"ما كل أبيض شحم وما كل أسود فحم".. هذا مثل سعودي قديم يذكره الناس دائمًا كلما رأوا شخصًا تخدعه المظاهر وتعميه عن رؤية حقيقة البواطن، فتجده يحكم على الثانية بدلالة الأولى، وهذا كما يقول أجدادنا من قلة العقل وضعف الحكمة، وهو في الوقت ذاته داء يصيب كثيرًا من الناس، ولم يسلم منه للأسف أغلب المستثمرين في سوق الأسهم!
في سوق الأسهم السعودي، توجد أكثر من 200 شركة مدرجة بالمؤشر الرئيسي (تاسي) يستثمر فيها عدة ملايين من المستثمرين الأفراد أموالهم. الآن، لو تم إجراء استبيان يُسأل فيه هذا التجمع الضخم من المستثمرين عن الكيفية التي يحدد بها ربحية أي شركة في السوق، فعلى الأغلب ستشير معظم الإجابات إلى مقياس الربحية الأشهر على الإطلاق، وهو صافي الدخل (Net Income) باعتباره المعبر الأمثل عن ربحية الشركة.
بالنسبة لأكثر المتداولين في سوق الأسهم، يعد "صافي الدخل" هو الدليل الذي لا يمكن دحضه على ربحية الشركة وبالتبعية على كفاءة إدارتها، فالشركة التي حققت صافي دخل كبير ناجحة وغيرها غير ذلك! ولكن هل هذا صحيح؟ في حقيقة الأمر، إن أقل ما يمكن قوله هو أن "صافي الدخل" بمفرده لا قيمة له حرفيًا ولا يعد دليلًا على أي شيء سواء كانت قيمته موجبة أو سالبة.
قد يتفاجأ الكثير حين يعرف أن بعضًا من الشركات التي تكشف عن أرقام "صافي دخل" مثيرة جدًا للإعجاب، هي في الواقع من بين الأفشل والأكثر خطورة كخيارات استثمارية متاحة بالسوق، وفي ذات الوقت قد لا يصدق أن هناك شركات حققت أو تحقق حاليًا صافي دخل متواضع أو حتى سالب هي في حقيقتها فرص استثمارية يجب اقتناصها في الوقت المناسب .
تلك كانت مقدمة لا بد منها من أجل تمهيد الطريق أمام سؤال التقرير الأساسي: إذا لم يكن "صافي الدخل" هو الحل، فكيف يمكن لأي مستثمر عادي أن يقيم بنفسه ربحية أي شركة في السوق بشكل صحيح؟ هذا سؤال يجب أن يشغل بال كل مَن يعز عليه خسارة ماله، ويرغب في أن يحقق أعلى عائد ممكن على أمواله المستثمرة، وإجابته بالمناسبة ليست صعبة، ولكنها في الوقت نفسه أعقد قليلًا من مجرد إلقاء نظرة خاطفة على صافي الدخل.
العائد على الأصول .. كيف تستغل الشركة أصولها؟
في البداية وقبل أي شيء، أغلب الظن أن الجميع يدرك أن أي شركة مدرجة في السوق هي بالنسبة لجمهور المستثمرين جهة تأخذ أموالهم وتستثمرها في تمويل وتطوير أعمالها من أجل توليد عوائد يستفيد منها الطرفان. ببساطة، فكر في الشركة كصندوق "ريت" أو صندوق استثمار مشترك، يأخذ مديره أموال المشتركين فيه ويستثمرها بالنيابة عنهم بغرض تحقيق أكبر عائد ممكن لهم، أي عاقل سيفضل قطعًا استثمار ماله في صندوق يحقق باستمرار عوائد عالية، الاستثمار بسوق الأسهم يحكمه نفس المنطق، ومن هنا تبرز أهمية قياس أو تقييم ربحية الشركات.
لقياس ربحية الشركة، سنستخدم في هذا التقرير مقاييس ثلاثة؛ الأول هو "العائد على الأصول" والثاني هو "العائد على حقوق الملكية" والثالث هو "التدفقات النقدية الحرة"، وذلك قبل أن نوضح كيف يمكنك استخدام المقاييس من أجل تكوين رؤية واضحة حول ربحية الشركة.
لنبدأ الآن بالعائد على الأصول، وهو مقياس تكمن أهميته في أنه يعد أحد دلائل الكفاءة، حيث إنه يخبرك كمستثمر عن مقدار الأرباح التي تستطيع الشركة تحقيقها عن كل ريال من أصولها، ارتفاع العائد على الأصول يعني أن الشركة لديها قدرة عالية على ترجمة ما يخضع لسيطرتها من أصول إلى أرباح، والعكس صحيح.
