نبض أرقام
04:48 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/12/18
2024/12/17

ببساطة ودون تعقيد .. كيف يمكن للمستثمر العادي تقييم إدارات الشركات في سوق الأسهم؟

2021/09/10 أرقام - خاص

ما هي الشركات الأفضل في سوق الأسهم السعودي؟ وأيها يستحق أن أستثمر فيه أموالي التي لم أجنها إلا بشق الأنفس؟ وما الشركة التي ستكون قادرة أكثر من غيرها على الصمود في وجه تقلبات الزمن؟ هذه عينة من الأسئلة التي يطرحها كثير من المستثمرين في سوق الأسهم يوميًا على أنفسهم، في إطار سعيهم الحثيث لاختيار الأفضل من بين أكثر من 200 شركة يتم تداول أسهمها اليوم في السوق.

 

 

أثناء محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، تبرز معايير ومقاييس يحاول الناس على أساسها المفاضلة بين الأسهم المتاحة في السوق، من بينها على سبيل المثال، الإيرادات وصافي الأرباح وحجم التوزيعات ومكرر الربحية ومضاعف القيمة الدفترية والحركة السعرية للسهم، ولكن قلة قليلة جدًا هي من تولي الاهتمام بأحد أهم عناصر تقييم الشركات إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وهو كفاءة إدارة الشركة.

 

خطايا إدارات أضاعت شركات ودمرت ثروات

 

في سوق الأسهم يا سادة لا يوجد ما يمكنه أن يؤثر على نجاح أو فشل الشركة أكثر من أداء إدارتها التنفيذية، الإدارة التي تتمتع بالكفاءة وقبل ذلك الضمير بإمكانها وضع شركة متوسطة بموارد محدودة على القمة في مجالها، وتحقيق ثروة هائلة للمساهمين، هؤلاء يتعاملون مع الشركة ويهتمون لأمرها كما لو أنهم أصحابها، وليس مجرد أيد عاملة مأجورة لا تبالي إذا ما غرقت السفينة أو انهار المعبد فوق رؤوس أصحابه.

 

سوق ضخم وقديم مثل سوق الأسهم السعودي، لا يفتقر بالتأكيد لقصص شركات غرقت أو خسرت جزءًا كبيرًا من قيمتها السوقية لا لشيء إلا بسبب سوء الإدارة، وبعضكم ربما يحفظ تلك القصص عن ظهر قلب ويتذكرها كأنه يراها أمامه الآن رأي العين، ورغم ذلك قد يكون من الأفضل عدم نكأ جروح ربما لم تندمل بعد، ولكن هذا لا يمنع من التذكرة بحادثة شبيهة وقعت في سوق الأسهم الأمريكي.

 

 

قبل ما يقرب من 41 عامًا، وتحديدًا في عام 1980 نشرت مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" مقالًا أشارت فيه إلى أن "بنك أوف أمريكا" هو أكبر بنك في العالم، حيث يمتلك 1100 فرع ويعمل في أكثر من 100 بلد مع إجمالي أصول يقدر بنحو 100 مليار دولار، ويرى العديد من المراقبين أن الإنجاز الذي لا يقل أهمية عما سبق هو جودة إدارة البنك".

 

في ذات العام، تولّى إدارة البنك الأمريكي مدير تنفيذي جديد يدعى "صموئيل أرماكوست"، وتمكن الرجل خلال ثماني سنوات فقط من تدمير البنك الذي كان يعتبر إحدى أنجح المؤسسات المالية في العالم، قبل أن يدفعه نحو تحقيق أكبر خسائر في تاريخ قطاع البنوك الأمريكية، وهي الخسائر التي أثرت على سوق الأسهم وكذلك على الدولار الأمريكي، وتسببت في خسارة البنك لأكثر من 80% من قيمته السوقية، وتبديد ثروة المساهمين في لمح البصر.

 

عينك على المرتبات والمكافآت!

 

رغم كونها عنصرًا مهمًا وحرجًا في تقييم الشركة، إلا أن أكثر المستثمرين لا يحاولون للأسف التحقق من جودة وكفاءة الفرق الإدارية للشركات التي يفكرون في وضع أموالهم فيها، وعذرهم في ذلك هو أنه ليس باستطاعتهم تقييم الإدارة دون مقابلتها وجه لوجه، ولكن من قال أصلًا إنك يجب أن تقابل الإدارة لتتمكن من تقييمها؟ أنت بالتأكيد لست بحاجة للوقوف أمام المدير التنفيذي ودفعه للحلف على أن لن يقوم بأي ضرر للشركة.

