قبل 58 عاماً وفي مدينة " بنتونفيل" في أركنساس الأمريكية ظهرت شركة البيع بالتجزئة "وول مارت" لأول مرة.
وحينها كانت الشركة عبارة عن متجر واحد فقط يتواجد في المدينة الصغيرة يسعى للحصول على مكان وسط الكبار معتمداً على شعار "أسعار منخفضة وخدمة جيدة".
وفي أحد الأيام، قرر "سام والتون" مؤسس "وول مارت" أمراً سيغير مصير الشركة الصغيرة لتتحول إلى عملاق عالمي.
الجميع واحد
مع بداية إدارة "سام" لمتجره الجديد، تملكه شعور منطقي بأنه ليس من العدل أن يعمل الموظفون الصغار في أيام السبت في الوقت الذي يحصل مديروهم على العطلة الأسبوعية التقليدية ويقضونها مع أسرهم.
ورغم اعتراض زوجته على هذا الرأي واعتقادها بأن المدراء يعملون بجد طوال الأسبوع ومن حقهم قضاء بعض الوقت مع عائلاتهم، فإن "سام" كان يرى أنه لا يمكن لأي شخص أن يفكر حتى في الالتحاق بمجال التجزئة دون أن يكون مستعداً للعمل في العطلات الأسبوعية.
قدّم "والتون" المثل والقدوة عبر قضاء صباح أيام السبت في المتجر لمراجعة أرقام الأسبوع الماضي ورصد السلع التي تباع أكثر من غيرها وتطور حركة الشراء.
ثم طلب الرجل من كل الموظفين القدوم مبكراً إلى المتجر قبل فتح الأبواب أمام الجمهور، من أجل عقد اجتماع مصغر للاستماع إلى آرائهم بشأن السلع التي يمكن عرض خصومات عليها أو إبرازها أكثر أمام الجمهور.
نجح هذا التقليد في عدد من الأمور، لقد جعل الموظفين يحبون العمل لدى "والتون" ويشعرون بأنهم جزء أساسي من المنظومة، مالك الشركة يثق فيهم ويهتم برأيهم في كيفية إدارة وتحسين مكان العمل، لقد رأوا أنهم سوياً في خندق واحد.
ورغم نمو "وول مارت" في السنوات التالية وزيادة عدد المتاجر وبالتبعية الموظفين، فإن "والتون" استمر في عقد اجتماع صباح السبت بنفس الطريقة.
وكان الاجتماع خليطاً من تجمع حماسي وفعالية ترويجية وندوة نقاشية، لقد كان المحرك الذي يدفع آلة "وول مارت" للتحسن المستمر وتجاوز الأخطاء وبالتالي التقدم خطوات سريعة عن المنافسين.
كما كانت إحدى النتائج هي أن موظفي "وول مارت" يحصلون على دروس أسبوعية في التجارة، لقد كان "والتون" يشارك موظفيه المعلومات والبيانات بشأن البيع والأداء وهو ما جعل الموظفين بمثابة أصحاب عمل.
شعر "والتون" بأن موظفيه هم شركاؤه وبالتالي من الضروري إطلاعهم بشكل دوري على تطورات الوضع واستطلاع رأيهم في كيفية التحرك إلى الأمام، وهو ما رد عليه العمال عملياً بالمساهمة في تطور سلاسل المتاجر ودفعها للأمام.
يمكن القول بأن "والتون" ومن بعده المديرين التنفيذيين للشركة توصلوا إلى ما يمكن اعتباره "كلمة السر للنجاح في قطاع التجزئة": "اجعل الموظفين سعداء وحينها سيصبح عملاؤك سعداء وفي النهاية سيكون المستثمرون أيضاً سعداء".
سحر الوقت
الواقع أن اجتماع السبت لم يساعد "وول مارت" من خلال جعل الموظفين جزءاً من المنظومة ويفيضون بمشاعر الإخلاص والتفاني وحب العمل فحسب، لكنه كان سبباً مباشراً في التفوق على المنافسين أيضاً.
ففي منتصف السبعينيات من القرن الماضي كانت "وول مارت" تمثل بالمقارنة مجرد جزء صغير من عملاق آخر في سوق التجزئة آنذاك: "كيه مارت".
