في عام 2004 تجاوزت الصين اليابان لتصبح ثاني أكبر مستورد للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى 20 عامًا قضتها شركات السيارات الأمريكية في إقناع أكبر عدد ممكن من الصينيين باستبدال دراجاتهم النارية بالسيارات أمريكية الصنع التي تستهلك كميات أكبر من الوقود.
كانت واردات الصين من النفط في ذلك الوقت ترتفع بمعدل سنوي يتراوح ما بين 10 و15%، كما توقعت وكالة الطاقة الدولية ارتفاع واردات الصين من الخام بواقع 5 أضعاف من حوالي مليوني برميل يوميًا في عام 2005 إلى ما يقرب من 11 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2030.
هذا معناه أن الصين ستضطر إلى استيراد حوالي 80% من إمداداتها النفطية، مما يجعل اقتصادها رهينة علاقاتها مع الولايات المتحدة التي كانت تتمتع في ذلك الوقت بنفوذ قوي في السوق النفط يمكنها من تحريكه أو على الأقل التأثير عليه، وبعد الغزو الأمريكي للعراق استشعرت الصين الخطر وسارعت إلى تبني استراتيجية تمكنها من تأمين احتياجاتها من الخام، باختصار أصبح النفط قضية أمن قومي ذات أولوية قصوى بالنسبة للصين.
نحو إفريقيا
بدأت الحكومة الصينية في مطلع الألفية الثالثة في تنفيذ استراتيجية وطنية للحفاظ على أمنها الطاقي تضمنت عدة آليات من بينها إرسال شركات النفط الحكومية إلى الخارج للمشاركة في أنشطة التنقيب والاستخراج، ومد أنابيب النفط والغاز عبر آسيا الوسطى وروسيا لتوفير إمدادات برية طويلة الأجل من الخام.
بالتوازي، قادت الصين جهودًا دبلوماسية ناجحة في البلدان الإفريقية الغنية بالنفط وذلك في تحد واضح وصريح للهيمنة الأمريكية والبريطانية في القارة السمراء، كان كثير من البلدان الإفريقية المستهدفة مرهقة ماليًا واقتصاديًا خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؛ بسبب الديون الخارجية والشروط الاقتصادية المرهقة التي فرضها عليها صندوق النقد الدولي.
في عام 1999 كان حجم التجارة البينية بين الصين وإفريقيا لا يتجاوز 6 مليارات دولار، ولكنه سرعان ما ارتفع إلى ما يقرب من 30 مليار دولار في 2004 مقارنة مع 59 مليار دولار هي حجم التجارة البينية بين إفريقيا والولايات المتحدة، ولكن تبدل الحال الآن وأصبحت الصين اليوم هي أكبر مستثمر أجنبي في إفريقيا، حيث ضخت ما يقرب من تريليوني دولار في القارة منذ 2005.
من خلال تقديم قروض بدون فوائد أو عروض لبناء مشاريع البنية التحية مثل محطات المياه والطرق السريعة والمدارس والمستشفيات نجحت بكين في تأسيس تحالفات تجارية رئيسية في جميع أنحاء إفريقيا. بعد أن قدمت للأفارقة أموالًا سهلة ضمن اتفاقات أيسر بكثير من ناحية الشروط مقارنة باتفاقات صندوق النقد، وجدت الصين أبواب صناعة النفط في إفريقيا مفتوحة أمامها على مصراعيها.
إفريقيا بين التنين والعم سام
دفعت التحركات الصينية في إفريقيا المؤسسة البحثية الأمريكية "هيريتج فاونديشن" إلى دق ناقوس الخطر لدى إدارة الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش" لتحذيره من خطط الصين المحتملة في سوق الطاقة.
وأشارت المؤسسة إلى أن 25% من إجمالي واردات الصين النفطية تأتي من إفريقيا التي حرصت بكين على بناء علاقات قوية مع زعمائها من خلال ضخ كم هائل من الاستثمارات.
في عام 2004 تحديدًا قامت الصين بتحركات دبلوماسية غير مسبوقة شملت 12 زيارة متبادلة بين كبار المسؤولين الحكوميين في الصين وعدد من الدول الإفريقية. وفي نفس العام زار الرئيس الصيني السابق "هو جينتاو" الجزائر والجابون ونيجيريا، وجميعها دول غنية بالنفط.
منحت الصين أنجولا في عام 2004 قرضًا بقيمة ملياري دولار مقابل أن تزودها الدولة الإفريقية بـ10 آلاف برميل من الخام يوميًا، في حين تم استثمار القرض في مشاريع البنية التحتية التي نفذت 70% منها شركات صينية، فيما نفذت الشركات المحلية الجزء المتبقي. وفي عام 2005 أبرمت شركة النفط الحكومية الصينية "بتروتشاينا" صفقة بقيمة 800 مليون دولار مع شركة النفط الوطنية النيجيرية مقابل 30 ألف برميل من النفط يوميًا لعام واحد.
المثير للاهتمام حول هذه الصفقة هو أن نيجيريا كانت ينظر إليها في واشنطن باعتبارها ملكًا لشركات النفط الأنجلوأمريكية العملاقة، "إكسون موبيل" و"شل" و"شيفرون"، ولكنها لم تعد ذلك منذ تلك اللحظة، وخصوصًا بعد أن اشترت المؤسسة الصينية للنفط البحري (CNOOC) حصة قدرها 45% في حقل نفط وغاز بحري في نيجيريا مقابل 2.27 مليار دولار في يناير 2006.
من المحطات المهمة في تاريخ التواجد الصيني في إفريقيا، هي القمة الإفريقية الصينية التي استضافتها بكين في نوفمبر 2006 بحضور ممثلين عن 48 دولة إفريقيا من بينهم 43 رئيس دولة، وبعد القمة بوقت قصير، قام وزير الخارجية الصيني " لي تشاو شينج" بجولة في 7 بلدان إفريقية، هي بنين وغينيا الإستوائية وغينيا بيساو وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا وبسوانا، بغرض تعزيز العلاقات التجارية.
من جهتها اتهمت واشنطن التي كانت تراقب عن كثب التحركات الصينية في القارة السمراء الصين بمحاولة تأمين احتياجاتها من النفط من مصادره، وهو الاتهام الذي أثار استغراب الكثير من الخبراء وذلك في ضوء حقيقة أن هذا بالضبط ما تفعله الولايات المتحدة منذ قرن على الأقل.
بعد عام 2007 ومع تعرض الهيكل الاقتصادي والمالي للولايات المتحدة لأسوأ أزمة منذ الكساد الكبير، احتاجت دوائر السياسة الأمريكية بوضوح وبشكل عاجل إلى استراتيجية جديدة من أجل محاولة السيطرة على النمو المتسارع للتواجد الصيني في إفريقيا، ولكن أمام عزم بكين وخطواتها المدروسة فشلت الولايات المتحدة في تحجيم الصين التي أصبحت اليوم الدولة الأجنبية صاحبة التأثير الأقوى في القارة السمراء.
المصادر: أرقام – مؤسسة هيرتدج فاونديشن – وول ستريت جورنال
كتاب: Myths, Lies, and Oil Wars
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}