ينظر إلى إعادة التدوير كأحد الحلول الإنسانية والتجارية المبدعة للتخلص من تراكم جبال المخلفات في البر والبحر، خاصة من المواد المعدنية والبلاستيكية التي يصعب تحللها بمرور الوقت، واعتبرت أيضًا وسيلة لتوفير مواد إنتاج أولية.
ومع ذلك، فإن عملية تدوير المخلفات والمنتجات عمومًا باتت جدواها محل شك مؤخرًا، وينظر إليها باعتبارها مجالًا للفرص الضائعة، وعلى سبيل المثال، كشف البنك الدولي في دراسة حديثة هذا العام عن خسارة دول جنوب شرق آسيا 6 مليارات دولار سنويًا لعدم تدويرها البلاستيك.
وقال البنك في تقرير له، إن مصير 75% من البلاستيك القابل لإعادة التدوير في ماليزيا وتايلاند والفلبين هو "النفايات"، ورغم أن ذلك ينبغي أن يشكل فرصة استثمارية، فإن أغلب موردي المواد المعاد تدويرها في هذه البلدان كانت مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم لا تلبي طلب العلامات التجارية الكبيرة.
في ولاية أوريغون الأمريكية، قال "ديفيد ألاواي"، كبير محللي السياسات بإدارة جودة البيئة: كي تكون إعادة التدوير مفيدة، يجب أن تتم بشكل جيد، والنظام الحالي لدينا يقدم بعض النتائج المختلطة، خاصة مع استمرارنا في تصدير المواد القابلة لإعادة التدوير الملوثة إلى البلدان التي تفتقر إلى البنية التحتية الكافية.
حتى في الولايات المتحدة ككل تتم العملية بشكل سيئ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الجمهور الأمريكي مرتبك بشأن ماذا وكيف تتم إعادة التدوير، ويؤدي ارتباكه إلى مستويات عالية من التلوث، ما يزيد التكاليف عليه وعلى الحكومات التي تجمع المواد القابلة لإعادة التدوير، بحسب "ألاواي".
نقاط الضعف
- يمكن أن تقلل إعادة التدوير التكاليف التي يتحملها المجتمع من خلال الحد من التلوث وتغير المناخ، ولكن هذه الفوائد لا تنعكس في الإشارات الاقتصادية التي تستجيب لها الصناعة والحكومات المحلية، وهذا يؤدي إلى نقص الاستثمار في إعادة التدوير.
- يجمع المستهلكون والحكومات المواد للمنتجين الذين يدفعون مقابلها أقل بكثير من تكلفة الجمع، علاوة على ذلك فإن التأثير البيئي ليس كما يبدو، إذ يقول "ألاوي" إن ولايته تعيد تدوير 40% من نفايتها الصلبة، وإذا وصلت لمستوى 90%، سيؤدي ذلك إلى تقليل التأثير المناخي السلبي بنسبة 3% فقط.
- نقص المشاركة هي مشكلة أخرى، ونظرًا لاستبعاد المنتجين من اقتصاديات إعادة التدوير، فإن لديهم حافزًا أقل لإعادة النظر في التغليف أو تصميم المنتجات، وبالتالي هناك فجوة كبيرة في المسؤولية التي تنطوي على العلامات التجارية الاستهلاكية.
- يتمتع هؤلاء المنتجون بالقدرة الفريدة على التأثير في التغييرات في أعمال التعبئة والتغليف وتصميم المنتج وخلق طلب في السوق على المواد المعاد تدويرها وتقليل تقلب الأسعار، لكنهم غائبون إلى حد كبير عن إطار السياسات الحكومية، بحسب "ألاوي".
- تعاني صناعة إعادة التدوير أيضًا من جمود القوانين التي تمت صياغتها منذ 40 عامًا، عندما كانت اقتصاديات الصناعة مدفوعة إلى حد كبير بالتعامل مع الصحف التي اختفت تقريبًا الآن من نظام النفايات.
عقلية التدوير
- يقول "توم سزاكي"، الرئيس التنفيذي لشركتي إعادة التدوير "Terracycle" و"Loop" إن المهم حقًا في الوقت الحالي أن تقرر الشركات الاعتماد على إعادة التدوير وإنشاء برامجها الخاصة، لكنه يقول كذلك إنه لا يزال من غير السهل على عقلية الشركات أن تتبناها.