لكن رغم ضخامة "كيه مارت" وذكاء إدارتها، كان "والتون" يعتقد أنه قادر على منافستها عبر سلاح السرعة.
فإذا خرج اجتماع السبت باستنتاج مفاده أن البطاريات المعروضة في مكان ما في أحد متاجر "وول مارت" المحلية لا تباع بشكل جيد، فإن كل الفروع الأخرى تقوم بتغيير مكانها بحلول يوم الإثنين.
والفكرة ببساطة هي أن الموظفين يعملون من الإثنين إلى الخميس في مختلف متاجر "وول مارت"، قبل أن يأتوا إلى المقر الرئيسي في " بينتونفيل" لاجتماعات التسويق ثم البيع.
ومع الحصول على المعلومات من الموظفين الذين تنقلوا عبر المدن عن المنافسين وتطور أوضاعهم في السوق، فإن "وول مارت" كانت قادرة على التحرك السريع وإجراء التغيرات المطلوبة في فروعها المحلية المنتشرة بحلول منتصف يوم السبت، في الوقت الذي ينتظر فيه المنافسون يوم الإثنين للحصول على نتائج المبيعات الخاصة بالأسبوع السابق.
لقد كانت "وول مارت" تسبق منافسيها بفارق 10 أيام تقريباً.
الزمن يغير الكثير
لكن مع تغير كل شيء بمرور الوقت، رأى مسؤولو "وول مارت" أن الاجتماع يحتاج إلى جانب ممتع يعوض الضغط الواقع على الجميع طوال أيام الأسبوع، وبالتالي فإن ثمانينيات القرن الماضي شهدت إدخال جانب ترفيهي يتضمن الغناء الجماعي وعمل مسابقات بين الموظفين.
وفي التسعينيات ومع الخوف من تسرب الملل، تم استحداث دعوة ضيف شهير لحضور الاجتماع سواء كان ممثلاً مثل "أدم ساندلر" أو "توم كوروز" وشخصية إعلامية شهيرة مثل "أوبرا وينفري" أو حتى شخصيات سياسية من أمثال "هنري كيسنجر" و"بيل كلينتون"، ناهيك عن المستثمر الشهير "وارن بافيت" ومؤسس فيسبوك "مارك زوكربيرج".
لقد تحول اجتماع "وول مارت" ليكون التجمع الإداري الأشهر عالمياً بوصفه: "جزء يشبه تجمعاً دينياً، جزء مثل حفلات الأوسكار، وجزء كمسرحية من مسرحيات برودواي".
اعتاد الموظفون اصطحاب أطفالهم يوم السبت من كل أسبوع للحضور إلى الشركة للاستمتاع والتعلم والاحتفاء بالمتفوقين قبل استعراض أوضاع المبيعات طوال الأسبوع الماضي والتفكير في كيفية تطوير الأمر في الأيام التالية.
وفي عام 2008 تم إقرار تغيير جديد بأن أصبح اجتماع السبت مرة كل شهر بدلاً من عقده أسبوعياً.
والآن لم يعد الاجتماع مثلما كان عليه منذ سنوات طويلة، حيث أصبح الأمر يدار بطريقة أكثر استراتيجية وشمولاً، مع حقيقة أن الكثير من التطورات يتم التعامل معها خلال اجتماعات أخرى على مدار الأسبوع.
لكن الواقع يشير إلى أن "وول مارت" تمتلك حالياً 11500 متجر في 27 دولة بعدد موظفين يتجاوز 2.2 مليون.
كما أن الشركة الصغيرة التي ظهرت قبل 58 عاماً بمتجر واحد، أصبح إجمالي مبيعاتها 524 مليار دولار في العام المالي المنتهي في 31 يناير الماضي.
ربما ساهمت عوامل كثيرة في نجاح "وول مارت" وصعودها من متجر بسيط في مدينة صغيرة إلى عملاق عالمي، لكن المؤكد أن اجتماع يوم السبت كان أحد أبرز أسباب النجاح.
المصادر: أرقام – وول مارت - كوارتز – توك بيزنس - فورتشن
كتاب: The Greatest BUSINESS DECISIONS of All Time
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}