سلطت الأزمة الاقتصادية المصاحبة للوباء الضوء على جهود الحكومات لدعم الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا، والتي تمثلت بشكل رئيسي في مدهم بالمساعدات المالية المباشرة لضمان قدرتهم على الإنفاق في ظل عمليات التسريح وإغلاق الأعمال واسعة النطاق.
بذلت الحكومات حول العالم جهدًا مضنيًا في هذا الصدد، وقدمت حزم إنفاق سخية نسبيًا – بما في ذلك الدول النامية – للحفاظ على استقرار الطبقات الدنيا من المجتمعات، والتي كانت أكثر عرضة للضغوط الاقتصادية المصاحبة للوباء.
وفي أماكن كثيرة من العالم، لم تكن هذه المساعدات سببًا في دعم الكثيرين ممن فقدوا مصادر دخلهم أو تعرضوا لضغوط إنفاقية أكبر فقط، ولكن ساعدت الكثيرين أيضًا على ادخار المزيد من المال بهدف إنفاقه في فترة ما بعد الوباء.
تشير بعض التقديرات إلى أن قيود التباعد وإجراءات التحفيز ساعدت المستهلكين في 21 دولة غنية على ادخار 6 تريليونات دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، ولولا هذه الإجراءات لادخروا 3 تريليونات فقط. وهذا يثير تساؤلات حول توجيه المدفوعات إلى مستحقيها.
تحصين الفقراء
- صحيح أن مفهوم العمل عن بعد ازدهر خلال الوباء، لكنه لم يكن خيارًا للجميع، ولتحصين الفقراء ضد الخطر، اقترح البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (والكثير من الخبراء ومتخذي القرار) إعطاء المال مباشرة إلى الفقراء حتى يتمكنوا من البقاء في المنزل.
- في ورقة تحمل عنوان "الدخل الأساسي المؤقت: حماية الفقراء والضعفاء في البلدان النامية"، اقترح البرنامج في الصيف الماضي، تقديم مدفوعات نقدية مباشرة إلى أفقر الأشخاص في 132 دولة نامية حول العالم.
- يعيش 1.07 مليار شخص تحت خط الفقر الدولي، وهناك 1.71 مليار شخص آخر يواجهون "خطرًا كبيرًا للوقوع في براثن الفقر"، بحسب الورقة التي بحصول هؤلاء البالغ عددهم معًا 2.78 مليار شخص (44% من سكان العالم النامي) على مدفوعات نقدية مؤقتة لا تتوقف بغض النظر عن حالة الإقامة أو الجنسية أو العمل.
- مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "أكيم شتاينر" قال آنذاك، إن الأوقات غير المسبوقة تتطلب إجراءات اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة، اعتمادًا على الطبيعة الدقيقة للبرنامج، فإنه سيكلف ما لا يقل عن 199 مليار دولار شهريًا، وفقًا للورقة.
- في باكستان التي يقطنها أكثر من 210 ملايين نسمة، خصصت الحكومة 900 مليون دولار لتقديم أموال طارئة لمن يعانون من فقر مدقع في بداية الوباء العام الماضي، وقدم البرنامج مساعدة مالية إلى 12 مليون أسرة، أو نحو 80 مليون شخص.
- تلقت كل أسرة مؤهلة ما يقرب من 75 دولارًا، وهو ما يكفي لتوفير تغذية الكفاف لمدة أربعة أشهر، وفي غضون أسبوعين من إطلاقه، وصل البرنامج بالفعل إلى 7 ملايين من أفقر سكان البلاد، وهو ما يمثل أكبر وأشمل تدخل للحماية الاجتماعية في تاريخ البلاد.
فقراء الدول الغنية
- في أمريكا، أطلقت 3 جولات من حزم التحفيز التي شملت دعمًا نقديًا مباشرًا للأسر منذ بداية الوباء، وفي أول جولة حصل المستحقون على 1200 دولار، ثم 600 دولار في الجولة الثانية، وأخيرًا في الجولة الثالثة التي مررت هذا العام تلقوا 1400 دولار، وذلك علاوة على مدفوعات لكل طفل بلغت 500 و600 و1400 دولار على التوالي.
- هذه الجولات الثلاث من المدفوعات المباشرة للأسر الأمريكية تكلف خزينة الدولة نحو 850 مليار دولار، وفقًا لمؤسسة "Peter G. Peterson Foundation" لأبحاث السياسات المالية والتحديات الاقتصادية، وهي منظمة أمريكية.
