ما يعرفه العلماء الأجانب عن نتائج هذا اللقاح مصدره وسائل الإعلام الروسية وليس دراسات طبية منشورة. حتى الآن لم يطلع أحد على بيانات السلامة والفاعلية الخاصة باللقاح الذي لم يحصل عليه في أول مرحلتين من التجارب سوى 76 شخصًا فقط!

 

بالأمس شدد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية على أن البيانات الخاصة بنتائج تجارب اللقاح الروسي والتي لا تزال قيد السرية ستخضع لمراجعة وتقييم صارمين. والمثير للدهشة هو أنه حتى لحظة كتابة هذا التقرير لا تزال منظمة الصحة العالمية تدرج اللقاح الروسي ضمن قائمة اللقاحات التي لم تخرج بعد من المرحلة الأولى من التجارب السريرية.

 

من جانبه صرح الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي "كيريل ديميترييف" بأن نتائج المرحلتين الأولى والثانية من التجارب السريرية التي أجريت على اللقاح الروسي الذي تمت الموافقة عليه بالفعل سيتم نشرها بنهاية الشهر الجاري موضحًا أن التأخير سببه إجراءات رسمية.

 

 

افتقار الروس إلى الشفافية حول نتائج وبيانات هذا اللقاح يزيد من قلق الخبراء حيال فاعليته خصوصًا وأنه لم يتخط بعد المرحلة الأهم في التجارب، مما دفع بعضهم إلى القول بأن ما أعلنه "بوتين" بالأمس لا يتعدى كونه مناورة سياسية. وهذا بالضبط ما قصده عالم الفيروسات الأمريكي "جون مور" حين صرح أمس قائلًا: "ما حدث للتو يتجاوز الغباء. بوتين ليس لديه لقاح، هو فقط يصدر بيانًا سياسيًا".

 

وبعيدًا عن الأمريكيين الذين ربما لا يقبل البعض شهادتهم في حق روسيا، أرسلت الروسية " سفيتلانا زافيدوفا"، رئيسة اتحاد منظمات البحوث السريرية في روسيا أول أمس الاثنين التماسًا إلى وزارة الصحة الروسية تطلب فيه تأجيل الموافقة على اللقاح إلى حين الانتهاء من المرحلة الثالثة من التجارب السريرية.

 

ولكن للأسف تم تجاهل التماس "زافيدوفا" ووافقت الوزارة على اللقاح الذي أعلن عنه "بوتين" قبل ساعات، لتصرح المحامية الروسية التي عملت في مجال التجارب السريرية لمدة تقترب من 20 عامًا قائلة: "أشعر بالخزي لبلدي. لن تجعل الموافقة السريعة على اللقاح روسيا رائدة في هذا السباق بعد الآن، بل ستعرض فقط مستخدمي اللقاح من المواطنين الروس لخطر غير ضروري".

 

 

وربما أفضل ما نختم به هذا التقرير هو تصريح عالم الفيروسات بكلية أيكان للطب في ماونت سيناي "فلوريان كرامر" الذي قال فيه: "لست متأكدًا مما تنوي روسيا فعله، ولكنني بالتأكيد لن أتناول لقاحًا لم يتجاوز المرحلة الثالثة من التجارب السريرية".

 

 

المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – واشنطن بوست – الجارديان – نيتشر – ساينس – بارونز

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة