يميل الكثير من الأشخاص لتكرار التجارب التي حققت ناجحاً سابقاً، في إطار السعي الدائم لتحقيق الإنجازات عبر استخدام الخبرات والمعارف الأكثر أماناً وموثوقية بناءً على الماضي.
لكن الواقع يصدم الكثيرين غالباً بفشل نفس الطرق التي منحتهم النجاح قبل ذلك، ما يحعل البعض في حيرة من أمره وسط تساؤل بارز: لماذا لا يمكن النجاح بنفس الوسيلة دائماً؟
مطرقة لإصلاح كل شيء
قانون الأداة أو مطرقة ماسلو أو المطرقة الذهبية، كلها مسميات تشير ببساطة إلى التوجه للاعتماد المفرط على أداة مألوفة بصرف النظر عن مدى ارتباطها بالأمر من عدمه.
وتعتبر مغالطة المطرقة الذهبية أحد التحيزات المعرفية الشهيرة، والتي قد تدفع البعض لاستخدام نفس الأداة بشكل متكرر في كل المواقف لمجرد أنها أثبتت نجاحاً في الماضي.
ويقول "أبراهام ماسلو" عالم النفس الأمريكي والذي تناول مغالطة قانون الأداة في عام 1966: "إذا كانت الأداة الوحيدة التي لديك هي المطرقة، فمن المغري للغاية أن تعامل كل شيء كما لو كان مسماراً".
بالطبع لا تعتبر المطرقة الأداة المناسبة لكل الأغراض الممكنة، لكن الشخص الذي لا يمتلك سواها من المرجح أن يحاول إصلاح كل شيء باستخدامها.
ورغم أن المطرقة قد تكون مطلوبة في بعض المهام، فإن فكرة استخدامها مراراً وتكراراً في كل الاستخدامات لمجرد أنها أثبتت نجاحاً قديماً قد تحول الإصلاح والنجاح المرجو إلى جعل الأمور أسوأ حالاً.
وتميل الطبيعة البشرية إلى استخدام ما نمتلكه ونعرف كيف نستخدمه جيداً، بدلاً من البحث عن خيارات أفضل ربما تكون أكثر ارتباطاً وتناسباً مع الغرض الأساسي.
وبالمثل، فإن الكثيرين ينظرون إلى الأمور من منظور شخصي ناتج عن تجاربهم أو اهتمامتهم، وهو ما يجعلهم أسرى لجانب واحد فحسب من المعادلة بدلاً من رؤية كل أبعاد الموقف.
كما يميل كثير من الناس إلى إعادة استخدام نفس الأسلوب أو الخطة الذي أثبتت نجاحاً في تجارب سابقة، بصرف النظر عما إذا كان ذلك مناسباً للوضع الحالي وبدون حتى السعي لاسكتشاف طرق جديدة للتعامل مع الحدث أو المشكلة الجديدة.
الأمر يبدو مبرراً من جهة علم النفس، حيث ذكر "دونالد أوه هب" في كتابه "تنظيم السلوك" أن في كل مرة تنشط فيها مجموعة من الخلايا العصبية معاً فإنها تصنع ما يمكن اعتباره نمطاً معيناً، وهذه الخلايا تميل لتشكيل نفس النمط في كل مرة تعمل فيها معاً.
ويجادل البعض بعبارة "لا تغير الفريق الفائز" من أجل التعبير عن أهمية استمرار التوجه الناجح سابقاً في التعامل مع المشكلات الجديدة، ويعبر هنا تعبير "الفريق الفائز" عن طريقة أو إطار عمل أو تقنية.
لكن الواقع يشير إلى أن ما تسبب في الفوز في بعض المواقف القديمة قد لا يؤدي لنفس النتائج في كل مرة، فالطريقة أو الاستراتيجية التي قد تُستخدم في حل مشكلة ما قد لا تكون مناسبة للتعامل مع أمور أخرى.
ومشكلة هذا التحيز هو أنه يقف عائقاً أمام الانفتاح على مزيد من الاحتمالات والحلول والطرق الممكنة، إنه يقلص نطاق رؤية الشخص للأمور وبالتبعية الحلول والوسائل الممكنة للتعامل معها.
الأداة الواحدة في الاستثمار والأعمال
رغم أن تحيز المطرقة الذهبية ينطبق بشكل أساسي على التعليم والبحث والمجالات العلمية بصفة خاصة، فإنه يبدو جلياً في اعتماد البعض أحياناً على نفس الطرق السابقة في نهج الاستثمار.
