في عام 1950 ذهب رجل الأعمال الأمريكي "فرانك ماكنمرا" إلى أحد مطاعم "مانهاتن" لتناول وجبة العشاء مع أحد أصدقائه قبل أن يفاجأ حين طلب الفاتورة من النادل بأنه قد نسى محفظته وأمواله بالمنزل، الموقف كان محرجاً للغاية قبل أن يتصل بزوجته التى جاءت لتدفع الحساب وتنقذه من المشكلة، وهنا لمعت فكرة المدفوعات غير النقدية فى عقل "فرانك".
البعض يشكك فى صحة هذه القصة وأن أحد شركائه اللاحقين فى الشركة قد اختلقها من خياله ليضفي شيئاً من الدراما على بداياتهم كي تصلح للتسويق التجاري والإعلامي، وبغض النظر عن صدقها من عدمه فإن عدم القدرة على دفع الحساب والتعرض للإحراج هو شعور سيئ لأي شخص فى أي مكان.
بدأ "ماكنمرا" فى التفكير للوصول لطريقة ما للدفع بشكل غير نقدي لتسوية المعاملات بين الدائن والمدين، ومن ثم عرض الفكرة على زميليه "ألفريد بلومينجديل" و"رالف شنايدر" اللذين رحبا بها وهنا تبدأ قصة كارت "Diners Club" الذي يُعد أول تطبيق تجاري واسع النطاق لفكرة الكروت البلاستيكية.
بعد عام واحد وصل عدد أعضاء كارت شركة "Diners Club" نحو 42 ألف عضو في 330 منشأة أمريكية تعمل فى مجالات متنوعة من المطاعم لتأجير السيارات للبقالة للفندقة، وهكذا أزاحت هذه الشركة الستار عن واحدة من أهم الصناعات فى العالم والتى تؤثر على حياة مليارات البشر.
وبحلول 1953 أصبحت الشركة كبيرة ولها عمليات حول العالم في أوروبا وأمريكا الجنوبية، لكن "ماكنمرا" لم يملك الوقت الكافي لرؤية هذا النجاح فقد باع حصته لزميليه، وتوفي 1957 لكن وجوده لم يكن ليمنع من ظهور منافسين جدد وتكنولوجيا أسرع وأفكار أذكى.
فيزا تسحق Diners Club
رغم أن "Diners Club" كانت لها السبق، لكن "فيزا" لها الهيمنة للدرجة التى جعلت العديد من الناس حول العالم يخلطون بين اسم المنتج واسم الشركة، فالملايين في يومنا هذا يطلقون على أي كارت بنكي بلاستيكي اسم "فيزا" حتى لو لم يكن مرتبطاً بنظام "فيزا" من الأساس ففي نظرهم اسمه "فيزا" وهذا يعطي دلالة على مدى هيمنة وتأثير الشركة على حياة البشر هذه الأيام.
"فيزا" لا تطبع الكروت البلاستيكية بل هى مجرد نظام لتسوية المعاملات المالية إلكترونياً فقط، بما تملكه من قاعدة بيانات تساعدها على الربط بين جميع الحسابات البنكية للأفراد والمؤسسات مع البنوك، وتوحد بينها بما يضمن سرعة وسلاسة إجراء حركة نقل الأموال من الجانب المدين للجانب الدائن، هذا هو دور شركات مثل "فيزا".
المعلومة الخاطئة الثانية، "فيزا" ليست الشركة الأكبر فى سوقها، بل "يونيون باي" الصينية، لكن الأخيرة تعتبر إلى حد كبير شركة محلية تستفيد من التعداد السكاني الضخم لدولة مثل الصين ولكن "فيزا" تتسم بالبُعد العالمي والعمليات العابرة للقارات بفضل انتشارها في كافة دول العالم وعقدها اتفاقيات مع أغلب، إن لم يكن كل، بنوك العالم.
رحلة شركة "فيزا" 1958 - 2021 |
|
1958 |
بنك "أوف أميركا" يعلن إطلاق كارت "bankofamericard" أو بنك أوف أميركارد لتسوية المعاملات المالية (ورقيا) عبر الكارت البنكي البلاستيكي. |
1973 |
بنك "أوف أميركا" يعلن إطلاق أول نظام (إلكتروني) لتسوية المعاملات المالية فى العالم. |
1975 |
بنك "أوف أميركا" يعلن إطلاق أول كارت خصم مباشر فى العالم. |
1976 |
Bankofamericard يصبح فيزا وهو العام الذي شهد ميلاد اسمVisa باللونين الأزرق والذهبي. |
1983 |
فيزا تطلق أول ATM توفر خدمة سحب الأموال 24 ساعة 7 أيام فى الأسبوع. |
1986 |
فيزا تطلق أول نظام لتسوية المعاملات الدولية بـ 21 عملة مختلفة. |
1989 |
إطلاق التوقيع الإلكتروني. |
1997 |
تحقيق أول تريليون دولار من تسوية المعاملات المالية. |
2001 |
أول مليار كارت بنكي مربوط بنظام فيزا. |
2006 |
تحقيق 4.4 تريليون دولار من تسوية المعاملات المالية. |
2007 |
إعادة هيكلة إدارية وتأسيس شركة عالمية جديدة Visa inc. |
2008 |
إطلاق تطبيق "فيزا" على الهواتف الذكية. |
2008 |
طرح "فيزا" فى بورصة نيويورك وتجمع 17.9 مليار دولار لتصبح صاحبة أكبر اكتتاب فى تاريخ الولايات المتحدة في ذلك الحين. |
2021 |
"فيزا" متواجدة فى أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم ومتاحة على كافة الأجهزة الإلكترونية |
لماذا نستخدم وسائل الدفع الإلكتروني؟
حين سئل عدد من المستهلكين حول دوافعهم لاستخدام المحافظ الإلكترونية وغيرها من وسائل الدفع غير النقدي، كانت إجاباتهم بالترتيب كما يلي:
- السهولة، الراحة والسرعة.