- تكلفة الجولة الأخيرة وحدها تخطت 400 مليار دولار، وفي حين أن إرسال المدفوعات لا يزال قيد التنفيذ، بدأت تظهر دعوات تطالب بجولة رابعة من المدفوعات المباشرة، حيث يعتقد أنها ستكون بالغة التأثير على المجتمع الأمريكي ويمكنها أن تقلل أعداد الفقراء في البلاد.
- قال معهد "Urban Institute" للأبحاث إن عدد الفقراء هبط إلى 28 مليونًا من المستوى المتوقع سابقًا البالغ 44 مليون شخص، وذلك بفضل المدفوعات المقدمة للأمريكيين، ونتج عنها تراجع معدل الفقر الإجمالي إلى 8.7% مقارنة بـ13.7% المتوقع سابقًا.
- إذا سمح بدفعة تحفيز أخرى بقيمة 1400 دولار، فإن مستويات الفقر في عام 2021 ستنخفض أكثر، حيث ستتراوح بين 6.4% و6.6%، وبالتالي، فإن هذه الدفعة الرابعة ستنتشل نظريًا ما يقدر بنحو 7.3 مليون شخص من براثن الفقر، وإذا كانت هناك عمليتا تحفيز إضافيتان وليست واحدة، سينخفض عدد الفقراء إلى بين 11.2 مليونو12.2 مليون شخص.
النقود ليست علاجًا للفقر
- المفهوم بسيط وجذاب "امنح الناس المال، وانتشلهم من الفقر"، إنها استراتيجية تستخدم بشكل متزايد (خاصة منذ اندلاع الوباء) في كل من البلدان ذات الدخل المنخفض والمرتفع لمساعدة الفقراء، يبدو أن هناك إجماعًا متزايدًا على أن النقد هو أفضل أداة لمكافحة الفقر، لكن هل هذا صحيح؟
- أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن المدفوعات النقدية تساعد على زيادة الإنفاق على الغذاء والسلع الأخرى، بجانب تحسين نتائج التعليم والصحة إلى جانب استقرار دخل الأشخاص المعنيين، ومساعدتهم في الحصول على وظائف بدوام كامل وتقليل الاكتئاب، مع آثار جانبية "محدودة للغاية".
- لكن هذا لا يعني أن النقد هو أفضل استراتيجية لمكافحة الفقر؛ لسبب واحد، غالبًا ما يكون من الصعب تحديد الأشخاص الذين هم بالفعل فقراء ويحتاجون إلى المال حتى يمكن تقديم المساعدة النقدية للمستحقين.
- فحصت دراسة حديثة بيانات من 9 بلدان أفريقية في منطقة جنوب الصحراء لتقييم أداء أسلوب مشترك تستخدمه برامج مكافحة الفقر لاستهداف الفقراء، ووجدت أن نحو نصف الأسر المختارة بهذه الطريقة لم تكن فقيرة، فيما لم تنتفع نصف الأسر المستحقة بالفعل.
- مشكلة تحديد المستحقين هذه ليست مقصورة على البلدان النامية، وخلصت أبحاث إلى انتفاع أشخاص أكثر ثراءً من المستهدفين من برامج الدخل الأساسي، يشار هنا إلى دخول جزء كبير من مساعدات الوباء ضمن مدخرات الأسر خلال الأشهر الماضية دون إنفاقها على الأساسيات (ناهيك عن ادعاءات استخدامها في المغامرات الاستثمارية).
- هناك مشكلة أخرى تتعلق بشكل مباشر بتعريف الفقر، والذي يعرف بدقة أكبر بأنه الافتقار إلى الرفاهية وليس نقص الدخل، وباختصار، لا يؤدي تقديم النقود إلى تحسين رفاهية شخص ما بشكل مباشر، ولكنها مجرد أداة لشراء أشياء قد تساهم في تحقيق الرفاهية، وفي النهاية لا يشتري النقد كل شيء.
- المشكلة الأخيرة هي أن المساعدة النقدية المباشرة لا تكافح القضايا الهيكلية (مثل التمييز والحكم الديمقراطي الضعيف والممارسات التجارية الدولية غير العادلة) التي تسبب الفقر في المقام الأول،وتتطلب الإصلاحات في هذه المجالات عادة عملًا جماعيًا لإحداث تغيير على المستوى الوطني أو العالمي.
المصادر: أرقام- ذا كونفرزشن- سي إن بي سي- ذا موتلي فول- المنتدى الاقتصادي العالمي- مؤسسة "بيتر جي بيترسون"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}