نبض أرقام
01:14
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

هل انتهت العلاقة التاريخية بين المعروض النقدي والتضخم للأبد؟

2020/12/04 أرقام - خاص

معضلة جديدة تفرض نفسها على الساحة العالمية في السنوات الماضية تتمثل في بقاء مستويات التضخم دون المستهدف على الرغم من سياسة طباعة الأموال التي انتعشت في أزمتي 2008 و2020.

 

وأكد ضعف المستوى العام للأسعار في الاقتصادات الكبرى خلال أزمة وباء "كوفيد-19" وتداعياتها وجهة نظر البعض بأن العلاقة القديمة بين المعروض النقدي والتضخم ربما لم تعد صالحة للاستخدام.

 

 

النظرية الكمية للنقود

 

تشير هذه النظرية إلى أن القيمة التبادلية للنقود يتم تحديدها مثل أي سلعة عبر عاملي الطلب والعرض، فالتضخم قد يحدث في حال نمو المعروض النقدي بوتيرة تتجاوز معدل صعود الإنتاج.

 

المعروض النقدي يتم التعبير عنه بأكثر من مؤشر وكلها تحمل الحرف "إم"، لكن أكثرها استخدامًا هو "إم 2" والذي يعبر عن إجمالي النقد والودائع الجارية والادخارية والأوراق المالية قصيرة الأجل، أو باختصار النقود وأشباهها التي يمكن أن تتحول بسرعة لسيولة متداولة.

 

وتشير النظرية التي طورها "ميلتون فريدمان" إلى أن ارتفاع وانكماش الأسعار يحدثان بسبب زيادة أو هبوط المعروض النقدي، ما يعني أن الأسعار تميل إلى الارتفاع بوتيرة أعلى مع وجود كميات أكبر من النقود المتداولة في المعاملات الاقتصادية.

 

وبحسب النظرية، إذا زادت كميات النقود الموجودة في الاقتصاد بوتيرة محددة فإن مستويات الأسعار سوف ترتفع بنفس الوتيرة، والعكس صحيح.

 

ترى هذه النظرية أن الأسعار سترتفع في حال صعود وتيرة النقود المتداولة لأن حينها سيكون الوضع عبارة عن "الكثير من النقود يلاحق عدداً أقل من السلع والخدمات" بحسب وصف "فريدمان"، ما سيؤدي إلى رفع مستويات الأسعار.

 

كالعادة، لم يتفق كل الاقتصاديين على صحة هذه النظرية؛ حيث رفض أتباع النظرية الكينزية في الاقتصاد تفسيرات النظرية الكمية للنقود حيال تسارع التضخم أو انكماش الأسعار.

 

ويرى المعارضون أن التضخم يحدث بسبب أحد العاملين: تضخم مدفوع بالطلب المتزايد من قبل المستهلكين على السلع، أو زيادة التكاليف الخاصة بمدخلات العملية الإنتاجية.

 

لم تستبعد هذه الآراء المخالفة تأثير المعروض النقدي على التضخم، لكنها اعتبرته واحدًا من عدة عوامل مؤثرة في تسارع أو تراجع المستوى العام للأسعار.

 

كثير من الأموال وقليل من التضخم

 

عانت الاقتصادات المتقدمة في السنوات الأخيرة من تباطؤ حاد لمستويات التضخم والتي تراجعت دون المستهدف من قبل البنوك المركزية، رغم طباعة النقود بشكل هستيري لتحفيز الاقتصادات ودفع التضخم للهدف.

 

ومنذ أزمة الركود الكبير في عام 2009، تراجعت العلاقة بين المعروض النقدي والتضخم في الاقتصادات الكبرى التي شهدت ضخ تريليونات الدولارات في الأسواق بدون ظهور إشارات على صعود المستوى العام للأسعار.

 

ومع ظهور أزمة وباء "كورونا"، عادت البنوك المركزية لسياسة إغراق الأسواق بالأموال رخيصة التكلفة مع السعي لدعم الأفراد والشركات وتعزيز تعافي الاقتصاد المتضرر من تراجع جانبي العرض والطلب.

 

ويسجل المعروض النقدي في الولايات المتحدة "إم 2" نمواً سنوياً بنحو 24%، وهو مستوى غير مسبوق بالنظر إلى أنه لم يسبق له تجاوز حاجز 15% قبل هذا العام.

 

 

وشهد المعروض النقدي في الولايات المتحدة زيادة من 15.3 تريليون دولار في نهاية عام 2019 ليصل إلى 18.6 تريليون في نهاية سبتمبر الماضي.

 

ورغم ذلك، شهد مؤشر أسعار المستهلكين انكماشًا في ثلاثة أشهر متتالية في مارس وأبريل ومايو، قبل أن يتحول للنطاق الموجب لكنه لايزال يقف عند 0.2% في سبتمبر.

 

وفي منطقة اليورو، نما المعروض النقدي بنسبة 10.4% في سبتمبر الماضي مع إقرار المركزي الأوروبي برامج إضافية لمشتريات الأصول والإقراض الرخيص للبنوك التجارية، ومع ذلك لا يزال التضخم السنوي في النطاق السالب مسجلاً مستوى قياسيًا متدنيًا عند -0.3%.