- الدفع فى أي مكان وفى أي وقت.
- الأمان فى المدفوعات الإلكترونية.
- الخصومات والعروض والجوائز.
- وفرة الخيارات المختلفة للدفع.
- المساعدة على تخطيط نفقاتهم.
- سهولة الربط مع التطبيقات الأخرى.
المدفوعات عبر الجوال أثناء الجائحة
كان عام 2020 عاما لا مثيل له في كل مناطق العالم، التعامل مع الأوراق النقدية أصبح محفوفا بالمخاطر وهناك قلق من نقله للعدوى رغم عدم ثبوت ذلك، لذا ازدهرت تطبيقات التجارة الإلكترونية والدفع غير النقدي، والأمر لم يقتصر فقط على المستهلكين الأفراد والأسر، بل امتد ليشمل أيضا المؤسسات والأعمال التجارية وأصبح الناس مرتبطين أكثر من أي وقت مضي بالتحويلات المالية الرقمية والدفع الإلكتروني البعيد عن التعامل مع أي عنصر بشري.
إحصاءات الدفع عبر الجوال فى 2020 |
|
المعاملات اليومية عبر الجوال |
مليارا دولار |
الحسابات الجديدة النشطة/شهريا |
300 مليون حساب بمعدل نمو 17% على أساس سنوي |
قيمة المعاملات المالية |
767 مليار دولار بمعدل نمو 22% على أساس سنوي |
الشركة |
الدولة |
سنة التأسيس |
الإيرادات |
صافي الدخل |
عدد الموظفين |
فيزا |
الولايات المتحدة |
1958 |
21.8 |
10.9 |
20.5 |
باي بال |
الولايات المتحدة |
1998 |
21.5 |
4.2 |
26.5 |
ديسكفر فاينانشال |
الولايات المتحدة |
1985 |
13 |
1.1 |
17.6 |
أمريكان إكسبريس |
الولايات المتحدة |
1850 |
38.2 |
3.1 |
63.7 |
كابيتال ون |
الولايات المتحدة |
1994 |
28.5 |
2.7 |
52.0 |
ماستر كارد |
الولايات المتحدة |
1966 |
15.3 |
6.4 |
21.0 |
التهديدات والفرص
كلما ساعدت الظروف على دفع الناس تجاه الدفع غير النقدي مثل ظروف الجائحة مثلا، كان ذلك فى صالح أي نظام إلكتروني عالمي يقوم بتسوية المعاملات المالية مثل "فيزا" و"ماستر كارد" وغيرهما، وهناك طفرة عالمية في اتجاه تقليل وتفادي أي مدفوعات بالعملات الورقية وتسويتها بالطرق الرقمية.
لكن التهديدات تبدأ في الظهور حين لا تكون هناك حاجة إلى البنوك وهذا هو الخطر الحقيقي لشركات التكنولوجيا المالية، طبيعة عمل هذه الشركات (مثل "فيزا") ترتبط ارتباطاً مباشراً بالبنوك، لأن البنوك هى المخزن الذي يحتفظ بأموال الناس الملموسة أي العملات الورقية أو ما يناظرها من غطاء.
و"فيزا" تقوم فقط بتحويل هذه الأصول الملموسة إلى أصول غير ملموسة أو إلكترونية لكي تستطيع تنفيذ معاملاتك ومشترياتك بدعم من هذا الغطاء النقدي، لكن لو ظهر نظام جديد يربط الأفراد والمؤسسات مباشرة بالبنوك المركزية ستتوقف الحاجة إلى البنوك التجارية أو بنوك التجزئة.
خطر الـ CBDC
مصطلح العملة الرقمية للبنوك المركزية أو "CBDC"، وهو مشروع تجريه عشرات السلطات النقدية حول العالم لمواكبة تطور صناعة المدفوعات المالية ومواجهة التهديدات الأخرى من العملات المشفرة غير الرسمية، المشروع بدأ بالفعل بين مراحل التجريب أو البحث والتطوير أو الإطلاق التجريبي.
