شهد سوق الأسهم في الولايات المتحدة الأمريكية في السبعينيات حالة من الفوضى، حيث فقدت الأسهم نحو 50% من قيمتها خلال 20 شهرًا، وبسبب ذلك فقد الأشخاص ثقتهم في سوق الأسهم، وامتنعوا عن التعامل بالأسهم لمدة عقد، مما تسبب في ضعف النمو الاقتصادي، وزيادة معدل البطالة.
وقد تسببت سياسة الائتمان الميسر التي طبقها البنك المركزي الأمريكي في الأساس لتقليل معدلات البطالة في أوائل السبعينيات، في ارتفاع التضخم، وقام البنك حينذاك برفع أسعار الفائدة إلى نحو 20%، وهي نسبة عالية بالنسبة لقطاعات مثل قطاع الإسكان والسيارات، مما تسبب في ارتفاع أسعار السيارات والعقارات، وأصبح العديد من الأشخاص غير قادرين على شراء سيارات أو منازل جديدة.
الخسائر المترتبة على ارتفاع أسعار الفائدة
- بدأ التضخم الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عام 1972، ولم ينتهِ سوى في أوائل الثمانينيات، ويصف الاقتصادي الأمريكي جيرمي سيجل هذه الفترة في كتابه "الأسهم على المدى الطويل"، باعتبارها أكبر فشل لسياسة الاقتصاد الكلي الأمريكي في فترة ما بعد الحرب.
- في حين أرجع كثيرون أسباب حدوث التضخم الكبير إلى ارتفاع أسعار النفط، والمضاربين بالعملات، ورجال الأعمال وقادة النقابات الجشعين إلا أن السياسات النقدية التي طُبقت بغرض تمويل العجز الهائل في الميزانية، وبدعم من القادة السياسيين، كانت هي السبب في حدوث هذا التضخم.
- قد تسبب التضخم الكبير والركود الذي أعقب ذلك، في تدمير الكثير من الشركات، والإضرار بمصالح العديد من الأشخاص، لدرجة أن جون كونلي وزير الخزانة الذي عينه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، أعلن إفلاسه لاحقًا.
- قبل هذه الأوقات العصيبة التي شهدها الاقتصاد الأمريكي، كانت تسود فترة بدا فيها الاقتصاد مزدهرًا، مما أشعر الشعب الأمريكي بالراحة بعد أن انخفضت نسبة البطالة مؤقتًا، وشهد الاقتصاد نموًا قويًا في عام 1972، مما جعل الأمريكيين يعيدون انتخاب نيكسون.
كيف حدث التضخم الكبير ولماذا؟
- ورث نيكسون منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969، ركودًا اقتصاديًا من سلفه ليندون جونسون، الذي أنفق أموالاً طائلة على تمويل حرب فيتنام، وعلى الرعاية الاجتماعية.
واصل نيكسون من بعده الإنفاق على الحرب، كما وافق الكونجرس عام 1972 على زيادة الإنفاق بشكل كبير على الضمان الاجتماعي قبل الانتخابات.
- ورغم أن نيكسون جاء إلى منصبه باعتباره يمثل التيار المحافظ، إلا أن أحد مستشاريه وصف أعضاء حكومته فيما بعد بأنهم كانوا"محافظين بأفكار ليبرالية"، وخلال هذه الفترة كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من العجز في الميزانية، ورغم ذلك أعلن نيكسون أنه كينزي، يعني ذلك أنه يتبع النظرية الكينزية في الاقتصاد، نسبة إلى الخبير الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز، الذي كان مؤثرًا خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
- قام نيكسون أيضًا بفرض ضوابط على الأجور والأسعار عام 1971، وقد نجح هذا الأمر خلال العام التالي الذي شهد فترة الانتخابات الأمريكية، لكن بمجرد رفع هذه الضوابط على الأجور والأسعار لاحقًا، انهارت الكثير من الشركات، وبدأ الاقتصاد الأمريكي في الانهيار، وقد أثار العجز في الميزانية قلق مالكي الدولارات في الخارج على أموالهم، وقد ثبت فيما بعد أنهم كانوا محقين.
- ألغى نيكسون في عام 1971 ارتباط الذهب بالدولار، وتحول الدولار بذلك إلى عملة ورقية، وانخفضت قيمته، مما سبب خسائر لملايين الأجانب بمن فيهم أقطاب النفط في الشرق الأوسط.
فوز نيكسون بالانتخابات
- لم يكن يشغل نيكسون رغم كل ما سبق مالكي الدولارات أو العجز في الميزانية أو التضخم حتى، لكنه كان يخشى خسارة الانتخابات، لذلك رغب في تحقيق ازدهار اقتصادي حتى يعيد الشعب انتخابه، وكانت طريقته لتحقيق ذلك تتمثل في الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة.
- أقال نيكسون رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي ويليام ماكيسني مارتن، وعين بدلاً منه المستشار الرئاسي آرثر بيرنز عام 1970. ورغم أنه من المفترض أن يكون دور الاحتياطي الفيدرالي اتباع السياسات المالية التي تعزز النمو دون حدوث تضخم مفرط، إلا أن بيرنز سرعان ما فهم أنه مطلوب منه القيام بدور سياسي.
- أراد نيكسون خفض أسعار الفائدة، بما يعزز النمو على المدى القصير، ويجعل الاقتصاد يبدو قويًا، لتذهب أصوات الناخبين لصالحه، ولذلك ضغط على بيرنز بكل الطرق في سبيل تحقيق ذلك، حيث يذكر ويليام جريدر في كتابه "أسرار المعبد: كيف يدير الاحتياطي الفيدرالي الدولة" أن نيكسون قال: "سوف نتحمل التضخم إذا لزم الأمر، لكن لا يمكننا تحمل البطالة".
- نجحت سياسة بيرنز في خفض أسعار الفائدة على المدى القصير، ونجح نيكسون في 49 ولاية من بين 50 ولاية. لكن على الجانب الآخر ارتفع التضخم بشكل كبير، ففي عام 1973 تضاعف التضخم بنسبة 8.8%، وبحلول عام 1980 بلغ معدل التضخم 14%، واحتاجت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بعض الوقت لينخفض معدل التضخم مرة أخرى، فتم تعيين رئيس آخر للاحتياطي الفيدرالي.
المصدر: إنفيستوبيديا
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}