 

بفضل الثورة المعلوماتية التي صاحبت ظهور الإنترنت، أصبح من الصعب اليوم أن يكون هناك مدير تنفيذي يدير شركة عامة مدرجة بالسوق لا توجد عنه معلومات وأدلة موضوعية كثيرة متاحة للاطلاع، بفضل تلك الوفرة المعلوماتية أصبح بإمكان أي مستثمر مهما كانت خبرته تقييم الفريق الإداري لأي شركة، وذلك من خلال الفحص والتدقيق في ثلاثة عناصر: الأول هو بند التعويضات والمكافآت والثاني هو الشخصية والثالث هو الكفاءة الإدارية.

 

 

لنبدأ بالتعويضات بما أنها أسهل عنصر يمكن العثور عليه وتقييمه من خلال النظر إلى بيان الوكالة أو (Proxy statement). بيان الوكالة هو عبارة عن نموذج ترسله الشركات إلى مساهميها في وقت قريب من الاجتماع السنوي للجمعية العمومية، وهو يوضح بالتفصيل المبالغ التي يتقاضاها مديرو الشركة التنفيذيون وطبيعة الامتيازات التي يحصلون عليها.

 

أول ما يجب أن يلفت انتباهك هو حجم وهيكل ما تمنحه الإدارة لنفسها من رواتب ومكافآت، بشكل عام، يفضل كثير من المحللين المكافآت الكبيرة المرتبطة بالأداء بدلًا من الرواتب الأساسية الكبيرة التي سيحصل عليها المدراء بغض النظر عن مدى سوء أو جودة أداء الشركة، لأن الأولى تجعل الإدارة أكثر حرصًا على تحقيق الشركة لنتائج جيدة.

 

هذا بالنسبة لهيكل الرواتب، أما بالنسبة للحجم، نلاحظ أنه بشكل عام كلما كان الأداء المالي للشركة أفضل وكلما كان حجمها أكبر، أصبح من المنطقي أن يتقاضى مدراؤها التنفيذيون أجورًا كبيرة، لكن في الوقت نفسه، تجد أن بعض المديرين التنفيذيين الذين يديرون شركات ضخمة يتعاملون مع أموال الشركة كما لو أنهم ورثوها عن آبائهم، ويمنحون أنفسهم رواتب ضخمة بغض النظر عن ضعف كفاءتهم أو سوء أدائهم.

 

من هنا تبرز أهمية الربط بين الرواتب والمكافآت من جهة، وبين الأداء التشغيلي للشركة من جهة أخرى، في العديد من الشركات يتم وضع ما تسمى بـ"أهداف الأداء" من قبل لجنة فرعية في مجلس الإدارة، لكي تحفز المدراء التنفيذيين على تقديم أفضل ما لديهم في قيادة الشركة، مما يدعم نجاحها تجاريًا ويعزز من ثروة المساهمين.

 

حين تحاول تحديد ما إذا كان ما يحصل عليه مديرو الشركة التنفيذيون من رواتب ومكافآت مناسبًا أو مبالغًا فيه، قد يكون من المفيد أن تلقي نظرة على هيكل الرواتب والمكافآت الخاص بالإدارات التنفيذية بالشركات المنافسة العاملة بنفس المجال.

 

 

خلاصة القول في هذه النقطة هو أن رواتب التنفيذيين يجب أن ترتفع وتنخفض بناء على أداء الشركة، والشركات القوية التي تتمتع بمستويات معقولة من الحوكمة، لن تتردد في دفع رواتب ومكافآت أقل للتنفيذيين لديها في حال ساءات نتائج الشركة، أو في دفع رواتب أعلى لهم إذا حققت نتائج جيدة، هذا هو النمط الذي يخدم مصلحتك كمساهم.

 

ولكن قبل أن ننتقل إلى العنصر الثاني من المهم أن نشير إلى ضرورة التأكد من عدم حصول المدراء التنفيذيين على امتيازات مبالغ فيها تدفع حسابها الشركة في حين أنهم من يجب أن يتحمل تكاليفها بأنفسهم، هذه الممارسة إلى جانب أنها غير عادلة وترسل رسالة سيئة لموظفي الشركة، فهي قبل ذلك إهدار لأموال المساهمين الذين يملكون هذه الشركة.

