"اذا كنا سنخصص قدرًا كبيرًا من الموارد لمشاريع بنى تحتية جديدة أو للحفاظ على بنيتنا التحتية الحالية، فإن تحقيق بعض الانضباط في الطريقة التي نقرر بها ما ننفقه هو عنصر مهم في ذلك"، هكذا يقول "جيمس بوتيربا" الخبير الاقتصادي في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا الذي شارك في كتابة ورقة بحثية مع "إدوارد غلاسر" من جامعة هارفارد حول مشاريع البنى التحتية، ونشرتها مجموعة "اسبن" الإستراتيجية الاقتصادية.
الطريقة الشائعة لتحديد احتياجات البلد من البنى التحتية هي حساب تكلفة تخفيف الازدحام وتحسين وضع الطرق والجسور والمطارات ونظم النقل القائمة بالفعل، لكن هناك طريقة أخرى يقترحها "بوتيربا" و"غلاسر" وهي تحليل المشاريع بشكل فردي لتقييم ما إذا كانت هناك حاجة إليها فعلا أم لا.
المناسبة التي تتداخل مع توقيت نشر ورقة "آسبن" هي المناقشات المتداولة مؤخراً حول خطة البنية التحتية فى الكونجرس الأمريكي والتى تبلغ قيمتها نحو 579 مليار دولار وهي موجهة بالأساس إلى إصلاح وبناء النقل العام والطرق والجسور ومد خطوط طاقة جديدة وتركيب شواحن للسيارات الكهربائية.
ملخص نتائج ورقة "بوتيربا" و"غلاسر" عن البنى التحتية في الولايات المتحدة:
- تكلفة إصلاح جسر غير آمن في منطقة نائية مع حركة مرور قليلة جدًا قد تتجاوز العوائد المالية والمكاسب الاجتماعية من هذا المشروع.
- بدلاً من إنفاق الأموال على مشروع جديد، قد يكون الحل الكافي هو بناء حارات جديدة على الطريق القائم، حارات جديدة سوف تعالج الفجوة بين احتياجات أصحاب السيارات وبين قدرات الطريق.
- في بعض الأحيان، لا تكون هناك حاجة لإنفاق أي شيء أصلاً، بل يكون الحل في تحقيق إيرادات أعلى وكمثال على ذلك هو رفع الرسوم المفروضة على استخدام بعض الطرق السريعة في بعض الأوقات خلال اليوم، وهى رسوم مُتغيرة اعتماداً على أي وقت من اليوم ستسير بسيارتك على الطريق فيه، رفع الرسوم يخفض الازدحام ويقلل الطلب، وهى طريقة لخلق توازن بين العرض والطلب بدلاً من رفع العرض من الطرق، نقوم بخفض الطلب على الطرق.
- المشاريع التى تتجاوز تكاليفها عوائدها، يكون الحل الأكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية هو إغلاق الطريق أو هدمه.
- من المنطقي أكثر أن تقوم الحكومات بربط المدن بالحافلات السريعة على ممرات مخصصة لها، بدلاً من بناء خطوط سكك حديدية جديدة.
- إنشاء كيان مستقل مثل بنك متخصص للبنية التحتية، يقوم فريق عمل البنك بتحليل التكاليف والعوائد من المشاريع ولا يمول سوى التي تتجاوز فيها العوائد التكاليف، ما هى فائدة البنك؟ إنه يساعد على إبقاء الاعتبارات السياسية خارج عملية اتخاذ القرار الاقتصادي وتأثيره على البيئة ومتطلبات الصيانة والأثر الاقتصادي الطويل الأجل.
- البنك الجديد قد يواجه عقبات تتعلق بصعوبة التنبؤ برد فعل واستجابة المجتمع المحيط به حيال المشروع، قد يحدث تغييرات على التصميم يكون له أثره على التكاليف، وقد يكون صعباً قياس حجم الإقبال على المشروع بعد إنجازه وتنفيذه وما إذا كان سيستطيع تحقيق عوائد أم لا، لأنه يصعب التنبؤ بالمستقبل لذا كل هذه العقبات تُصعب من تقدير التكلفة النهائية للمشروع، ولذلك يجب أن يكون البنك حذراً في وضع تقديراته ومتحفظاً لأبعد درجة.
- من المرجح في حال اتباع هذه الطريقة من تحليل التكاليف والعوائد، أن يكون القرار السليم في أغلب الحالات هو الحفاظ على البنية التحتية القائمة بدلاً من المشاريع الجديدة، خاصة أن 47% من الإنفاق على الطرق السريعة يذهب إلى بند الصيانة فقط.
- المسئول الحكومي عادة يُفضل أو يميل إلى المشاريع الجديدة على تطوير المشاريع القائمة لاعتبارات سياسية منها مثلا: التقاط الصورة أمام الكاميرات بالمقص والشريط الأحمر، حيث يمكنك الإشارة إلى المشروع والقول إنه لم يكن موجوداً قبل عهدي والآن هو موجود".
تطبيقات ونظريات قبل 100 عام
قبل 100 عام، حدثت تفاعلات في مجتمع الاقتصاد ساهمت في تشكيل الاقتصاد بشكله الحالي بدرجة كبيرة وكان لها أثر عميق في السياسات العامة المتبعة بعد ذلك، الجدال بين "ماينارد كينز" من ناحية وحكومة "روزفلت" من ناحية أخرى نتج عنه عدة نظريات تم تطبيقها واختبارها على أرض الواقع بين 1932 و1939، هذه التطبيقات هي التى ترشد العالم في الأوقات العصيبة حتى هذه اللحظة في العالم المعاصر.