ويظهر تحيز قانون الأداة بشكل خاص في طريقة تصرف المستثمرين في سوق الأسهم، اعتماداً على خبرتهم وتجاربهم السابقة التي أثبتت نجاحاً في الماضي.
ويتجه كثير من المستثمرين للاعتماد على طرق أو استراتيجيات معينة في الوقت الذي يتجاهلون فيه وسائل أخرى ربما تكون مناسبة بشكل أكبر.
تخيل أن مستثمراً حقق نجاحاً سابقاً من خلال تفضيله استراتيجية استثمار القيمة، أي شراء سهم متداول بسعر يقل عن القيمة العادلة والاحتفاظ به لفترة قبل أن يبيعه مستفيداً من هذه الاستراتيجية الناجحة.
مع نجاح استراتيجية القيمة يقرر المستثمر الاستمرار في هذا النهج، لكنه يحقق أداءً متقلباً بين مكاسب جيدة في بعض الأوقات وخسائر في مناسبات أخرى.
المشكلة هي أن المستثمر أصبح أسيراً لهذه الاستراتيجية وحدها لأنها أثبتت نجاحاً سابقاً، وبالتالي يبتعد بإرادته عن طرق أخرى للربح مثل أسهم التوزيعات النقدية أو أسهم النمو وغيرها من الوسائل التي قد توفر له تنويعاً في الوسائل التي قد تصل به إلى الهدف نفسه وهو الربح.
بالطبع يعتبر استثمار القيمة استراتيجية جيدة وتمتلك تاريخاً من النجاح، لكنها ليست الطريقة الوحيدة للربح بل على العكس فإنها قد تشهد فترات طويلة من النتائج الضعيفة.
نفس الأمر يمكن أن نراه بالنسبة للمستثمرين الذين يعتمدون على استراتيجية الحركة المستمرة عبر عمليات شراء وبيع سريعة ويومية، لأن هذه الطريقة قد تكون مناسبة لأسهم معينة أو في بعض الأوقات لكنها أيضاً قد تفقدهم مكاسب كبيرة كان يمكن الحصول عليها إذا احتفظوا باستثمارات أخرى لفترة أطول.
وبالتالي من الضروري أن يمتلك المستثمر أدوات مختلفة واستراتيجيات متنوعة تناسب الوضع الراهن ومتطلباته ويمكنها تحسين أداء محفظته الاستثمارية، وليس الاعتماد على طريقة واحدة للوصول إلى الهدف.
وعلى جانب الشركات والأعمال، نجد أن بعض المؤسسات تواصل العمل عبر استراتيجية واحدة للبيع أو التسويق بصرف النظر عن طبيعة المنتج أو وضع السوق وغيرهما من المتغيرات.
كيف نتجاوز المعضلة؟
من الضروري معرفة أن الطريقة التي نجحت سابقاً قد لا تقدم نفس النتائج في كل مرة، كما أن ما يمكن استخدامه في وقت ما لا يمكن تكراره دائماً.
وبما أن الناس أعداء ما يجهلون ويميلون لتكرار أنماط السلوك الآمن، فإن الحل يكمن في الاتجاه لتعلم استراتيجيات وطرق جديدة بشكل مستمر؛ لتلافي الوقوع في براثن انحياز المعرفة.
ويعتقد عالم النفس "دونالد أوه هب" أن التعلم يعدل بنية وتشكيل الخلايا العصبية للمخ، وهو ما يكون قادراً على تجاوز عقبة الميل الطبيعي لاستخدام ما نعرف بدلاً من البحث عن الأفضل والأكثر فاعلية.
وإذا كانت طريقة أو استراتيجية ما عملت بشكل ناجح في تجارب سابقة، فإن ذلك لا يعني أنه في عالم اليوم الذي يشهد تعقيدات كبيرة يمكن لأداة واحدة أن تفعل كل شيء في كل الأوقات.
ويقول "سن تزو" في كتابه الشهير "فن الحرب" قبل 25 قرناً تقريباً: "لا تكرر التكتيك الذي فزت به سابقاً، ابتكر غيره أو عدله بطريقة غير متوقعة".
وبالتالي فإن تحقيق الفوز في مواقف مختلفة يحتاج لابتكار طرق واستراتيجيات متعددة تناسب الهدف والظروف المحيطة به، لكن الاعتماد على وسيلة واحدة في كل مرة قد يكون الطريق المضمون للفشل.
المصادر: أرقام – فسيولوجي توداي – جورنال أوف ثيروتك – فوربس
دراسة: The legacy of Donald O. Hebb: More than the Hebb Synapse
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}