في حين يمضي العالم بثبات – وإن كان بطيئًا نوعًا ما – نحو تدارك تداعيات الفيروس الذي أنهك اقتصاد البشر ونال من ظروفهم المعيشية تمامًا مثلما نال من عافيتهم، يأمل الجميع؛ قادة وتنفيذيون ومواطنون في إنهاء آلام سوق العمل وإعادة تهيئته لقيادة الانتعاش القادم.
مع اندلاع الوباء، هلع الجميع واضطروا لاتخاذ قرارات استثنائية طارئة، وكان تسريح العمالة حاضرًا بقوة في قلب هذه الإجراءات، لكن لا شك أهم الخطوات تمحورت حول الموظفين وسلامتهم، وأفرز ذلك اعترافًا واسعًا بنظام العمل عن بعد وتركيزًا أكبر على السلامة العقلية والنفسية للعاملين.
عانى الموظفون حول العالم من فقدان هائل الوظائف في مارس وأبريل من عام 2020 (الخسائر في الولايات المتحدة لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية)، وقال مكتب إحصاءات العمل الأمريكي آنذاك إن هناك أملاً في أن يمكّن "الدعم الحكومي أصحاب العمل والموظفين من العودة بسرعة إلى ترتيبات التوظيف السابقة للوباء".
وتتوقع منظمة العمل الدولية، ألا يتعافى سوق العمل العالمي من الضعف الذي تعرّض له من جراء الوباء قبل عام 2023، قائلة إن هناك 220 مليون عاطل على الأقل في العالم وهو رقم قد يتراجع إلى 205 ملايين في عام 2022، وسيشكل ذلك انخفاضًا من معدل 6.3% إلى 5.7%، أي أعلى من مستوى 5.4% في عام 2019.
مع ذلك، فمع تطعيم الناس، وإعادة فتح المكاتب، ورفع القيود الصحية، يتسارع الطلب على الوظائف في بعض المناطق، وحتى تعجز بعض الأعمال عن توفير العمالة اللازمة، ويخشى أن يكون نقص الأيدي العاملة سببًا في إعاقة انطلاق الاقتصاد الأمريكي.
على أي حال، مع الاستعداد لعودة الحياة الطبيعية،يتوقع العمال شيئًا أكثر من مجرد "عودة" إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل الوباء، إذ يبحث الكثيرون عن فرص أفضل، وتواجه الشركات حربًا مكثفة من أجل المواهب، أو حتى للاحتفاظ بالموظفين الحاليين واسترضائهم وجذب الأفضل.
الموظف.. من مفعول إلى فاعل
- في الأيام الأولى للوباء، كان لأصحاب العمل اليد العليا، حيث كان عمال العالم متحدين في الخوف، لكن الأمور انقلبت مع استمرار الأزمة، حيث أدت إعانات البطالة الموسعة ووقف عمليات إخلاء المتعثرين من منازلهم إلى تخفيف الشعور بعدم الأمان الوظيفي؛ وأعطت مرونة أصحاب العمل بشأن مكان العمل إحساسًا بالنفوذ لأولئك الذين بقوا.
- يلاحظ "جيد كولكو"، كبير الاقتصاديين في "Indeed"، أن عدد العاطلين عن العمل ارتفع لكل وظيفة بشكل متواضع فقط، وظلت مكاسب الأجور قوية، ولم يكن من المرجح أن يبحث الأشخاص الذين خرجوا من سوق العمل أو في مواقف وظيفية غير مؤكدة.
- أكثر من ربع الأمريكيين العاملين حاليًا يبحثون عن وظيفة جديدة، وفقًا لمسح "Prudential Financial"، مما يدفع الشركات للتسابق من أجل معالجة أخطاء العام الماضي، مثل مشاكل الإجازات والرواتب المجمدة.
- تقول "ميريديث بيريز"، الشريك المؤسس لمنصة البحث عن عمل "UCandu": نحن على أعتاب تغيير كبير، نحن قادمون من وضع ما بعد التصنيع حيث كان يُنظر إلى الناس على أنهم تروس في عجلة القيادة، يتم الآن تقدير الخبرة والفكر، لكن سياسة العمل لا تجاري هذه التطورات بعد.
- من المحتمل ألا يخلط الأشخاص بين شعورهم السيئ خلال العام الماضي بأماكن عملهم ويريدون بداية جديدة. كانت الترقيات معلقة في العديد من المنظمات، لذلك قد يشعر الناس بأنهم بحاجة للذهاب إلى مكان آخر للتقدم، سيكون الأشخاص قد أمضوا أكثر من عام بعيدًا عن فرقهم وسيشعرون بأنهم أقل اندماجًا في مؤسساتهم، مما يسهل المغادرة.