أهم التطبيقات الناجحة قبل 100 عام:
• خفض الضرائب وسعر الفائدة ضروريان لتعزيز الإنفاق الشخصي ورفع الاستهلاك.
• تعزيز الإنفاق الحكومي مهم فى أوقات الركود الافتصادي لتعزيز النمو وتنشيط الأسواق.
• لا تحاول تحقيق تعادل أو فائض؛ لأنه من الحتمي حدوث عجز في الموازنة في أوقات الركود.
• يرى أن هدم طريق قائم وإعادة بنائه ليس هدراً للمال العام في أوقات الركود، بل وسيلة لتنشيط السوق عبر زيادة الدخول وخفض البطالة.
• مشاريع البنية التحتية مهمة لخلق الوظائف بكثافة وسرعة، وفي نفس الوقت مفيدة لرفع مستوى حياة الناس، وتدعم النمو في أوقات الركود أو النمو الضعيف.
هل ورقة "بوتيربا" و"غلاسر" صحيحة تماما؟
في الواقع هذه الورقة رصدت السوق الأمريكي أو حالة البنى التحتية في أمريكا فقط وليس كل دول العالم، وتحدثت بشكل نظري عما إذا كانت الطرق والجسور والمطارات الأمريكية تحتاج إلى بناء جديد أم إصلاح القديم، لكن على كل حال هناك إجماع على أن البنى التحتية بحاجة إلى استثمارات هائلة، والإحصائيات من إدارة النقل الأمريكية تؤكد ذلك:
إحصائيات عن البنى التحتية في الولايات المتحدة الأمريكية حتى 2021 - إدارة النقل الفيدرالية
41 % هي نسبة الجسور التي لم تحظ بأي تطوير أو ترميم منذ 40 عاماً إلى إجمالي الجسور الأمريكية.
56000 هو عدد الجسور التى بها عيوب هيكلية خطيرة، منها 1900 على الطرق السريعة الرابطة بين الولايات.
67 عاماً هو عمر الجسور المعيبة، مقارنة بمتوسط يبلغ 39 عاماً للجسور السليمة.
تأثيرات المشاريع
الاستثمارات الحكومية والخاصة في قطاعات البنى التحتية المختلفة تُحدث أثراً إيجابياً كبيراً في المجتمع والبيئة المحيطة بها، فهي تؤثر على رفع جودة الحياة بالطبع لكنها أيضاً تؤثر على الإنتاجية والناتج المحلي وكذلك التوظيف والتشغيل، دراسة لمركز السياسات الاقتصادية الأمريكي وصلت لهذه النتائج:
• كل 100 دولار تُنفق على البنى التحتية ترفع إنتاجية القطاع الخاص بـ 13 دولاراً على المدى المتوسط و17 دولاراً على المدى البعيد.
• كل 100 مليار دولار تُنفق على البنى التحتية تعزز نمو الوظائف بما يقدر بـ مليون وظيفة جديدة بدوام عمل كامل.
البنى التحتية في منطقة الخليج والسعودية
دول مجلس التعاون الخليجي اتبعت سياسة استثمارية واضحة في فترة ما بعد تراجع أسعار النفط في 2014 لتنشيط الاقتصاد وخلق فرص العمل والحفاظ على معدلات النمو والاستهلاك عند حدودها المقبولة وتنويعاً للاقتصاد وفك ارتهانه بالبترول، وبتكلفة تناهز تريليوني تريليون دولار تقوم حكومات مجلس التعاون بتنفيذ أجندة ضخمة من المشاريع في مجالات النقل والطرق والأنفاق وغيرها.
نماذج من أبرز المشاريع المنفذة والجاري تنفيذها وتخطيطها في مجالات البنى التحتية بالسعودية طبقاً للبيانات المتاحة في "أرقام":
• مشروع نيوم بتكلفة 500 مليار دولار.
• مشاريع مبادرة الهيئة السعودية للمقاولين بقيمة 600 مليار ريال.
• محفظة مشاريع شركة نقل وتقنية المياه الحكومية 60 مليار ريال.
• مشاريع تحت الدراسة في قطاع الصناعة والتعدين غير النفطي 50 مليار ريال.
• مشروع البحر الأحمر – المرحلة الأولى 30 مليار ريال.
• ميزانيات مشاريع برنامج "جودة الحياة" 6 مليارات ريال.
إذن الخلاصة، الاستثمارات الحكومية جزء رئيسي من تحسن الناتج المحلي واقتصاد الدولة والاستثمارات في البنية التحتية بالأخص لها التأثير الإيجابي الأكبر بين كل أنواع الإنفاق الحكومي، لا يهم ما إذا كان الإنفاق لإصلاح مشروع قديم أم إنشاء جديد.
المهم هو أن يكون الإختيار للمشروع الأفضل والأكثر عائدًا والأعلى جدوى، والأكثر أهمية من كل ذلك هو تنشيط السوق وخلق فرص العمل فى المجتمعات المحيطة بالمشاريع، هذا يمنح أملاً لمستقبل أفضل قبل أن يعطي رواتب في جيوب الناس والأمل هو ما يمنح البشر الدافع للعمل وتحقيق مستقبل أفضل.
المصادر: أرقام – دراسة مركز آسبن – وول ستريت جورنال – بلومبرغ – إيه بي سي نيوز – إتحاد الطرق والنقل الأمريكي – إدارة النقل الفيدرالي الامريكية – مركز السياسات الإقتصادية الأمريكي – هيئة الإحصاء السعودية – رويترز – مييد– مركز أبحاث العلاقات الخارجية الأمريكي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}