منذ الأزمة المالية العالمية، لم يكن التضخم أو المؤشر الذي يقيس الزيادة في أسعار السلع والخدمات، بهذه الأهمية التي بات عليها بعد مرور أكثر من عام على الجائحة التي نالت من معنويات وإنفاق المستهلكين والشركات.
منذ تفشي الوباء العالمي، تسبح الأسواق فوق أنهار من السيولة الوفيرة والرخيصة، وتشعر بالطمأنينة بفضل الانخفاض الكبير لأسعار الفائدة الذي جاء استجابةً لمخاوف الركود المرتبطة بانتشار الفيروس القاتل.
رغم تلاشي هذه المخاوف جزئيًا بمرور الوقت، ومع إشارات تسارع النمو، تخشى الأسواق أن يؤدي ذلك إلى قفزة ضخمة في معدل التضخم، ما يجبر البنوك المركزية الرئيسية، وخاصة الاحتياطي الفيدرالي على رفع أسعار الفائدة لاحتواء الزيادة في الأسعار.
في 12 مايو الماضي، بدا أن المخاوف التي تثير القلق قد تأكدت عندما قفز مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي المعدل موسميًا لشهر أبريل بنسبة 0.8%، وهي أكبر قفزة منذ عام 2008، وبلغ معدل التضخم السنوي 4.2% ما يعادل ضعفي المستوى المستهدف من قبل الفيدرالي.
التضخم هو عنصر رئيسي للاقتصاد الكلي ولتحركاته تداعيات خطيرة؛ إذ يمكن أن يؤدي التضخم المرتفع عبر الاقتصاد إلى خفض القوة الشرائية للدولار بسرعة، أما تراجعه (عندما تنخفض الأسعار) يمكن أن يشير إلى انكماش الاقتصاد.
وهناك نوعان من إصدارات البيانات الرئيسية التي تتعقب التضخم؛ هما مؤشر أسعار المستهلك، ويصدر من مكتب إحصاءات العمل، ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، ويصدر من مكتب التحليل الاقتصادي، وذلك بالنسبة للولايات المتحدة كمثال رئيسي.
ما التضخم؟
- هو التغير في سعر كل شيء بدءًا من شريحة لحم وقطعة صابون إلى فحص العين أو البنزين، في الولايات المتحدة، يعتمد مقياس التضخم الأكثر استخدامًا على مؤشر أسعار المستهلك، والذي غالبًا ما يستخدم لتحديد زيادات الأجور أو لتعديل المزايا للمتقاعدين، والتغير السنوي به يسمى "معدل التضخم".
- يقيس كلا المؤشرين (أسعار المستهلك ونفقات الاستهلاك الشخصي) التضخم عبر الاقتصاد، بالنظر إلى الأسعار التي يدفعها المستهلكون مقابل سلة من السلع والخدمات، ويتم تضمين كل شيء بهما كما سبق الإشارة من قطع غيار السيارات إلى خدمات الغسيل والحبوب وغيرها.
- يكمن الاختلاف في الطريقة التي يزن كل مؤشر بها فئات معينة من السلع والخدمات، فمثلًا، تعتبر منتجات التنظيف المنزلية جزءًا منهما، ولكن قد يكون حجم تمثيلها في كل مؤشر مختلفًا قليلاً، ولذلك إذا ارتفعت أسعار المناشف الورقية، فقد يكون لذلك تأثير أكبر على إجمالي التضخم في أحد المؤشرين عن الآخر.
- الاختلاف الرئيسي هو أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي يستخدم مؤشرًا أكثر مرونة في عكس تأثيرات تحول المستهلك بين العناصر مع تغير الأسعار، بمعنى أنه إذا تحول المستهلكون من التفاح إلى البرتقال لأن سعر التفاح أصبح أكثر تكلفة من البرتقال، فسوف يعدل المؤشر نسبة تمثيل كل سلعة لمراعاة ذلك.
- في المقابل فإن مؤشر أسعار المستهلك، يستخدم أوزانًا (نسبة تمثيل لكل سلعة أو خدمة) ثابتة لن تتكيف على الفور حال حدوث تحول مماثل في مزاج المستهلك، مع ذلك فهذا لا يعني أن أحد المؤشرين أفضل من الآخر، حيث إن الاختلافات طفيفة.
- لكن يفضل الاحتياطي الفيدرالي استخدام مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي بسبب منهجه المرن، ولأن مكتب التحليل الاقتصادي يقوم أحيانًا بتحديث ومراجعة البيانات السابقة لحساب المعلومات الجديدة ويتبع تقنيات قياس محسنة.