 

محاباة الأصدقاء والأقارب

 

عندما نتحدث عن العنصر المتعلق بالشخصية، نجد أن هناك بعض الأسئلة المهمة التي يجب عليك طرحها لتحديد ما إذا كانت إدارة الشركة تستحق ثقتك، وتشمل هذه الأسئلة على سبيل المثال السؤال التالي: هل تستخدم الإدارة موقعها في الشركة كوسيلة لإثراء الأصدقاء والأقارب؟

 

في القوائم المالية للشركات ستجد هناك بند يسمى "المعاملات مع الأطراف ذات الصلة"، فإذا كان هناك قريب أو صديق لأحد المدراء التنفيذيين يجري معاملات مع الشركة فمن المفترض أن تجد هذه المعلومة هناك، في أغلب الوقت تكون المعاملات المذكورة في هذا البند صغيرة الحجم والقيمة وبالتالي غير مؤثرة بأي شيء.

 

لكن عندما تجد أن الشركة تدفع مبالغ كبيرة من المال لشركة ديكور مثلًا تمتلكها أو تديرها زوجة الرئيس التنفيذي، أو إلى شركة محاماة يتواجد بها صهر المدير المالي كشريك فهذا ما يثير القلق، ليس مطمئنًا أبدًا أن يكون للشركة معاملات كبيرة مع الأطراف ذات الصلة؛ لأن هذا في أحيان كثيرة قد يكون بابًا خلفيًا للفساد، وانتفاع دائرة ضيقة على حساب مصلحة الشركة ومساهميها.

 

 

هذه الجزئية تقودنا لسؤال آخر مهم وهو: هل مجلس الإدارة مكدس بأفراد تربطهم قرابة أو بمجموعة من المدراء السابقين للشركة؟ هذه معلومة تجدها في السير الذاتية لأعضاء مجلس الإدارة، الأقارب والمدراء السابقون الموجودون في مجلس إدارة الشركة من الوارد جدًا ألا يكونوا جادين في محاسبة الرئيس التنفيذي ومراقبة أدائه، وهذه مشكلة كبيرة بالنظر إلى أن مجلس الإدارة هو خط الدفاع الأهم عن مصالح المساهمين ضد أي فساد محتمل من الإدارة التنفيذية.

 

السؤال التالي الذي ستخبرك إجابته بالكثير عن شخصية الإدارة التنفيذية هو إلى أي مدى الإدارة صريحة بشأن أخطائها؟ أفضل المديرين التنفيذيين في العالم يقعون من وقت لآخر في أخطاء بعضها فادح، لأنهم قطعًا لا يفهمون كل شيء، ولكن ما يفرق بين الإدارة الجيدة وغيرها هو أن الأولى لديها الشجاعة للاعتراف بأخطائها ومناقشة أسبابها بصراحة مع جمهور المساهمين.

 

حتى لا تكون جعجعة بلا طحين!

 

أصبحنا متفقين الآن على ضرورة أن يحصل المدراء التنفيذيون على وراتب معقولة وفي نفس الوقت أن يكون لديهم حد أدنى من الصدق والنزاهة، يأتي الآن الدور على العنصر الثالث وهو كفاءة وقدرة هؤلاء المدراء على إدارة أعمال الشركة ومصالح المساهمين بشكل جيد.

 

أول ما يجب فعله للتعرف على كفاءة الإدارة، هو ببساطة الاطلاع على الأداء المالي للشركة خلال فترة عمل فريق الإدارة الحالي، ويمكن للمستثمر أن يلقي نظرة على مقاييس ومؤشرات مثل العائد على حقوق الملكية والإيرادات والربحية وحجم الأصول وحجم الديون وهيكل الملكية وحجم الرافعة المالية المستخدمة وتطور عدد الأسهم المصدرة وطبيعة وقيمة صفقات الاستحواذ إن وجدت.

 

 

هذه كانت نظرة سريعة على أبرز الأسئلة والعناصر التي يمكنها مساعدة المستثمر في تقييم إدارة الشركة قبل أن يقدم على الاستثمار ووضع أمواله فيها، وفي النهاية قد يكون من المفيد تذكر عبارة أسطورة سوق الأسهم، الملياردير الأمريكي "وارن بافيت" والتي قال فيها: "إذا كنت لا تعرف في المجوهرات، فاعرف الجواهرجي".

 

المصادر: أرقام – هافارد بيزنس ريفيو

كتاب: The Five Rules for Successful Stock Investing

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.