الأكثر استعداداً وجاهزية عادة ما يتفوق على باقي المنافسين بسهولة، هذه الحقيقة المنطقية تلخص بشكل كبير قصة نجاح كوريا الجنوبية في السيطرة على بوادر الموجة الثانية لوباء "كوفيد-19" بعد أشهر من تسطيح منحنى الوباء في أبريل الماضي.
وتمكنت كوريا من تحقيق النجاح على كافة الأصعدة، بداية من السيطرة على الوباء في ضربتيه الأولى والثانية ومروراً بتفادي فرض الإغلاق الوطني وانتهاءً بحماية الاقتصاد من السيناريوهات الأكثر سوءًا جراء الأزمة.
الأرقام تتحدث عن نفسها
- من إجمالي 52 مليون كوري جنوبي، بلغ عدد المصابين بفيروس "كوفيد-19" نحو 23 ألف شخص منهم 21 ألفا تم شفاؤهم، بينما توفي 407 أشخاص.
- بلغ متوسط عدد إصابات فيروس "كورونا" في كوريا الجنوبية نحو 77 حالة يومياً منذ شهر أبريل الماضي، ما يجعل البلاد واحدة من أقل الاقتصادات الكبرى من حيث عدد المصابين من الوباء.
- في حال تعديل البيانات وفقاً لاختلاف عدد السكان، نجد أن عدد المصابين في كوريا الجنوبية يعادل نحو 480 حالة يومية في الولايات المتحدة مقارنة بأكثر من 38 ألف حالة شهدتها الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم.
- بعد ارتفاع ملحوظ لعدد المصابين بالفيروس في شهر مارس والذي وصل أحياناً إلى ما يزيد على 900 حالة يومية، بدأ منحنى الإصابات في التسطح في شهر أبريل لتتراجع وتيرة الإصابة اليومية بشكل حاد حتى النصف الأول من شهر أغسطس.
- بعد الهدوء الذي شهدته أشهر الصيف، جاء النصف الثاني من شهر أغسطس ليسجل تسارعا في حالات الإصابة بالوباء في البلاد ليصل لأعلى مستوى في خمسة أشهر عند 441 حالة في السابع والعشرين من شهر أغسطس.
- تسبب خليط من نظريات المؤامرة التي يرى مؤيدوها أن الفيروس يتم زرعه في جسم الإنسان وبالتالي يرفضون الخضوع للفحص والاختبار بالإضافة إلى التجمعات في الكنائس وتظاهرات حركات المجتمع المدني في تسارع حالات الإصابة بالفيروس مجدداً في البلاد.
- أثارت إشارات الموجة الثانية للوباء حالة من الحرص لدى كثير من الكوريين الذين اتجهوا لخفض حركة التنقل بنحو 25% والالتزام بتدابير التباعد وارتداء أقنعة الوجه، لتقليل احتمالات التعرض للإصابة بالفيروس.
- أغلقت الدولة معظم المدارس مع تقليص أوقات عمل المطاعم إلى الساعة التاسعة مساءً مع تشديد قواعد التباعد الاجتماعي ومنع الوقفات الاحتجاجية لمنظمات المجتمع المدني وغيرها من مظاهر التواصل بين المواطنين.
- في خلال أسبوعين فحسب تأكد انحسار الانتشار الجديد للفيروس لتعود المدارس والصالات الرياضية للعمل مجدداً.
- انخفضت أعداد الإصابات الجديدة بالفيروس إلى 50 إصابة يوم الإثنين الماضي، وهو أدنى مستوى منذ بدء الموجة الثانية لانتشار الوباء في الحادي عشر من شهر أغسطس الماضي.
التعايش مع الوباء
- تعلمت كوريا الجنوبية جيداً من الدرس المؤلم في عام 2015 لتفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والتي شهدت آنذاك تعاملاً متخبطاً أسفر عن إصابة 186 شخصاً ووفاة 38 مواطنا.
- بعد أزمة 2015 بدأت الحكومة الكورية في عقد دورات تدريبية سنوية لمحاكاة سيناريو يمثل انتشارا سريعا للأمراض الفيروسية، بل إن آخر عملية تدريب تمت في ديسمبر الماضي كانت عبارة عن افتراض معاناة عائلة كورية من التهاب رئوي غير معروف بعد قدومها من الصين.
- الطريق إلى النجاح بالنسبة لكوريا الجنوبية كان مباشراً ومختصراً وواضحاً للغاية ويتمثل في مزيج من التكنولوجيا واختبارات الكشف عن الوباء وتتبع حالات العدوى.