 

لماذا اختفى الترابط؟

 

يحتاج أي اقتصاد لوجود قدر معين من الارتفاع في الأسعار، ما يقدم دوافع للمنتجين للاستمرار في تقديم منتجاتهم من ناحية، ويدفع المستهلكين للشراء خوفًا من حدوث ارتفاع مستقبلي في الأسعار يقلص قدرتهم الشرائية من جانب آخر.

 

وكما يحتاج أي اقتصاد لقدر مقبول من زيادة الأسعار، فإنه قد يشهد تدميراً حقيقياً إذا كان هذا الصعود كبيراً وسريعاً بدرجة يصفها الاقتصاديون بـ"التضخم الجامح".

 

لكن الكثير من الاقتصاديين يعتقدون حالياً أن العلاقة بين المعروض النقدي والتضخم انتهت بالفعل مع تعقد النظام المصرفي والمالي في السنوات الأخيرة.

 

ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه عندما يقرر البنك المركزي ضخ سيولة أو طباعة نقود فإن الأمر قد لا يكون مماثلاً لما قد يتخيله الكثيرون.

 

 

فمعظم الأموال التي يتم إعلان ضخها لا تكون في شكل عملات ورقية فعلية، وإنما عبارة عن نقود إلكترونية، بمعنى زيادة في خانات الالتزامات والأصول في البنوك التجارية.

 

وبالفعل، ارتفعت عمليات طباعة النقود في شكلها الإلكتروني وصعدت الميزانيات العمومية للبنوك المركزية لمستويات غير مسبوقة تاريخياً، لكن معظم هذه الأموال استقرت داخل النظام المصرفي ولم تغادره.

 

ومن أجل تحقق العلاقة بين نمو المعروض النقدي وتسارع التضخم، فإن هذه الأموال الإضافية بحاجة للتحول إلى زيادة في عمليات إقراض المصارف وبالتبعية صعود الإنفاق.

 

والواقع أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فنظرية أخرى تقدم سبباً إضافياً لبقاء التضخم خافتاً رغم الوتيرة القياسية لطباعة النقود وهي "سرعة دوران النقود".

 

ويعني هذا المؤشر معدل تبادل النقود في الاقتصاد، وعندما تزيد سرعة دوران النقود فإن ذلك يمثل دليلاً على قوة الاقتصاد مع إنفاق الشركات والمستهلكين للأموال بقوة.

 

 

لكن في أوقات الأزمات الاقتصادية، يتراجع معدل دوران النقود لأن الأعمال والأسر تميلان إلى الحذر وتفضيل ادخار جانب أكبر من الدخل استعداداً للأسوأ.

 

نفس الأمر قد ينتج عن التغيرات الديموغرافية، فمع ارتفاع أعمار السكان في كثير من الاقتصادات الكبرى فإن الرغبة في الادخار تزيد في الوقت الذي تتراجع فيه أوجه الإنفاق.

 

وبالتالي فإن طباعة النقود وزيادة المعروض من الأموال قد لا تكفي لدفع التضخم للتسارع إذا لم تكن الشركات والمستهلكين على استعداد لزيادة الإنفاق، فحينها ستستقر هذه النقود بدون استخدام.

 

هل انتهى خطر التضخم؟

 

الواقع أنه على الرغم من معظم الآراء التي ترى انتهاء العلاقة التاريخية بين المعروض النقدي والتضخم، فإن التحذيرات والمخاوف آخذة في التسارع مؤخراً بشأن احتمالية صعود مفاجئ للأسعار.

 

ويحذر عدد من كبار المستثمرين حول العالم مثل "راي داليو" مؤسس صندوق "بريدج ووتر أسوشيتس" والمستثمر الشهير "بول تودرو جونز" من أن عصر التضخم الخافت ربما يتجه إلى النهاية وسط الزيادة غير المسبوقة في المعروض النقدي.

 

وفي مايو الماضي، قال "تودور" إن قلقه بشأن احتمالات ارتفاع معدل التضخم وهبوط قيمة الدولار في الفترة المقبلة دفعه للاستثمار في الذهب وعملة البيتكوين المشفرة.

 

 

ويعتقد كبير محللي الأسهم في مورجان ستانلي "مايك ويلسون" أن خطر ارتفاع التضخم ربما يكون أكبر من أي وقت مضى، وفي حين لم يظهر ذلك في معدلات الفائدة النهائية حتى الآن، فإن التحركات الحادة في توقعات التضخم لسوق السندات والمعادن الثمينة تشير إلى تكهنات بشأن تسارع التضخم.

 

لكن على الجانب الآخر، يجادل الرافضون لاحتمالات تسارع التضخم قريباً بأن الكثير من المتابعين كانوا يعتقدون أيضاً في عام 2008 أن قرارات البنوك المركزية ستدفع الأسعار للصعود بقوة، وهو ما لم يحدث آنذاك.

 

ومع وجود العوامل الهيكلية العميقة التي كبحت التضخم سابقاً مثل ارتفاع أعمار السكان ومستويات الديون الكبيرة التي قيدت الطلب الكلي، فإن الضغوط الهبوطية على الأسعار ربما تستمر لفترة طويلة.

 

وبالتبعية، فإن البنوك المركزية قد تمتلك مساحة غير محدودة لاستخدام سياسات تحفيزية بدون القلق من خطر التضخم الجامح، بل أن تحقيق المستهدف البالغ 2% قد يمثل مهمة صعبة.

 

 

 

المصادر: أرقام – بنك الاحتياطي الفيدرالي - الفيدرالي في سانت لويس – سي إن بي سي - فوربس

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة