يبدو أنه لا يوجد شيء قائم في هذا العالم إلا وأثقلته الجائحة بالأعباء وهزت أركانه معلنة بدء حقبة جديدة من التحولات الجوهرية، فعلى غرار القطاعات التجارية والصناعية والترفيهية التي تضررت أعمالها جراء الخوف وضعف الحركة والطلب، كان التعليم ضحية رئيسية أخرى.
في الحقيقة، تشهد المؤسسات التعليمية، خاصة في مرحلة التعليم العالي، ضغوطًا هائلة مع تراجع عمليات الالتحاق، وتجاوز المصروفات للإيرادات، حتى أن الكثير من الجامعات الغربية الشهيرة لجأت إلى الوقف الخيري الخاص بها لتغطية العجز.
ولعل ذلك يفسر التقارير التي أشارت إلى توجه جامعات شهيرة مثل "هارفارد" و"يل" إلى استثمار جزء من ثرواتها في العملات الرقمية، مع نية للاحتفاظ بهذه الحيازات لفترة طويلة، في مغامرة تهدف إلى تحقيق أرباح كبيرة وسريعة من سوق شديد التقلب.
في ظل الجائحة، والمخاوف المرتبطة بها، اضطرت الجامعات إلى إرجاء الدراسة أكثر من مرة ونقلها إلى الصفوف الافتراضية، وهذا لا شك أثر على خطط تحصيل الرسوم، كما أثر سلبًا على توقعات الطلاب تجاه العملية التعليمية، ما أثر بالضرورة على عمليات التسجيل للفصول الدراسية.
شهد الخريف الماضي انخفاضًا حادًا لأول مرة في معدل الالتحاق بالجامعات في أمريكا، حيث تراجع التسجيل في الجامعات العامة بنسبة 10% وبنسبة 8% في الجامعات الخاصة غير الهادفة للربح، وهو ما أثر سلبًا على مصادر الدخل.
تدهور وتحول
- يشير تحليل أجرته "ماكنزي آند كومباني" لأبحاث السوق إلى أنه قبل أي تدخل حكومي أو مجتمعي، ربما تعاني 57% من المؤسسات التعليمية العامة و77% من المؤسسات الخاصة غير الهادفة للربح في أمريكا من عجز بأكثر من 5%، في ظل انخفاض الرسوم الدراسية والإيرادات الإضافية.
- كل هذه الضغوط والمخاوف، تدفع المؤسسات التعليمية العليا إلى البحث عن معادلة لتحقيق التحول الملائم والذي يناسب العصر ويضعها في موقع قوة لمواجهة تحديات مثل التي فرضها الوباء، خاصة في ظل توقعات بألا يعود التعليم إلى ما كان عليه قبل كورونا، وتراجع التبرعات.
- تقول "ماكنزي" في تحليلها إن نهج التحول الذي يمكّن المؤسسات من العمل بمزيد من المرونة على المدى الطويل، سيساعدها على الخروج بأساس أقوى من تحديات اليوم والاستعداد لتحديات المستقبل، مضيفة أنه غالبًا ما يؤدي التحول الحقيقي إلى تحسين الفائض التشغيلي بنسبة 20% أو أكثر.
- لكن مثل هذا التحول يتطلب برنامجًا مكثفًا على مستوى العمليات يركز على تحسين نتائج الطلاب وتعزيز الصحة التنظيمية والأداء، وخلصت الشركة في تحليلها إلى 5 سمات مشتركة لأنجح جهود التحول، والتي رغم إدراك التنفيذيين لأهميتها فإن تطبيقها كان متباينًا.
سمات التحول الصحيح
- أولًا: ضمان مشاركة القيادة ودعمها بالسلطة الكافية لدفع المنظمة للوصول إلى إمكاناتها الكاملة، حيث إن أفضل مؤشر لنجاح التحول هو القيادة المستعدة لتبني مناهج جديدة ومبتكرة، والتي تدرك أهمية الأداء المؤسسي، وتكون مستعدة للخطوات الكبرى بدلاً من التدريجية.
- ثم يأتي دور القيادة بعد ذلك في تطوير خطة طموح ووضع رؤية لمستقبل المنظمة وتأطير جميع المحادثات مع الفريق، وإنشاء نظام مؤسسي قائم على البيانات، وتقييم الأداء التشغيلي والثقافي لاكتشاف الفرص وتحديد الأهداف، وتنشيط جميع المستويات في المنظمة لتبادل الأفكار حول التغييرات المبتكرة.
- ثانيًا: التأكد من إعطاء مجلس الإدارة الأولوية للتحول، حيث يعد دعم المجلس والتزامه جزءًا لا يتجزأ من نجاح عملية التحول. فقد شجعت الجائحة والضغوط المالية والمجتمعية المرتبطة مجالس أكبر المؤسسات على تحديد الاتجاه الاستراتيجي ودفع القادة نحو تغييرات جوهرية ومستدامة تضمن الاستقرار المالي والمرونة.