يحسب العائد على الأصول من خلال ضرب هامش صافي الربح في معدل دوران الأصول، أكثركم ربما يعرف كيفية حساب الجزء الأول من المعادلة وتحديدًا هامش صافي الربح، وهو لمن لا يعرف حاصل قسمة صافي الدخل على المبيعات، أما معدل دوران الأصول فهو نتيجة حاصل قسمة المبيعات على الأصول.
لنضرب مثالًا لكي تتضح الفكرة بشكل أفضل، شركتان مدرجتان بسوق الأسهم وتعملان بقطاع التجزئة، الأولى اسمها "الكتكوت الضعيف" والثانية يطلق عليها اسم "الأرنب المتهور"، الآن إذا نظرنا إلى بياناتهما المالية المعروضة بالجدولين التاليين سنلاحظ أن "العائد على الأصول" لدى "الكتكوت الضعيف" في السنوات الأربع الأخيرة تراوح تقريبًا ما بين 4 و5%، فيما شهد ذات المقياس تطورًا كبيرًا لدى "الأرنب المتهور" خلال نفس الفترة، حيث ارتفع من 4.3% في 2016 إلى 9.3% في 2020.
ربحية شركة "الكتكوت الضعيف" خلال الفترة ما بين 2016 و2020 |
|||||
العام |
2016 |
2017 |
2018 |
2019 |
2020 |
صافي هامش الربح (%) |
1.4 |
1.6 |
1.9 |
1.4 |
2.0 |
معدل دوران الأصول |
2.6 |
3.0 |
3.2 |
3.0 |
2.5 |
العائد على الأصول |
3.6 |
4.8 |
6.1 |
4.2 |
5.0 |
ربحية شركة "الأرنب المتهور" خلال الفترة ما بين 2016 و2020 |
|||||
العام |
2016 |
2017 |
2018 |
2019 |
2020 |
صافي هامش الربح (%) |
1.1 |
2.2 |
2.8 |
2.6 |
2.9 |
معدل دوران الأصول |
4.4 |
4.4 |
4.5 |
3.9 |
3.2 |
العائد على الأصول |
4.8 |
9.7 |
12.6 |
10.1 |
9.3 |
هذا معناه أن شركة "الأرنب المتهور" أكثر كفاءة من "الكتكوت الضعيف" في إدارة أصولها وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها، والتفاوت الكبير الملاحظ بين معدل "العائد على الأصول" لدى الشركتين مرده بالطبع إلى عاملين اثنين: الأول هو أن لـ"الكتكوت الضعيف" صافي هامش ربح أقل من نظيره لدى "الأرنب الخطير"، والثاني هو أن معدل دوران الأصول لدى الأولى أقل بشكل واضح من الثانية.
إذا نظرنا إلى "معدل دوران الأصول" لدى الشركتين خلال عام 2020، سنجد أن كل ريال استثمرته "الكتكوت الضعيف" في أصولها خلق 2.5 ريال فقط من المبيعات، في حين أن كل ريال استثمرته منافستها "الأرنب المتهور" بأصولها خلال نفس العام ساهم في تحقيق الشركة لمبيعات تقدر بنحو 3.2 ريال.
الآن هناك سؤال مهم من المفترض أنك تعرف إجابته، وهو كيف يمكن لـ"الكتكوت الضعيف" أو أي شركة أخرى تحسين العائد على أصولها؟ ببساطة يمكنها بيع منتجاتها بأسعار أعلى لكي تحقق صافي هامش ربح أكبر، أو تدوير أصولها بشكل أسرع، ولكن من الضروري الانتباه إلى أن صناعة مثل صناعة التجزئة، تمتاز بهوامش الربح المنخفضة ومعدل الدوران السريع للأصول، والثاني يعوض الأول.
العائد على حقوق الملكية .. كيف تستغل الشركة أموالك؟
يعتبر "العائد على حقوق الملكية" من أهم مقاييس ربحية الشركة؛ لأنه يخبرك كمستثمر عن مدى كفاءة إدارة الشركة في استخدام واستغلال أموال المساهمين، بعبارة أخرى، هذا المقياس يقيس قدرة الشركة على تحقيق عوائد لائقة على أموال حملة الأسهم؛ لأنه يخبرك بحجم الأرباح الذي تحققه الشركة عن كل ريال من أموال المساهمين.
لحساب "العائد على حقوق الملكية" لدى أي شركة أنت لا تحتاج سوى إلى ضرب "العائد على الأصول" في الرافعة المالية.
"العائد على الأصول" شرحنا ماهيته في السطور السابقة، لا يبقى سوى الرافعة المالية، وهي مقياس لمقدار الديون التي تتحملها الشركة، وبينما يفرح المستثمر بارتفاع قيمة مقاييس مثل هامش صافي الربح ومعدل دوران الأصول، يجب عليه أن يحذر كل الحذر من ارتفاع حجم الرافعة المالية؛ لأن هذا قد يكون بمثابة إشارة على خطورة الموقف المالي للشركة واعتمادها بشكل مبالغ فيه على الديون.
