نبض أرقام
08:32 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/03
2024/11/02

دون أن ينتبه أحد .. كيف تمكنت واحدة من أكبر الشركات المالية الأمريكية من خداع المساهمين؟

2021/03/26 أرقام - خاص

في مارس من عام 2008، أشار تقرير فني مستقل تم إعداده بناءً على طلب من وزارة العدل الأمريكية إلى أن شركة الخدمات المحاسبية الشهيرة "كيه بي إم جي" شاركت في أنشطة الاحتيال التي تورطت فيها شركة الرهون العقارية الأمريكية "نيو سينشري فاينانشيال كروب" أو على الأقل كانت على علم بها ولم تفعل شيئًا حيالها.

 

 

قبلها بنحو عام، وتحديدًا في أبريل 2007 تقدمت "نيو سينشري" التي كانت في وقت من الأوقات ثاني أكبر شركة رهون عقارية في الولايات المتحدة إلى المحكمة بطلب لحمايتها من الإفلاس، بعد أن تدهورت أعمالها عقب اكتشاف تورطها في الكثير من الأخطاء المحاسبية والمالية.

 

خطوة مريبة

 

في أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بدأت بوادر أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة تلوح في الأفق، مع تزايد عدد الشركات التي فشلت في إنشاء احتياطيات كافية لتغطية أثر القروض المعدومة الآخذة في التزايد بوتيرة متسارعة، مما دفع بعضها إلى محاولة إخفاء خسائرها عن المستثمرين.

 

وجاءت الزيادة السريعة التي شهدتها قيمة القروض المعدومة في ذلك الوقت كنتيجة لتساهل تلك الشركات في توفير الائتمان لكافة الأفراد تقريبًا دون الانتباه ولو قليلًا لجدارتهم الائتمانية أو لصحة الأوراق والإثباتات المقدمة من قبلهم. وفي هذه الأجواء، كان من الطبيعي أن يعمد المقرضون العقاريون إلى زيادة قيمة الاحتياطي المخصص لتغطية أثر القروض المعدومة.

 

 

لكن في أواخر عام 2006 تحدت شركة "نيو سينشري" المنطق تمامًا حين أقدمت والسوق على هذه الحال إلى تقليل مخصصاتها لخسائر القروض المعدومة، وذلك في نفس الوقت الذي تتزايد فيه قيمة هذه القروض السيئة داخل محفظة الشركة. خفضت الشركة هذه المخصصات من 210 ملايين دولار إلى 191 مليون دولار.

 

كان الدافع الرئيسي وراء إقدام الشركة على هذه الخطوة الغريبة، هو محاولة إظهار أرباح الشركة بشكل أفضل مما هي عليه بالواقع. فقد ساهم تلاعب الشركة ببياناتها على هذا النحو في رفع قيمة ربحية السهم المبلغ عنها بنسبة 58% من 0.47 دولار لكل سهم إلى 1.12 دولار.

 

ولأنها تدرك جيدًا عدم منطقية تلك الخطوة، وأنها على الأرجح ستكون مثيرة للشبهات قامت الشركة بالتلاعب في طريقة عرض قيمة مخصصات القروض المعدومة في بياناتها المالية لكي تبدو وكأنها زادت ولم تقل.

 

تنظر إليها ولا تراها

 

كانت "نيو سينشري" معتادة في السابق على عرض مخصصات القروض المعدومة في بياناتها المالية كبند قائم بذاته، ولكنها قررت في سبتمبر 2006 دمج هذا البند مع بند آخر (مخصصات العقارات المملوكة) لتقدم الاثنين معًا كوحدة واحدة.

 

من خلال جمع بين الاحتياطيين كانت "نيو سينشري" قادرة على الإشارة في بياناتها المالية إلى أن احتياطياتها ارتفعت من 236.5 مليون دولار في يونيو 2006 إلى 239.4 مليون دولار في سبتمبر 2006، وهكذا لم ينتبه أغلب المستثمرين لحقيقة أن الاحتياطي الأهم أو المخفي وهو احتياطي القروض المعدومة انخفض في الواقع بسببب تسارع وتيرة القروض المعدومة التي اضطرت الشركة لتغطيتها، وعدم تحقيق الشركة للأرباح الكافية التي تجعلها قادرة على إعادة تعبئة الاحتياطي.