القبول بغير المألوف
- تقول "روبن سميث"، عالمة النفس البارزة في فيلادلفيا، إن الوباء "كان لصًا في الليل جاء للتو وسرق إحساسنا بما هو مألوف، ربما لم نشعر بالرضا عن الطريقة التي كنا نعمل بها أكثر من اللازم، أو كنا نتقاضى رواتب متدنية وغير معترف بها، لكن مقارنة بالارتباك الناجم عن الوباء كان ذلك مألوفًا".
- بمرور الوقت، أصبح احتضان غير المألوف أكثر راحة للكثيرين، ومع ذلك،لم يفت الأوان بعد على أصحاب العمل للتصرف، لكن السؤال هو من أين البدء؟ إحدى الفرص التي يبحث الموظفون عنها أكثر من غيرها هي فرصة الاستمرار في العمل من المنزل.
- في استطلاع "Prudential Financial"، قال 42% من العاملين الحاليين عن بُعد إنه إذا لم تستمر شركاتهم في تقديم خيار العمل عن بُعد، فسوف يبحثون عن وظيفة تفعل ذلك، فيما صنف أولئك الذين شملهم الاستطلاع مؤخرًا لمؤشر ثقة القوى العاملة في "لينكد إن"، المرونة على أنها أكثر أهمية من الراتب أو المزايا أو ثقافة الشركة.
- في أواخر أبريل ومايو، كان ما يقرب من ربع جميع طلبات التوظيف على "لينكد إن"في الوظائف التي تم الإعلان صراحة أنها عن بعد، مقارنة بـ7% فقط خلال نفس الوقت من العام الماضي.
- ليس هناك وقت أفضل للتفاوض بشأن زيادة الراتب أو الامتيازات الأخرى عند البحث عن وظيفة جديدة، خاصة أن الوباء وسع بالفعل برامج الامتيازات لتشمل رواتب العمل من المنزل، ودروس اليوغا أو التأمل الأسبوعية، بالإضافة إلى الوصول إلى المعالجين النفسيين وصناديق الطوارئ.
- لكن واحدة من أعظم المكافآت التي يمكن منحها للموظفين وبالمجان هي"امتنانهم"، ووفقًا لمسح حديث قال 79% من الموظفين الذين تركوا وظائفهم إن "عدم التقدير" كان سببًا رئيسيًا لتركهم العمل. الاستقلالية والشعور بالتوجيه الذاتي مهمان أيضًا.
المعالجة الحكيمة
- أظهرت دراسة حديثة أن 72% من الموظفين في قطاع المعرفة يفضلون نظام العمل المختلط، والذي يسمح بالعمل من المنزل جنبًا إلى جنب مع العمل من المكتب، وهذا سيتطلب درجة كبيرة من المرونة لدى المؤسسات التجارية من أجل إدارة حكيمة للقوى العاملة.
- يحب بعض الأشخاص التنقل وضجيج المكتب، ويفضل البعض الآخر الراحة في المنزل، لذا لابد من إحداث توازن جديد حول عدد المرات التي يزور فيها الأشخاص المكتب، لكن من المهم أيضًا مراعاة التأثير الذي سيحدثه النموذج المختلط على كيفية التواصل والارتباط.
- في حين أن بعض الأفراد لديهم بيئات منزلية مريحة وهادئة، فقد يواجه البعض الآخر عوامل تشتت الانتباه، لذا يتعلق الأمر بإيجاد طرق لتجميع العاملين بناءً على القواسم المشتركة وبناء البرامج والعمليات التي تستهدف احتياجاتهم الخاصة.
- قد يستدعي ذلك إنشاء بيئات تتمحور حقًا حول رفاهية الموظف،ومنحهم مزيدًا من الاستقلالية والمزيد من الخيارات والمزيد من التحكم في بيئة عملهم، ومن المهم البحث عن طرق لتطوير روابط وعلاقات في ظل غياب التفاعلات المباشرة وجهًا لوجه والتي تسمح بالاتصال العاطفي.
- تتطلب القوى العاملة ليس فقط المزيد من التنوع في القيادة والتوظيف، ولكن أيضًا المزيد من التعاطف والرحمة والتفاهم، فإنهم لا يتسامحون مع النفاق ويسارعون إلى التحدث عنه في الاجتماعات أو على وسائل التواصل الاجتماعي.
- في السباق على المواهب، كل خطوة في الوقت الحالي لها أهمية كبيرة، واللحظات المميزة التي تترك انطباعات دائمة عن ثقافة الشركة "تحدث لمرات قليلة في حياة الشخص المهنية؛ مثل بدء عمل جديد تمامًا، أن تولي منصب المدير، والآن، فإن العودة إلى العمل بعد الوباء ستكون واحدة من أبرز هذه اللحظات.
المصادر: أرقام- فورتشن- فوربس- رويترز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}