نبض أرقام
09:43 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/03
2024/11/02

حبال الاحتيال قصيرة! .. كيف انتهى الحال بشركة تلاعبت بإيراداتها وقضت على ثروة المساهمين؟

2021/04/23 أرقام - خاص

للزمن أحكامه وللأيام صولاتها وللبدايات نهايتها، فلا أحد يبقى في موضعه ولا شيء يظل في مكانه. يمر بنا العمر فيزدهر الجسد قبل أن يفقد حيويته وتخور قواه، فيصبح السهل بالنسبة لنا صعبًا، بينما يصبح الصعب مستحيلًا، هي ببساطة دورة حتمية لا يستطيع أن يتجنبها بشر، ولكن يبدو أن هذه السنن تغيب عن أذهان عدد كبير من مديري الشركات المدرجة بسوق الأسهم.

 

مع تقدم الشركات في العمر، يتباطأ نمو مبيعاتها بشكل طبيعي، بعض الشركات تقبل هذه الحقيقة وتتفهم حتمية تباطؤ نموها في مرحلة من المراحل، بينما تسيطر حالة من الإنكار على شركات أخرى وتحاول بأي طريقة – قانونية كانت أو غير قانونية – إخفاء هذه الحقيقة عن المساهمين أطول فترة ممكنة حفاظًا على سعر السهم وبالتبعية على امتيازات مديريها المالية.

 

 

ولكن هيهات! حبال الكذب دومًا قصيرة، ومهما طال الزمن سيعرف المساهمون حقيقة وضع الشركة وحينها سيجد مديرو الشركة أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه كما حدث مع غيرها من الشركات التي انتهى الحال ببعض مديريها في السجن فاقدين حريتهم وقبل ذلك أموالهم التي تورطوا في الاحتيال من أجلها.

 

في أواخر عام 1998 وأثناء إعداد القوائم المالية السنوية لاحظ مديرو شركة البرمجيات الأمريكية "ترانزاكشن سيستمز أركتيكت" والمعروفة اختصارًا باسم "تساي" أو (TSAI) تباطؤ مبيعات الشركة، حينها قرر مديرو الشركة الامتناع عن إدراج هذا التطور السلبي في القوائم المالية، وفكروا بدلًا من ذلك في تغيير سياساتهم المحاسبية حتى تبدو المبيعات في شكل أفضل مما هي عليه في الواقع.

 

مناورة محكوم عليها بالفشل!

 

منذ تأسيسها وتميل "تساي" إلى اتباع نهج متحفظ حين يتعلق الأمر بالاعتراف بالإيرادات في القوائم المالية. فعلى سبيل المثال، كانت الشركة إذا وقعت عقدًا لترخيص مدته 5 سنوات مع أي عميل لا تسجل سوى نصيب العام محل التدقيق من إيرادات هذا الترخيص، وذلك لأن العميل كان يدفع قيمة العقد مقسمة على عدد السنوات، وهي في النهاية لا تضمن قدرته على سداد باقي السنوات الخمس.

 

ولكن فجأة قررت "تساي" التخلي عن هذا النهج المحاسبي المتحفظ ولجأت إلى نهج أكثر تهورًا وخطورة، يتمثل في تسجيل إيرادات السنوات الخمس فورًا في البيانات المالية وكأنها دخلت إلى خزينة الشركة بالفعل، في حين أن العميل لم يدفع سوى قسط السنة الأولى فقط. صدرت قوائم الشركة لعام 1998 بهذا الشكل ونجحت هذه المحاولة اليائسة بالفعل في إخفاء مشكلة تباطؤ المبيعات عن أعين المساهمين الذين لم ينتبه منهم أحد لما حدث.

