في يوليو الماضي أعلنت الحكومة البريطانية عزمها حظر معدات شبكات الجيل الخامس الخاصة بعملاق الاتصالات الصيني "هواوي"، وذلك في انتصار واضح لإدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" التي حاولت بشتى الطرق الضغط على رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" من أجل اتخاذ هذا القرار.
بهذه الخطوة تراجعت الحكومة البريطانية عن قرار سابق كان قد صدر في يناير من العام الجاري، يقضي باستخدام معدات "هواوي" في بناء شبكات الـ5G في البلاد ولكن في نطاق محدود. ومنذ ذلك الوقت واجه "بوريس جونسون" ضغوطًا كثيفة من الداخل والخارج على حد سواء بغية إقناعه باتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه بكين، وخصوصًا بعد أن فرضت الولايات المتحدة قيودًا إضافية على الشركة الصينية.
مخاوف حكومية وارتياح شعبي
حذر مسؤولون حكوميون بريطانيون من أن الحظر سيكبد البلاد تكاليف كبيرة حيث إن البدائل المتاحة أكثر تكلفة من "هواوي"، كما سيؤخر دخول شبكة الجيل الخامس في البلاد حيز التشغيل نحو عامين إضافيين، فضلًا عن أن التخلي عن الأجزاء الحالية من الشبكة التي توفرها "هواوي" من شأنه أن يؤثر على مرونة كفاءة الشبكة.
ولكن على مستوى الرأي العام، استقبل كثيرون في بريطانيا هذا القرار بارتياح كبير، لأنه كان هناك قلق واسع من العلاقات الوثيقة التي تربط "هواوي" بكل من الحزب الشيوعي الحاكم في الصين وكذلك الجيش الصيني، وهو ما يعني أن بكين قد تستغل بناءها لشبكات الجيل الخامس في إحداث ثغرات يمكن استخدامها لاحقًا في التجسس على بريطانيا أو حتى تعطيل الشبكة إن أرادت.
ولكن ما لا يدركه كثير من العامة هو أن تكلفة استبعاد "هواوي" كأحد الخيارات المتاحة لبناء شبكات الجيل الخامس باهظة، وذلك لأن بريطانيا وغيرها من الدول التي حظرت "هواوي" تترك نفسها فريسة لشركتين كبيرتين في الشمال الأوروبي، وهما "إريكسون" السويدية و"نوكيا" الفنلندية، وهذا الاحتكار الثنائي من شأنه أن يشكل خطرًا لا يقل عن خطر هواوي إلى جانب أنه يضر بالمنافسة والابتكار.
ولكن بعد مرور ما يقرب من 4 أشهر على صدور ذلك القرار، يبدو أن بريطانيا وجدت بديلًا لـ"هواوي" والثنائي الإسكندنافي باستطاعته تزويدها بمعدات الجيل الخامس. ففي بداية نوفمبر أعلنت شركة الاتصالات البريطانية "فودافون" عزمها استخدام تقنية تسمى "أوبن ران" (open RAN) مفتوحة المصدر من أجل استبدال بعض معدات الـ5G التي تصنعها "هواوي".
التقنية الواعدة
في عام 2018 عينت شركة الاتصالات اليابانية "راكتون موبايل" "طارق أمين" لديها من أجل العمل على تطوير تكنولوجيا يمكنها كسر الاحتكار الثلاثي الحالي على تكنولوجيا الجيل الخامس من قبل "هواوي" و"نوكيا" و"إريكسون". وعمل "طارق" مع مجموعة من الخبراء المهندسين على تطوير تكنولوجيا الـ"أوبن ران" مفتوحة المصدر.
بمرور الوقت يبدو أن الزخم الذي تكتسبه "أوبن ران" يزداد أكثر فأكثر. ففي نهاية سبتمبر الماضي أطلقت "راكوتن موبايل" أول شبكة "5G" في العالم معتمدة على تقنية "أوبن ران"، مما وفر للشركة اليابانية نحو 40% من استثماراتها المخصصة لشبكات الجيل الخامس.
في سبتمبر تعاونت "راكوتن" مع شركة الاتصالات الإسبانية "تيليفونيكا" التي تمتلك أكثر من 260 مليون مشترك في أوروبا وأمريكا اللاتينية من أجل نشر تقنية "أوبن ران" الخاصة بشبكات الجيل الخامس على نطاق واسع في شبكاتها بحلول عام 2025. وفي الولايات المتحدة تتجه شركة الاتصالات "ديش نتورك" للاعتماد على ذات التكنولوجيا.
ورغم ذلك لا تزال تقنية "أوبن ران" تعاني مشاكل كثيرة، ربما أبرزها هو أن سلسلة التوريد الخاصة بها لم يتم اختبارها بعد، ولذلك هناك احتمال بأن تواجه اختناقات كبيرة إذا ارتفع الطلب فجأة عليها من مشغلي شبكات الهاتف المحمول. أما المشكلة الأخرى فهي أنه على الرغم من انتشارها في المناطق الحضرية في اليابان، يخشى الخبراء من ألا تعمل هذه التكنولوجيا بشكل جيد في المدن المكتظة بالسكان.
تقدم حذر
يرغب معظم شركات الاتصالات بما في ذلك "فودافون" في اختبار شبكة "أوبن ران" في المناطق الريفية أولًا. إلى جانب ذلك، يبرز تحدٍّ آخر مهم وهو أنه لا تزال هناك صعوبة في دمج العديد من المنتجات المختلفة المكونة لشبكة "أوبن ران". وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا تقلل من التهديد الأمني المحتمل من الصين، إلا أن صعوبة الدمج بين مكوناتها يترك ثغرات خطيرة للقراصنة.
بعد قرار الحظر الذي اتخذته بريطانيا في يوليو الماضي، قال "روبرت بلير" وهو مسؤول كبير بوزارة التجارة الأمريكية وكبير مستشاري الاتصالات السلكية واللاسلكية السابق في البيت الأبيض خلال اجتماع عقده مجلس العلاقات الخارجية: "لقد حققنا انتصارًا كبيرًا بقرار بريطانيا".
لكن رغم ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الخطوات التي تتخذها كل من بريطانيا والولايات المتحدة ستحقق أهدافهما بشأن محاصرة "هواوي" ومنعها من السيطرة على أغلب شبكات الجيل الخامس حول العالم. ففي آسيا مثلًا تمتلك الشركة الصينية نفوذًا لا تستطيع واشنطن أو غيرها منازعتها فيه، وهذا يعني أن كل الاتصالات وعمليات نقل البيانات في القارة الآسوية ستتحرك عبر شبكات صينية.
المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – فاينشنشيال تايمز – بلومبرج
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}