تفرد قطاع الطاقة تقريبًا بالتركيز العالمي على الاستدامة خلال العقد الماضي، كإحدى أكثر الصناعات تأثيرًا على المجتمعات وتشابكًا مع المجالات الاقتصادية الأخرى، لكن أزمة الوباء حركت دائرة الضوء كثيرًا تجاه السياحة.
الحديث عن السياحة المستدامة كان حاضرًا منذ سنوات، لكن الزلزال الذي تعرض له القطاع في خضم الوباء وما لحق به من قرارات إغلاق وتقييد للحركة، جعلت هذا الطرح أكثر قبولًا باعتباره علاجًا وحصانة ضد الخسائر الفادحة التي تعرض لها.
كان عام 2020، الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للسياحة العالمية، حيث تراجع عدد المسافرين الدوليين بنسبة 74% أو ما قدره مليار شخص، على أساس سنوي، وذلك مقارنة بانخفاض بلغ 4% فقط خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2009.
ووفقا لمنظمة السياحة العالمية، فإن انهيار السفر الدولي في العام الماضي، كبد القطاع 1.3 تريليون دولار من العائدات الضائعة، وهو ما يزيد على 11 مرة حجم خسائره في أثناء الأزمة المالية العالمية، كما وضع ما بين 100 مليون إلى 120 مليون وظيفة مباشرة بالقطاع في مهب الريح.
مؤسسة "يورو مونيتور إنترناشونال" للأبحاث، قالت في تقريرها للسياحة المستدامة عن العام 2020، إن الوباء سلط الضوء على عيوب واضحة في نماذج السياحة التقليدية المعتمدة على الحجم والتي لم تعد مناسبة في عصر الجائحة الجديد.
واستشهدت ببيانات ومؤشر طورته للسفر المستدام، قالت إنهما يدللان على أن مستقبل ونجاح أعمال السفر سيتركز حول التحول الرقمي والمستدام.
ما السياحة المستدامة؟
- هي أحد أشكال السياحة التي تلبي احتياجات السياح وصناعة السياحة والمجتمعات المضيفة في آن واحد اليوم، وذلك دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة.
- بشكل أكثر تحديدًا، تقول منظمة السياحة العالمية إنها السياحة التي تأخذ في الاعتبار الكامل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمستقبلية، وتلبي احتياجات الزوار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة.
- في حين يُرحب بالسياحة عالميًا بسبب الفوائد والفرص التي تخلقها، هناك اعتراف متزايد بالحاجة إلى رؤية السياحة في سياق بيئي، والاعتراف بأن السياحة والبيئة مترابطتان، والعمل على تعزيز العلاقة الإيجابية بين السياحة والبيئة والحد من الفقر.
- السياحة المستدامة تمثل لرواد الصناعة، السياحة القابلة للحياة اقتصاديًا، لكنها لا تدمر الموارد التي سيعتمد عليها مستقبل القطاع، ولا سيما البيئة المادية والنسيج الاجتماعي للمجتمع المضيف، وبالتالي هي الخيار الأفضل لتحقيق النسخة المثلى من السياحة العالمية.
- من بين تعريفاتها المختلفة الأخرى، فإنها "السياحة التي تتطور بأسرع ما يمكن وتتكامل فيها المرافق السياحية الجديدة مع البيئة" وأيضًا "السياحة التي يتم تطويرها والمحافظة عليها في منطقة بحيث تظل قابلة للحياة لفترة غير محدودة ولا تؤدي إلى تدهور أو تغيير البيئة (بشريًا وماديًا)".
- تنطبق إرشادات تنمية السياحة المستدامة وممارسات الإدارة على جميع أشكال السياحة في جميع أنواع الوجهات، بما في ذلك السياحة الجماعية ومختلف قطاعات السياحة المتخصصة، وفقًا لتعريف منظمة السياحة العالمية.
شروط تنمية السياحة المستدامة
- تشير مبادئ الاستدامة إلى الجوانب البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتنمية السياحة، ويجب إقامة توازن مناسب بين هذه الأبعاد الثلاثة لضمان استدامتها على المدى الطويل، وبالتالي ينبغي للسياحة المستدامة أن تحقق عددًا من الشروط.