مشروع الـ CBDC حول العالم |
|
توصيف المرحلة |
عدد الدول |
مرحلة الإطلاق التجريبي |
14 |
مرحلة التطوير |
16 |
مرحلة البحوث |
32 |
مرحلة إطلاق فعلي |
5 |
قفزة فى تجارب CBDC
وفقاً لمركز أبحاث "أتلانتك كاونسل"، يوجد الآن 90 دولة تمثل 90% من الاقتصاد العالمي تقوم بإستشكاف هذا النوع من العملات الجديدة، وقبل عام كان هناك 35 دولة فقط في تقرير المركزالصادر في مايو 2020.
الصين تقود السباق وستقوم بالسماح للزوار الأجانب بتجربة استخدام "اليوان الرقمي" في الألعاب الأولمبية الشتوية القادمة، وهناك دول أخرى فى مرحلة التجريب مثل السويد وكوريا تستعد للإطلاق الكامل، ومن وجهة نظر صندوق النقد الدولي فالـ CBDC يمكن أن تكون مفيدة للاقتصاد لأنها يمكن أن تفعل ما يلي:
- تكاليف أقل فى التحويلات.
- تعزيز نشر الشمول المالي.
- المساهمة فى نجاح السياسة النقدية.
- فاعلية وصول الأموال الحكومية في فترات الركود لمستحقيها عبر الجوال.
"عابر" السعودي الإماراتي
في المنطقة العربية يبرز مشروع "عابر" بين السعودية والإمارات فى قائمة أبرز مشاريع البحوث والتطوير الخاصة بالـ CBDC، حيث أطلق البنك المركزي فى كلا البلدين بياناً مشتركاً في نوفمبر الماضي أوضحا فيه أن تجربة "عابر" تهدف إلى فهم ودراسة أبعاد إصدار عملة رقمية مركزية من أجل تنفيذ التحويلات المالية بين البنوك فى البلدين (ثلاثة بنوك من كل دولة) بشكل يضمن تقليص مدة إنجازها وتخفيض تكلفتها.
وجهة نظر مخالفة
هناك رأى آخر لا يرى أي تهديد للبنوك بل يراه فرصة، أحد قادة هذا الاتجاه "جون فيلساريوز" المدير الإداري لتقنية البلوك تشين فى شركة الاستشارات الأيرلندية "أكسنشر Accenture" وأحد المساهمين فى فرق العمل بالشركة التى كانت شريكة في مشروع العملة الرقمية لبنك السويد المركزي (e-krona أو كرونا الإلكترونية)، ويمكن تلخيص رأيه كما يلي:
- الـ CBDC ليست نظام مدفوعات جديدا، وإنما شكل جديد من النقود.
- البنوك سوف تستمر فى عملها المعتاد: تلقي الودائع، فتح الحسابات، إجراء التحويلات وخلافه.
- البنوك التى تريد الحفاظ على بقائها يجب أن تغير منهجية وآلية عملها وبنيتها التحتية التكنولوجية.
- لا نزال في حاجة لمزيد من الوقت لفهم شكل النظام الجديد للعمل تحت مظلة الـ CBDC.
- على البنوك اكتشاف الثغرات ونقاط الخلل التى ستمنعها من التأقلم مع النظام الجديد للنقود حتى تتمكن من التطور.
- الناس سيتوقفون تدريجياً عن استخدام الكروت البلاستيكية وسيبدأون في استخدام الجوال في سداد وتلقي كل معاملاتهم المالية، وعلى البنوك التجارية وبنوك التجزئة التفكير في ذلك من الآن وكيف سيتعاملون مع الوضع الجديد.
إذن الخلاصة أنه على البنوك التجارية وبنوك التجزئة أن تتأقلم مع المستقبل الجديد للعملات، وبناءً على تطورها ستمهد الطريق نحو تأقلم شركات أنظمة تسوية المدفوعات المالية مثل "فيزا وماستر كارد" وغيرهما، لأن مسألة تولي البنوك المركزية تسوية معاملات ملايين المستهلكين والمستخدمين بدلاً من هذه الشركات والبنوك؛ هى مسألة غير مرجحة.
وعدم ترجيح هذه المسألة يعود إلى أنها تحتاج إلى موارد بشرية ومالية وبنية تحتية هائلة من الصعب على الحكومات والسلطات النقدية أن توفرها، ويبلغ عدد العاملين فى أكبر 6 شركات تكنولوجيا مالية 200 ألف موظف.
ورغم ضخامة هذا العدد من الموظفين لكن من يعلم قدرة الذكاء الصناعي وإمكانياته في المستقبل؟ فقد تتمكن بعض المؤسسات البحثية الشريكة للبنوك المركزية من تطوير نظام وبرمجيات قادرة على التعامل مع حجم معاملات مالية ملياري يومياً من دون الحاجة إلى توظيف كل هذا الكم من الموظفين، لذا فالتوقعات يصيبها كثير من عدم اليقين والتأرجح في هذا الشأن.
المصادر: أرقام – صندوق النقد الدولي - أكسنشر للاستشارات - مركز أبحاث أتلانتك كاونسل – إس آند بي جلوبال أنتلجنس – جي إس إم أرينا – سي إن بي سي – إيكونوميست – نيرد ووليت – البنك الفيدرالي فى أطلانطا – فيزا – كرافت لدراسات السوق – مركز أبحاث كابجيميني – المركزي السويدي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}