رغم إشارات تعافي اقتصاد الصين من أزمة الوباء، فإن التعثر عن سداد الديون هذا العام يثير فزع المستثمرين كونه نابعا من الشركات المملوكة للدولة في الأغلب.
وفي حين تقترب حالات تخلف الشركات عن سداد الديون من تسجيل عام قياسي خلال 2020، لكنه في الواقع يثير نهج "عدم التسامح المطلق" مع سوء السلوك والاحتيال والانتهاكات الأخرى في سوق السندات لحماية المستثمرين.
ماذا يحدث في 2020؟
وبلغة الأرقام، تراجعت حالات التخلف عن سداد الديون في الصين بنحو 20% خلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2020 إلى 85.1 مليار يوان (13 مليار دولار)، طبقًا للبيانات التي جمعتها وكالة "بلومبرج".
لكن هذا الهبوط كان يرجع إلى حد كبير للتدابير ذات الصلة بالوباء والتي تم اتخاذها خلال النصف الأول من العام، حيث نجحت 12 شركة على الأقل في تخفيف الضغوط من خلال تأجيل موعد سداد المدفوعات أو مبادلة الديون بأخرى جديدة أو إلغاء عمليات سداد المدفوعات المبكرة.
ومع حقيقة أن الإجراءات قصيرة الآجل تنتهي في الغالب بنوع من "شراء الوقت" فقط بينما تظل مخاطر الائتمان قائمة، فإن حالات التخلف عن السداد عادت مجددًا في النصف الثاني من العام وسط تكهنات بتسجيل عام قياسي آخر من حالات التعثر عن السداد.
وكان عاما 2018 و2019 شهدا تسجيل عدد قياسي من حالات التعثر عن سداد السندات أغلبها للقطاع الخاص، إذ بلغت 122 مليار يوان و141.9 مليار يوان على الترتيب (التعثر في عام 2018 في حد ذاته يعادل أكثر من 4 أمثال المستوى المسجل في 2017).
ومع اقتراب عام 2020 من النهاية، توجد إشارات على أن الضغوط في القطاع الخاص وصلت للقاع، لكن على غير المألوف برزت سلسلة من حالات التخلف عن السداد بين الشركات الحكومية (والتي لطالما كانت تعتبر محصنة من مثل هذه المشاكل بسبب الدعم الضمني الذي تتلقاه من الدولة)؛ ما أدى لاهتزاز ثقة المستثمرين.
عدم التسامح المطلق
حذرت بكين من أنها ستتبع سياسة "عدم التسامح" مع سوء السلوك المالي، بالتزامن مع احتمالية تعرض شركة التعدين "يونغتشينغ" المملوكة للدولة هذا الأسبوع لعملية أخرى من التخلف عن سداد السندات، بعدما تعثرت عن سداد ديون بقيمة مليار يوان في وقت سابق من هذا الشهر، ملقية باللوم في ذلك على نقص السيولة.
وفي حقيقة الأمر، فإن السماح بتعثر الشركات المملوكة للدولة يظهر أن الصين ترغب في اتباع النهج القائم على نظام السوق لكن بطريقة منظمة.
وأقدمت هيئة مراقبة سوق السندات بين البنوك في الصين على التحقيق مع شركات الأوراق المالية والبنوك لاكتشاف ما إذا كان هناك احتمال ارتكاب مخالفات ذات الصلة بشأن بيع أكبر شركة للفحم في البلاد للسندات.
وأفادت لجنة التنمية والاستقرار المالي في الصين برئاسة نائب رئيس الوزراء "ليو هي" بأنه لن يكون هناك تسامح مع أيّ مخالفات أو إفصاحات مضللة.
"الاعتقاد السائد"
ويؤدي التعثر عن سداد المدفوعات الأخيرة بين صفوف الشركات الحكومية لزعزعة الاعتقاد السائد بأن الشركات المدعومة من الدولة تتمتع بالدعم من قبل الحكومة بغض النظر عن وضعها المالي.