حقائق حول التضخم
- يعتبر مقدار التضخم المعتدل عمومًا علامة على وجود اقتصاد سليم؛ لأنه مع نمو الاقتصاد، يزداد الطلب على الأشياء، وتدفع هذه الزيادة في الطلب الأسعار إلى أعلى قليلاً حيث يحاول الموردون تقديم المزيد من الأشياء التي يرغب المستهلكون والشركات في شرائها.
- يستفيد العمال لأن هذا النمو الاقتصادي يؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة، ونتيجة لذلك، تزداد الأجور عادة، ولكن عندما يكون التضخم مرتفعًا جدًا (أو منخفضًا جدًا) يمكن أن تحل محلها حلقة "مفرغة".
- إذا تركت هذه الحلقة دون رادع، فقد يرتفع التضخم، مما قد يؤدي على الأرجح إلى تباطؤ الاقتصاد بسرعة وزيادة البطالة. يُطلق على الجمع بين ارتفاع معدلات التضخم والبطالة اسم "الركود التضخمي"، ويخشاه الاقتصاديون ومحافظو البنوك المركزية وكل شخص آخر تقريبًا.
- إنه ما يمكن أن يتسبب في تحول الطفرة الاقتصادية فجأة إلى الانهيار، كما حدث في أمريكا أواخر السبعينيات. تمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من خفض التضخم إلى المستويات العادية فقط بعد رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى مستوى قياسي بلغ 20% في عام 1979.
- الارتفاع الأخير للتضخم في أمريكا أدى إلى إثارة الفزع لدى البعض في وول ستريت وجعل الأمريكيين في حالة من القلق، فقد مر وقت طويل منذ أن شهدوا مثل هذا الارتفاع الحاد في الأسعار خلال فترة قصيرة جدًا، ومع ذلك يحتاج المراقبون مزيدًا من الإشارات حول استمرار هذا الاتجاه قبل أن يعلنوا حالة الخطر.
قصة غير مكتملة
- نظرًا لأن قيمة المؤشرهي متوسط أسعار مجموعة من الفئات، فإن الرقم الرئيسي يخفي الكثير من التفاصيل الأساسية والتقلبات الكبيرة من شهر لآخر في السلع والخدمات المختلفة.
- على سبيل المثال، قفزت أسعار تذاكر الطيران بنسبة معدلة موسميًا بنسبة 10% في أبريل الماضي (تعافت جزئيًا من هبوطها في خضم الوباء) بينما انخفضت أسعار الأسماك والمأكولات البحرية المستقرة بنسبة 3.5%، وهذه معلومات لا تتضح من قيمة المؤشر الرئيسي.
- يمكن أن تكون أسعار الغذاء والطاقة على وجه الخصوص شديدة التقلب، ولهذا السبب، غالبًا ما يركز صانعو السياسات على ما يُعرف باسم "التضخم الأساسي"، والذي يستبعد هذه البنود، وصل هذا المؤشر إلى أعلى مستوياته منذ عام 1992 في أمريكا خلال أبريل الماضي.
- كمثال على القصة غير المكتملة التي يرويها مؤشر التضخم، كانت معظم الزيادة في أمريكا خلال أبريل مدفوعة بأسعار السيارات والشاحنات المستعملة، التي قفزت بنسبة 10% خلال الشهر، وهي أكبر زيادة من أي فئة تمثل 1% على الأقل من قيمة المؤشر.
- كان ذلك إلى حد كبير بسبب زيادة الشراء من قبل شركات تأجير السيارات، التي باعت الكثير من مخزوناتها في وقت مبكر من الوباء، فضلاً عن النقص العالمي في الرقائق الذي قلل من إنتاج السيارات الجديدة.
- ترتبط الزيادات الأخرى في الأسعار، مثل الخشب وبعض الأجهزة الإلكترونية، أيضًا بمشاكل سلسلة التوريد قصيرة الأجل، كما أن زيادة الطلب من المستهلكين الذين تلقوا شيكات تحفيزية هي سبب آخر محتمل لارتفاع الأسعار، ولكن من الصعب تحديد التأثير.
- نظرًا لأن مؤشر أسعار المستهلك يتكون من مجموعة من السلع والخدمات، فغالبًا ما تكون التغييرات في المؤشر مدفوعة بجزء واحد أو جزأين فقط من الاقتصاد، بخلاف ما يحدث بشكل عام في أسعار جميع السلع والخدمات.. وبالتالي فإن معدل التضخم لا يعكس دائمًا الصورة الكاملة لما يجري في الاقتصاد.
المصادر: أرقام- ذا كونفرزشن- ياهو فايننس- ماركت ووت
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}