- لن يتم إعادة تدوير بعض المنتجات ما لم تكن الشركات المنتجة هي التي تقوم بإعادة التدوير، فأشياء مثل الحفاض المتسخ أو فرشاة الأسنان أو السيجارة غير قابلة لإعادة التدوير لأنها تكلف الكثير، وهذه مشكلة اقتصادية أخرى، وليست فيزيائية أو كيميائية.
- مع ذلك أطلقت شركات مثل "تيراسيكل" برامج لإعادة تدوير الحفاضات، ويقول "سزاكي" إن إعادة تدوير الحفاضات ليس له معنى من المنظور الاقتصادي، لأنه مكلف، لكن بالنسبة للشركة التي تدعم حملة مثل تلك "يمكن تحقيق قيمة أساسية ربما أفضل من الإعلانات التليفزيونية".
- يرغب المستهلكون والشركات في فعل الشيء الصحيح في مواجهة الأزمة البيئية، ما قد يدفع الشركات لتمويل حملات تسويقية في هذا الصدد، لكنها تحتاج في البداية إلى رؤية "ليس فقط الشيء الصحيح، ولكن أنه سوف يثمر"، كما يقول "سزاكي".
- تستفيد شركة "لووب" أيضًا من هذا النهج، حيث تتعاون مع صانعة ساعات فاخرة لاستخراج خزانات الأكسجين التي تنتشر على جبل إيفرست من جراء عمليات التسلق، ورغم أنها مهمة باهظة الثمن، لكنها وفرت المعادن لصانع الساعات، وأضافت لقصته التسويقية التي يتميز بها عن منافسيه أمام الجماهير.
أسباب للتفاؤل
- صحيح أن رواية "موت صناعة التدوير" قد اكتسبت زخمًا على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث كافحت المدن للعثور على أماكن لإرسال الأشياء التي يرميها الناس في صناديقهم، وخفضت بعض المناطق أو ألغت برامج إعادة التدوير، ثم زلزلت الجائحة سلاسل التوريد التي تحول المخلفات إلى منتجات جديدة.
- بعيدًا عن المنظور البيئي، فإن إعادة التدوير نشاط تجاري يلبي ما يقرب من 40% من احتياجات العالم من المواد الخام، ونحو ثلثي الصلب الأمريكي مصنوع من موارد معاد تدويرها، وكان نقص ورق الحمام في بداية الوباء مرتبطًا بندرة ورق المكتب المعاد تدويره.
- كغيرها من الأنشطة التجارية، فإن صناعة إعادة التدوير عرضة للازدهار والانهيار، وحتى عام 2018، شهدت الصناعة الأمريكية ثلاثة عقود من الازدهار، لقد كانت دورة حميدة في الغالب نفعت البيئة وميزانيات البلديات والمستهلكين الأمريكيين، لكنها أعمت الصناعة أيضًا عن مدى اعتمادها على الصين.
- كانت العواقب وخيمة عندما أعلنت الصين في عام 2017، أنها تخطط لتقييد استيراد المواد القابلة لإعادة التدوير، بما في ذلك الورق المختلط، وبعد ذلك بعامين، تحول القائمون على إعادة التدوير من تلقي نحو 100 دولار لطن الورق المختلط إلى دفع مقابل التخلص منه.
- الصناعة لم تقف مكتوفة الأيدي، واعتبارًا من عام 2018، أعلن أكثر من اثني عشر كيانًا لإعادة تدوير الورق توسيع منشآتهم لمعالجة الكميات التي لم تعد تقبلها الصين، وأجرى القائمون على إعادة تدوير البلاستيك استثمارات مماثلة.
- بفضل "كوفيد 19"، تزداد المواد الأخرى القابلة لإعادة التدوير، وخلقت طفرة التجارة الإلكترونية طلبًا تاريخيًا على الصناديق الكرتونية القديمة، وأسعار البلاستيك المعاد تدويره آخذة في الارتفاع. يبدو أنها مسألة وقت قبل أن تنشط هذه الصناعة، لكن مصيرها على المدى الطويل يتوقف على معالجة نقاط الضعف الرئيسية.
المصادر: أرقام- سي إن بي سي- فوربس- بلومبيرغ
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}