وكان المستثمرون والبنوك يفضلون تاريخيًا المقترضين المدعومين من الدولة، لكنهم يترددون في تقديم الائتمان للشركات الخاصة صغيرة الحجم.
ومن بين الشركات الحكومية الأخرى التي تعثرت عن سداد الأوراق المالية المحلية شركة "تسيغاهوا يونيجروب"، وهي شركة كبرى لتصنيع الرقائق والتي فشلت في تمديد الموعد النهائي للسداد.
كما كان هناك حالة تعثر أخرى من جانب شركة "بريليانس أوتو"، وهي شركة لصناعة السيارات وتعمل على مشروع صيني مشترك مع شركة "بي إم دبليو".
وكتب الخبير الاقتصادي في الأسواق الصينية من "إيه إن زد" للأبحاث "تشاوبينج شينج" خلال مذكرة بحثية: "أثار تعثر يونغتشينغ مخاوف المستثمرين بشأن سوق سندات الشركات بالكامل، لأنه يغير الافتراض القائم منذ فترة طويلة بشأن ضمان حكومي ضمني لسندات الشركات المملوكة للدولة".
وبالرغم من ذلك، فإن معدل التخلف عن سداد الديون لأول مرة للشركات المملوكة للدولة أقل بكثير من 1% في الوقت الحالي، مقارنة مع معدل التخلف عن السداد البالغ 9% من قبل المؤسسات الخاصة، وفقًا لبيانات "إيه إن زد".
وكانت حالات التخلف عن السداد من قبل الشركات المدعومة من الحكومة في الصين نادرة مؤخرًا، لكن شهد شهر ديسمبر الماضي أول حالة تخلف عن سداد سندات دولارية في عقدين وذلك من جانب شركة "تيو جروب"، حيث قامت بإعادة هيكلة ديون بقيمة 1.25 مليار دولار، في صفقة غير مسبوقة تكبد خلالها معظم المستثمرين خسائر فادحة.
ومع ذلك، تمكنت بعض الشركات المثقلة بالديون من الصمود، حيث استطاعت شركة التطوير العقاري "تشيانا إيفرجراند جروب" من تأمين استثمارات بقيمة 4.6 مليار دولار من الشركات ذات الصلة بالدولة للمساعدة في تعزيز مواردها المالية.
هل تدخلت الحكومة؟
ومن جانبه، قدم البنك المركزي الصيني مئات المليارات من اليوانات في شكل قروض، كما أن المنظمين تعهدوا بتسريع الموافقات للشركات من أجل بيع "سندات مكافحة الوباء".
وقام بنك الشعب الصيني بخفض معدلات الفائدة للبنوك التجارية من أجل تشجيع المزيد من الإقراض.
وعلى مدى عامين مضيا، كان المسؤولون في الصين يضخون السيولة في الأسواق المالية عبر تدابير مثل خفض نسب الاحتياطي المطلوب من المصارف الاحتفاظ بها.
ومع ذلك، لا يزال صناع السياسة حريصون على تفادي تكوين فقاعة ديون أخرى مثل تلك التي ظهرت بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008.
وتبلغ قيمة سوق السندات الصيني في الداخل نحو 13 تريليون دولار، لتكون ثاني أكبر سوق للائتمان في العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن ديون الشركات نسبة للناتج المحلي الإجمالي قفزت لمستوى قياسي عند 160% في نهاية عام 2017، مقارنة مع 101% المسجلة قبل عشر سنوات مضت.
ومن جانبه، قال "تشانغ لي" الخبير في الشؤون الصينية في "ستاندرد آند بورز جلوبال" إن المزيد من حالات التخلف عن السداد تأتي مع إعادة تركيز السلطات الصينية جهودها على التخلص من المديونية في الشركات المملوكة للدولة الآن بعد انتهاء المرحلة الأسوأ من الوباء.
وكانت الصين في طريقها نحو تقليص المديونية مع ارتفاع الديون بشكل كبير في البلاد، لكنها توقفت بسبب تداعيات الوباء التي ألحقت الضرر بالمؤسسات.
المصادر: بلومبرج - فايننشال تايمز - سي إن بي سي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}