- ساعدت التجارب المبكرة عبر الدورات التدريبية على وجود استعداد فعلي مبكر للشركات الكورية لتطوير اختبارات خاصة باكتشاف حالات الإصابة بالفيروس سريعاً.
- مع بدء ظهور عدد متزايد من الحالات في نهاية شهر فبراير الماضي، ظهرت فكرة استحداث عيادات متنقلة عبر السيارات لزيادة الاختبارات التي أصبحت تستغرق 10 دقائق فحسب وتظهر نتائجها بعد 24 ساعة.
- كما تمكنت كوريا من تطوير أدوات تكنولوجية لتتبع حالات الإصابة بالوباء والتي يمكن أن ترصد أكثر من 1000 حالة محتملة لمصابين في غضون ساعة واحدة فقط.
- لم تستخدم كوريا الجنوبية خبرتها وتجاربها الافتراضية في التعامل مع الأوبئة فحسب، لكنها استغلت استثماراتها الطويلة في الأصول الرقمية للوصول لأفضل تعامل ممكن مع الأزمة.
- تمكنت الحكومة من استحداث حلول جديدة للفحص والتشخيص وطرح تطبيقات الفحص الذاتي، بالإضافة إلى أدوات قائمة على نظام تحديد المواقع "GPS" لفرض الحجر الصحي على المصابين والمشتبه في إصابتهم بالفيروس.
- شجعت الدولة ارتداء الأقنعة والتي أصبحت سمة واضحة في كل المدن الكورية، كما عملت مع القطاع الخاص لتصميم تطبيقات لتحسين توزيعها وتحسين الوعي وطريقة التعامل الشعبي مع الأزمة.
- رفضت الحكومة فرض تدابير إغلاق وطني صارمة، بل إنها مع تراجع ذروة العدوى في شهر مايو حثت المواطنين على الخروج والتواصل الاجتماعي والإنفاق لدعم الاقتصاد ضمن حملة تحمل عنوان "حياة يومية جديدة مع كوفيد-19".
- اقتصر الأمر على فرض المسؤولين توجيهات بضرورة ارتداء أقنعة الوجه في الأماكن العامة، مع استخدام الوسائل التكنولوجية لتتبع المرضى والمخالطين المحتملين وقطع خطوط تفشي الوباء بشكل مبكر.
الاقتصاد يجني الثمار
- نتيجة للقدرة على احتواء الوباء والتعايش معه، لم تضطر كوريا الجنوبية مطلقاً إلى فرض عملية إغلاق وطني واسعة مثلما حدث في عدد كبير من دول العالم.
- مع عدم فرض تدابير إغلاق وطني واستمرار الحياة بشكل شبه طبيعي، كانت ضربة الوباء أقل وطأة بكثير مقارنة بمعظم الاقتصادات الكبرى.
- رغم انكماش الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية بنسبة 3.2% في الربع الثاني من العام الجاري على أساس فصلي، فإن الأمر لم يكن بالسوء الذي شهدته منطقة اليورو مثلاً والتي تراجع اقتصادها 11.8% أو اليابان التي شهدت انكماشاً بوتيرة سنوية يتجاوز 28%.
- استفاد الاقتصاد أيضاً من التدابير الحكومية الداعمة للأسر والشركات والتي تضمنت إعفاء من سداد إيجارات المنازل وتوفير الائتمان الرخيص للشركات الصغيرة والمتوسطة والتفاوض مع القطاع الخاص لدعم العمل عن بعد.
- أقرت حكومة الرئيس "مون جيه إن" حزمة تحفيزية بقيمة 14 تريليون وون (11.8 مليار دولار) لمساعدة الأسر على تعويض الدخل المفقود وزيادة الاستهلاك.
- تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انكماش اقتصاد كوريا الجنوبية بنسبة 0.8% في العام الجاري لتكون ثاني أفضل دول المنظمة أداءً بعد الصين، مقارنة بمتوسط تراجع لاقتصادات الأعضاء يبلغ 7.5% في نفس الفترة.
- رغم أنه لا يزال من المبكر الحكم بشكل نهائي على مدى نجاح كوريا الجنوبية في حسم أزمة الوباء، فإن القدرة على تحجيم الفيروس في مناسبتين عبر خطوات محددة ومباشرة تجعل احتمالات السيطرة على أي موجة جديدة أمراً أكثر ترجيحاً.
المصادر: أرقام – منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - وول ستريت جورنال – ساوث تشاينا مورنينج بوست – نيويورك تايمز – بي بي سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}