- أولًا: الاستخدام الأمثل للموارد البيئية التي تشكل عنصرًا رئيسيًا في تنمية السياحة، والحفاظ على العمليات البيئية الأساسية والمساعدة في الحفاظ على التراث الطبيعي والتنوع البيولوجي.
- ثانيًا: احترام الأصالة الاجتماعية والثقافية للمجتمعات المضيفة، والحفاظ على تراثها الثقافي المبني والحي والقيم التقليدية، والمساهمة في التفاهم بين الثقافات والتسامح.
- ثالثًا: ضمان عمليات اقتصادية مجدية وطويلة الأجل، وتوفير المنافع الاجتماعية والاقتصادية لجميع أصحاب المصلحة التي يتم توزيعها بشكل عادل، بما في ذلك فرص العمل المستقرة وكسب الدخل والخدمات الاجتماعية للمجتمعات المضيفة، والمساهمة في التخفيف من حدة الفقر.
- مع العلم أن تنمية السياحة المستدامة تتطلب مشاركة مستنيرة من جميع أصحاب المصلحة المعنيين، فضلاً عن قيادة سياسية قوية لضمان مشاركة واسعة وبناء توافق في الآراء.
- يعد تحقيق السياحة المستدامة عملية مستمرة وتتطلب مراقبة مستمرة للتأثيرات، واعتماد التدابير الوقائية الضرورية. كما يجب أن تحافظ على مستوى عالٍ من الرضا السياحي وتضمن تجربة ذات مغزى للسياح، وزيادة وعيهم بقضايا الاستدامة وتعزيز ممارسات السياحة المستدامة بينهم.
ضرورة عالمية
- تقول "ماري إلكا بانجستو" المديرة المنتدبة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي، والتي عملت سابقًا كوزيرة للسياحة في إندونيسيا، إن المجتمعات المحلية تحقق قيمة اقتصادية كبيرة من السياحة المستدامة مع الحفاظ على الثقافة والأصول الطبيعية.
- تشير "ماري" إلى محادثات عقدت مؤخرًا حول مستقبل السياحة بين عدد من قادة القطاع، خصلت إلى أن إحدى أهم خطوات بناء مستقبل أفضل للصناعة كانت بناء قطاعات سياحة أكثر شمولًا وقدرة على الصمود، وذلك عن طريق التركيز على الاستدامة لما لها من أهمية على المدى الطويل.
- وزير السياحة "أحمد الخطيب" أعلن مؤخرًا عن شراكة بين السعودية والبنك الدولي، تعهدت المملكة خلالها بتخصيص 100 مليون دولار لإنشاء صندوق دولي للسياحة الشاملة، والذي سيكون أول صندوق عالمي مكرس خصيصًا لدعم النمو العالمي.
- الوزير أوضح أن الصندوق يهدف أيضًا إلى دعم القدرات البشرية والمؤسساتية وبنائها، وقال إنها خطوة مهمة تجاه مستقبل أكثر استدامة لقطاع السياحة، وفرصة لخلق توجه مسؤول تجاه السياحة والارتقاء بالقطاع مع المحافظة على البيئة.
- أكد "الخطيب" أهمية تحلي صناعة السياحة بالمرونة الكافية، خاصة بعد ما شهدته خلال الجائحة من خسائر في الوظائف والأعمال، وذلك تزامنًا مع الحفاظ على البيئة في أنحاء العالم، جنبًا إلى جنب مع التدريب المستمر للأفراد وتطويرهم.
- في اتجاه مشابه، قالت المفوضة الأوروبية للتماسك والإصلاحات "إليسا فيريرا"، إن الوباء "زاد من نقاط الضعف الموجودة مسبقًا" في قطاع السياحة، ودعت إلى تطوير "نموذج السياحة المستدامة المناسب للعالم الرقمي".
- وفقا للمفوضة، فإن ميزانية الاتحاد الأوروبي للفترة 2021-2027 وصندوق التعافي والمرونة، اللذين يمثلان إجمالي 1.8 مليار يورو، هما "فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر للاستثمار في مستقبل هذا القطاع".
المصادر: أرقام- منظمة السياحة العالمية- البنك الدولي- موقع theportugalnews- موقع tourismnote
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}