 

 

من خلال تغيير طريقة عرض أحد البنود الرئيسية في البيانات المالية للشركة، تمكنت "نيو سينشري" من خداع جمهور المستثمرين وتضليلهم بخصوص حقيقة موقفها المالي الآخذ في التدهور في ظل ارتفاع عدد المقترضين غير القادرين على سداد القروض التي حصلوا عليها من الشركة.

 

بحركة واحدة، كانت "نيو سينشري" قادرة على إيهام المستثمرين بأن مخصصاتها للقروض المعدومة زادت ولم تنقص، وأن جودة أصولها لم تتدهور، وأن أرباحها قد تحسنت.

 

هذه المهزلة المحاسبية كانت قادرة على شراء بعض الوقت للشركة، قبل أن ينهار كل شيء في النهاية وتضطر الشركة بعدة أشهر وتحديدًا في أبريل 2007 إلى التقدم بطلب لحمايتها من الإفلاس. انهار السهم وضاعت أموال المستثمرين، باستثناء أولئك الذين تمكنوا من القفز من السفينة قبل فوات الآوان، وهم من لاحظوا حركة الدمج المشبوهة.

 

 

قبل يوم من واحد من إصدارها لنتائجها الخاصة بالربع الأخير من عام 2006، أعلنت "نيو سينشري" في أوائل فبراير 2007 عزمها تعديل بياناتها الخاصة بالأرباع الثلاثة السابقة، لينخفض سهم الشركة على الفور بنسبة 40% قبل أن تضطر بعد شهرين إلى التقدم بطلب لحمايتها من الإفلاس.

 

في ديسمبر 2009، اتهمت لجنة الأوراق المالية والبورصات ثلاثة من المديرين التنفيذيين السابقين في "نيو سينشري" بالاحتيال وتضليل المستثمرين عبر التلاعب بالبيانات المالية للشركة بغرض خداعهم وإيهامهم بأن أعمالها ليست في خطر وأن الوضع المالي للشركة أفضل من أقرانها.

 

ما الذي يميز طريقة عمل البنوك؟

 

تعد الأصول المالية (مثل القروض والاستثمارات والأوراق المالية) مصادر دخل مهمة بالنسبة للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى. لذلك يجب أن يكون تقييم جودة ومتانة هذه الأصول جزءًا رئيسيًا في العملية التي يسعى من خلالها المستثمر لفهم الأداء التشغيلي المستقبلي لهذه الكيانات.

 

على سبيل المثال، من المهم جدًا أن ينظر المستثمر إلى المحفظة الاستثمارية الخاصة بالبنك لكي يقف على ما إذا كانت تتكون من أوراق مالية عالية بالمخاطر أو غير سائلة، أو بها قروض خاصة بجهات أو أفراد ضعيفي الملاءة المالية.

 

 

تخيل مثلًا أنك تفكر في الاستثمار في قطاع البنوك، ويوجد أمامك بنكان متطابقان في كل شيء تقريبًا باستثناء تكوين محفظة القروض الخاصة بكل منهما. البنك الأول، تتضمن محفظته قروضاً موجهة نحو مقرضين ضعيفي الملاءة المالية فشل 20% منهم في الدفع في الوقت المحدد، بينما تتكون محفظة البنك الثاني من محفظة قروض لمستثمرين مؤسساتيين لم يفشل سوى 2% منهم في الدفع.

 

لا تحتاج لأن تكون خبيرًا مصرفيًا لكي تدرك أن الأداء التشغيلي للبنك الثاني سيكون أكثر استقرارًا من الأول الذي يبدو أنه في مشكلة كبيرة، هناك مقاييس كثيرة في البيانات المالية للشركة قد تساعد المستثمر في هذا الإطار، ولكن في نفس الوقت يظل باستطاعة الإدارات عديمة الضمير التلاعب ببعض البيانات لكي يبدو الوضع المالي للشركة أفضل مما هو عليه في الواقع، كما في حالة "نيو سينشري".

 

 

المصادر: أرقام – نيويورك تايمز – رويترز – لجنة الأوراق المالية والبورصات

كتاب: Financial Shenanigans

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.