 

ما قامت به إدارة "تساي" لم يكن أكثر من هروب للأمام، حيث إن هذا التغيير المحاسبي أخفى المشكلة مؤقتًا وتحديدًا لمدة عام واحد فقط إلى أن صدرت القوائم المالية الخاصة بالعام الجديد. ففي أوائل عام 2000 جاء اليوم الذي تخشاه الشركة، حيث كشفت بياناتها المالية الخاصة بالربع الأخير من عام 1999 والتي اعتمدت فيها نفس الطريقة المحاسبية عن انخفاض إيرادات الشركة في ذلك الربع بنحو 20%.

 

 

تفاجأ جمهور المستثمرين بهذا التطور وانهار سعر السهم، فبعد أن كان يستقر قرب 45 دولارًا في ديسمبر من عام 1999 على خلفية إصدار إحدى شركات الوساطة توصية بشرائه، انهار سعر سهم "تساي" إلى ما يقرب من 12 دولارًا في بداية عام 2000 عقب إصدار الشركة تقاريرها المالية الخاصة بالربع الرابع.

 

بدون هذا التعديل الذي قامت به "تساي" في سياسة اعترافها بالإيرادات كانت إيراداتها ستبدو على النحو الذي يوضحه الجدول التالي:
 

النمو السنوي لعوائد التراخيص وإجمالي الإيرادات لشركة "تساي" في الربع المنتهي في مارس 1999 والأشهر الستة المنتهية في الشهر ذاته

المبالغ بالمليون دولار

الربع المنتهي في

مارس عام 99

وفقًا لبيانات الشركة

الشكل الصحيح المفترض لبيانات الربع المنتهي في مارس 99

الأشهر الستة المنتهية

في مارس 99

وفقًا لبيانات الشركة

الشكل الصحيح المفترض لبيانات الأشهر الستة المنتهية

في مارس 99

عوائد التراخيص

50.6

36.2

96.6

78

النمو السنوي لعوائد التراخيص

26 %

(10 %)

23 %

0 %

إجمالي الإيرادات

87

72.6

173

154.4

النمو السنوي لإجمالي الإيرادات

21 %

1 %

23 %

10 %

 

يوضح هذا الجدول أن الشركة سجلت زيادة مصطنعة في الإيرادات بلغت ما يقرب من 14.4 مليون دولار وذلك خلال الربع المنتهي في مارس 1999، وعلاوة على ذلك، يبدو أن مديري الشركة لم يدركوا أو تناسوا أن اعترافهم بالإيرادات المستقبلية في وقت أبكر من المعتاد، سيقلل حجم الإيرادات المتاحة للاعتراف بها في السنوات المقبلة.

 

هل كان بإمكان المساهمين اكتشاف الأمر من البداية؟

 

رغم أن مسؤولي شركة "تساي" بذلوا مجهودًا كبيرًا في إخفاء ما فعلوه إلا أن اكتشافه لم يكن أمرًا صعبًا أو مستحيلًا على المستثمرين الأفراد وبالأخص المتمرسين منهم؛ فالمدقق في القوائم المالية الخاصة بعام 1998 والناظر إليها بعين الشك يستطيع أن يرى بوضوح أمارات الخطر وعلامات التحذير.

 

الطريقة المتهورة التي اعتمدت عليها شركة البرمجيات الأمريكية في الاعتراف بالإيرادات ظهرت آثارها على أكثر من بند، في البداية اختفى أثر كل من تباطؤ المبيعات وتراجع التدفقات النقدية التشغيلية، بينما شهدت الحسابات المستحقة زيادة كبيرة مفاجئة، وكل هذا معا يشير إلى أن هناك مشاكل تشغيلية ما.

 

 

في الوقت نفسه كانت هناك إشارة تحذيرية أخرى تتضمنها البيانات المبلغ عنها من قبل الشركة في عام 1998، وهي وجود فجوة كبيرة بين التدفقات النقدية التشغيلية وصافي الدخل، وهو ما برز بوضوح في مارس 1999. فكما يوضح الجدول التالي، كان صافي الدخل أكبر بنحو 9.5 مليون دولار من التدفقات النقدية في نهاية الربع الأول من عام 1999، في حين أنه تجاوز صافي الدخل في الربع نفسه من عام 1998.