الديون قليلها أو الحجم المعقول منها يمكنه مساعدة الشركة على تعظيم أرباحها، وكثيرها قد يدفع الشركة إلى حتفها، وفي الوقت نفسه من الضروري الانتباه إلى شيء مهم جدًا، وهو أن الشركات العاملة في القطاع المالي لديها عادة روافع مالية أعلى من غيرها، وهذا شيء مرده إلى طبيعة العمل بالقطاع التي تسمح للشركات بتحمل مستويات أعلى من الديون.
لو لم تخرج من هذا التقرير سوى بالنصيحة التالية فهي تكفيك: احرص دائمًا على حساب مقاييس الربحية كـ"العائد على حقوق الملكية" مثلًا بنفسك حتى لو وجدته رقمًا جاهزًا على المواقع المالية لأن الشيطان كما يقولون يكمن في التفاصيل!
وإليك السؤال التالي: شركتان مدرجتان بسوق الأسهم وتعملان بنفس القطاع، حققت الأولى خلال العام الماضي عائدًا على حقوق الملكية يبلغ 40%، فيما لم يتجاوز العائد على حقوق الملكية لدى الثانية خلال نفس الفترة حاجز الـ10%، الآن وفق ما لديك من معلومات أي من الشركتين أكثر جاذبية كخيار استثماري بشكل يجعلك تراهن بأموالك عليها؟.
المبتدئ وقليل الخبرة سيختار الأولى تلقائيًا وبدون أي تفكير، ولن يتوقف ليسأل نفسه عن سبب هذا التفاوت الكبير بين معدلات العائد على حقوق الملكية لدى شركتين تعملان بالقطاع ذاته، كيف الحال لو أخبرتك بأن سبب ارتفاع العائد على حقوق الملكية لدى الشركة الأولى هو أن لديها رافعة مالية كبيرة جدًا، بمعنى أن الديون تمثل الجزء الأكبر في هيكل رأس المال فيما تمثل حقوق الملكية نسبة أقل بكثير؟
المحترف أو صاحب الخبرة الذي يعرف معادلة حساب "العائد على حقوق الملكية" يدرك أن هذا العائد يمكن لأي شركة رفعه من خلال زيادة قيمة أي من الرقمين المضروبين في بعضهما (العائد على الأصول والرافعة المالية).
التدفقات النقدية الحرة .. ماذا يوجد في خزينة الشركة؟
إذا ألقيت الآن نظرة على التقارير المالية السنوية والربع سنوية لأي من الشركات المدرجة بسوق الأسهم، ستلاحظ وجود بند يسمى "التدفقات النقدية التشغيلية"، وأسفل منه بقليل تجد بندًا آخر يطلق عليه اسم "النفقات الرأسمالية"، اطرح الثاني من الأول تحصل على ثالث مقاييس الربحية وهو "التدفق النقدي الحر".
التدفقات النقدية الحرة هي الأموال التي يمكن للإدارة سحبها من الخزينة دون الإضرار بأعمال الشركة، يمكن للشركة التي تمتلك قدرًا كبيرًا من التدفقات النقدية الحرة استخدام هذه الأموال في فعل أي شيء، سواء كان الاحتفاظ بها من أجل فرص مستقبلية أو تمويل عمليات استحواذ أو إعادة شراء الأسهم أو توسعة نطاق أعمالها الحالية دون اللجوء إلى أسواق المال.
أما الشركات التي لديها تدفقات نقدية حرة سالبة أي أن نفقاتها الرأسمالية أكبر من تدفقاتها النقدية التشغيلية، فيتعين عليها سد هذه الفجوة بأي طريقة سواء كان ذلك من خلال الاقتراض أو من خلال طرح أسهم إضافية بالبورصة لكي تحافظ على سير الأعمال الطبيعية للشركة.
لكن في الوقت ذاته من الضروري الانتباه إلى نقطة مهمة جدًا، وهي أن سلبية التدفقات النقدية الحرة ليست بالضرورة شيئًا سيئًا، فهناك شركات تنفق كل ريال تكسبه على مشاريعها التوسعية التي ترى فيها فرص إعادة استثمار مربحة، لتجدها في النهاية محققة عائدًا مرتفعًا على حقوق الملكية وفي الوقت ذاته لديها تدفقات نقدية سالبة.
كانت هذه نظرة سريعة على أبرز المقاييس التي يمكن للمستثمر العادي استخدامها في تقييم ربحية أي شركة بشكل أكثر دقة واحترافية من مجرد النظر على "صافي الربح" الذي لا يدل بمفرده على أي شيء، ففي سوق الأسهم البعرة لا تدل بالضرورة على البعير!.
المصادر: أرقام
كتاب: The Five Rules for Successful Stock Investing: Morningstar's Guide to Building Wealth and Winning in the Market
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}