- من الضروري الاستفادة من الدور الاستشاري للمجلس وتوظيفه لدفع قيادات الجامعة نحو تعديل الوضع الراهن، واستخدامه كذلك في بناء نظام مساءلة موثوق، والتأكد من أنه يركز على اتجاهات التعليم العالي الحديثة.
- ثالثًا: ترجمة النتائج المالية إلى رسالة تتبناها المؤسسة عند تحديد أهداف التحول. ولتحقيق أفضل النتائج المرتبطة بأعضاء هيئة التدريس والموظفين وحتى الطلاب والمجتمع الأوسع، يستدعي أن تكون المؤسسة التعليمية مستدامة وفعالة من الناحية المالية.
- إن الربط بين الأهداف المالية ورسالة المؤسسة بمثابة دعوة حشد قوية لدعم التغيير، ويقصد بذلك مشاركة الجميع تأثير الجامعة ونجاحها في المجالات المختلفة، وتسليط الضوء على الأحداث المؤثرة ذات الصلة المالية مثل تأمين تمويل إضافي للبحوث.
- رابعًا: تبني نهج شامل في النمو والكفاءات، فمثلًا، استجابت العديد من الجامعات للوباء بخفض التكاليف لتحسين آفاقها المالية، ورغم أنه كان ضروريًا، فغالبًا ما يؤثر ذلك سلبًا على معنويات الموظفين، وربما نتائج الطلاب.
- النمو الاستراتيجي يساعد في توفير الإلهام للمجتمع، وتوسيع أثر رسالة المؤسسة، وإنشاء جامعة أكثر مرونة من الناحية المالية، ويتطلب ذلك مراجعة نتائج الطلاب والأنشطة المدرة للدخل والتشغيل، والتأكد من أن الرسائل الموجهة إلى المجتمع تركز على طموحات النمو والكفاءة معًا.
- خامسًا: تقوية الأساس اللازم للتغيير، حيث اعتمدت أغلب المؤسسات على الجهود قصيرة المدى للنجاة من أزمة كورونا، لكنها لن تغير مسارها طويل المدى، في حين أن التحول الفعال يبني القدرة على التغيير المستمر والتحسن المتواصل وليس فقد تغييرات قصيرة.
- يستدعي ذلك؛ تكوين فريق تحويل مركزي، لتوظيفه في التغلب على العوائق وتحقيق الأهداف، كما تتطلب عملية صنع قرار شفافة وموضوعية، بالإضافة إلى تحسين القدرات التنظيمية عبر الاستثمار في تنمية القدرات الفردية والجماعية.
مصلحة مشتركة للتحول
- الهدف الرئيسي للمؤسسات التعليمية هو ضمان بقاء جودة التعليم مرتفعة، حتى خلال مثل هذه الظروف، ولتحقيق ذلك، تكيفت معظم الجامعات مع الأساليب الجديدة لتقديم المحتوى للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وما صاحب ذلك من تقنيات جديدة.
- الافتقار إلى التفاعلات وجهًا لوجه عزز قيمة البيانات، وكلما زادت البيانات حول الطلاب لدى الجامعة، كان بالإمكان تقديم تجربة أفضل، خاصة فيما يتعلق بالفصول الدراسية الأفضل والنتائج المتزايدة. تمامًا كما تستفيد المؤسسات التجارية من حصد بيانات المستخدمين عبر الإنترنت لتخصيص الإعلانات والمنتجات.
- المضي قدمًا في التواؤم مع الواقع الذي تغير عما كان عليه قديمًا، حيث الرسوم مرتفعة وديون الطلاب كذلك والثقة في الجامعات متدهورة، قد يعني أنها بحاجة إلى شركاء، ولعل أهم شركائها المحتملين بجوار الحكومات والمؤسسات الخيرية، هو الشركات.
- يمكن أن تلعب الشركات دورًا كبيرًا في دفع التحول المؤسسي للتعليم العالي، حيث إنها من أبرز المستفيدين، وعلى سبيل المثال يُقدر إنفاق الشركات الأمريكية على التعليم والتدريب بنحو 180 مليار دولار سنويًا، وهو استثمار لا يبدو أنه يؤتي ثماره حتى الآن.
- عندما تتوافق برامج التعليم الخاصة بالشركات مع بعضها البعض، يكون الموظفون قادرين على الوصول إلى الفرص المُغيّرة للحياة دون حواجز التعليم العالي التقليدية، في حين يمكن للشركات تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
المصادر: أرقام- ماكينزي آند كومباني- إنتربرنير- موقع "سي إم واير" المهتم بالتحول الرقمي
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}