 

التدفقات النقدية التشغيلية للشركة بالمقارنة مع صافي الدخل

المبلغ بالمليون دولار

الربع المنتهي في

 مارس 99

الربع المنتهي في

 مارس 98

التدفقات النقدية التشغيلية

1.4

9.4

صافي الدخل

10.9

8.3

التدفقات النقدية التشغيلية مطروحًا منها صافي الدخل

(9.5)

1.1

نسبة التدفقات النقدية إلى صافي الدخل

13 %

113 %

 

في الوقت نفسه مثلت التدفقات النقدية من الأنشطة التشغيلية للشركة 13% من صافي الدخل في الربع المنتهي في مارس 1999، فيما مثل نفس البند حوالي 113% من صافي دخل الشركة في الربع نفسه من العام السابق، وهو أمر كافٍ ليثير الريبة والشك في نفس المستثمر، ولكن رغم ذلك العلامات التحذيرية لم تتوقف عند هذا الحد.

 

النهاية المعتادة!

 

احتوت القوائم المالية الخاصة بـ"تساي" على تغيير آخر مثير للاهتمام، يتعلق بالحسابات المستحقة للشركة؛ فقد شهدت الحسابات المستحقة وبالأخص الحسابات المستحقة طويلة الأجل زيادة كبيرة جدًا، ففي العادة يتم تحصيل الحسابات المستحقة في غضون شهر أو شهرين من تاريخ تسجيل عملية البيع، وفي بعض الأحيان يستغرق الأمر أكثر من ذلك.

 

لكن حين يكون لدى الشركة رصيد كبير من الحسابات المستحقة طويلة الأجل التي يصل أمدها إلى عام أو أكثر فهذا يشير إلى وجود شيء ما مريب، حيث إن هذا معناه أن الجزء الأكبر من إيرادات الشركة يتم تسجيله قبل أكثر من عام من مطالبة العميل بالدفع.

 

 

خلال الأشهر التسعة المنتهية في سبتمبر 1999، نمت مبيعات الشركة بشكل طفيف، بينما شهدت الحسابات المستحقة قصيرة الأجل تراجعًا قدره 24%، فيما ارتفعت الحسابات المستحقة طويلة الأجل بنسبة مذهلة بلغت 29% من الإيرادات وذلك مقارنة مع 1% فقط في الربع الأخير من عام 1998.

 

الحسابات المستحقة لشركة "تساي"

المبلغ بالمليون دولار

الربع الرابع

من عام 98

الربع الأول

من عام 99

الربع الثاني

من عام 99

الربع الثالث

من عام 99

الربع الرابع

من عام 99

الإيرادات

79.3

86.1

87

89.1

92.6

الحسابات المستحقة المحصلة

58.1

66.4

61.2

57.1

50.6

الحسابات المستحقة قصيرة الأجل

33

34

40

39.2

41.9

الحسابات المستحقة طويلة الأجل

2.1

0.8

9.3

13

26.9

إجمالي الحسابات المستحقة

93.1

101.2

110.5

109.2

119.4

 

في النهاية لم يستمر خداع الشركة للمساهمين أكثر من عام، حيث انكشف كل شيء مع صدور أحدث القوائم المالية للشركة في أوائل عام 2001، لتبدأ على الفور رحلة سقوط سعر السهم في البورصة، مما خسف الأرض بثروة المساهمين الذين قاموا في أواخر عام 2002 برفع دعوى جماعية ضد الشركة التي اضطرت في النهاية لتسوية القضية في عام 2006 مقابل 24.5 مليون دولار.. كانت نهاية كلاسيكية بامتياز!

 

المصادر: أرقام – هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية– فين إكسترا

كتاب: Financial Shenanigans

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.