قبل عقود طويلة كان يُطلق على بريطانيا العظمى الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، وكان يُقصد بهذه العبارة التدليل على اتساع رقعة ونفوذ هذه الإمبراطورية حول العالم، لكن منذ منتصف القرن الماضي وبدأت تتزايد دلالات المعنى المباشر للعبارة: خفوت سطوع الشمس في سماء لندن.
لأنه يبدو في الوقت الحالي أن الشمس بالفعل قد غابت عن بريطانيا، بالتزامن مع مشكلات تواجه مزيج الطاقة الهيدركربوني الذي لطالما اعتمدت عليه دول شمال أوروبا المنتجة للنفط والغاز وعلى رأسها بريطانيا وهولندا والنرويج في ظل التوجه نحو تقليل استخدام هذه الموارد الملوثة داخل حدودها الجغرافية والتركيز على تصديرها.
إحصائيات أبرز الدول الأوروبية فى إنتاج النفط والغاز الطبيعي (2019) |
|||
الدولة |
إنتاج الغاز "مليون قدم يوميا" |
الدولة |
إنتاج النفط "مليون برميل يومياً" |
النرويج |
5.7 |
النرويج |
2.0 |
هولندا |
1.9 |
بريطانيا |
1.0 |
بريطانيا |
1.6 |
ألمانيا |
0.2 |
بالعودة إلى شتاء عام 1952 غطى مدينة "لندن" ضباب دخاني كثيف تسبب فى مقتل نحو من 4 إلى 8 آلاف شخص، ونتج عنه مشاكل بالتنفس لملايين السكان فى ذلك الوقت بلندن وخارجها، الضباب كان كثيفاً لدرجة وقف المواصلات والتنقل وإلغاء الحفلات فى المسرح لعدم القدرة على الرؤية الطبيعية بالعين.
دراسات لاحقة بعدة عقود، قدرت الضحايا بنحو 12 ألفًا من سكان "لندن" وآلاف أخرى من الحيوانات، وتوصل العلماء إلى أن هذه الكارثة جاءت مع احتياج الناس لمزيد من التدفئة نتيجة برد ديسمبر القارس، ثم التدفئة كانت تتم بفحم رديء، هذا الفحم تفاعل مع الضباب الطبيعي الموجود في الجو والذي بدوره اندمج مع جزيئات حمض الكبريتيك وتحول إلى رذاذ حمضي قاتل حول النهار إلى ظلام كامل.
الطاقة الشمسية: التاريخ القديم
700 عام قبل الميلاد بدأت أول صورة بدائية لاستغلال الطاقة الشمسية وتسخيرها بشكل شديد البساطة والسطحية، وكان عبارة عن تحريك المرآة إلى ضوء الشمس فى اتجاه جسم آخر لحرقه أو حتى تسوية الطعام وتسخين المشروبات.
واليوم بعد أكثر من ألفي عام على هذا الاستخدام البدائي، تحولت الشمس من مجرد مصدر للإضاءة ولعبة المرايا إلى مصدر لتوليد الكهرباء لملايين البشر ومورد طاقة يساهم بنحو 2.7% من مزيج الطاقة الكهربائية العالمي حتى 2019.
تسلسل زمني لتاريخ الطاقة الشمسية
تسلسل زمني مختصر لتاريخ الطاقة الشمسية "من قبل الميلاد حتى 2000" |
|
الحقبة الزمنية |
الحدث |
قبل الميلاد |
استخدام المرايا العاكسة لضوء الشمس على الأواني لتسوية الطعام أو حرق وتسخين الأشياء. |
1767 |
أول فرن يعمل بالطاقة الشمسية فى سويسرا. |
1883 |
تصنيع أول خلية فوتون-فولتية على يد "تشارلز فريتز". |
1905 |
تقديم ورقة بحثية عن نظرية الضوء "الفوتون" على يد المخضرم "ألبرت أينشتاين". |
1954 |
اختراع أول خلية طاقة شمسية علي يد "ديفيد تشابين" و"كالفن فولر" و"جيرالد بيرسون". |
1977 |
تأسيس أول مركز بحثي حكومي للطاقة الشمسية في الولايات المتحدة. |
بحلول 2000 |
التوصل إلي تطبيقات عملية واسعة النطاق في السيارات والطائرات ومحطات الطاقة والمنازل والزراعة والصناعة. |
بالطبع قصة الضباب الدخاني عام 1952 حدثت نتيجة تزامن عدة عناصر مع بعضها البعض في توقيت واحد، لكن التلوث كان هو العنصر الجوهري عبر استخدام الفحم الملوث منخفض الجودة، بينما كان الفحم مرتفع الجودة يتم تصديره للخارج بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة للموازنة الحكومية البريطانية فى ذلك الوقت.
وبالفعل اتسم الكثير من المدن الصناعية حول العالم ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا- ومع ارتفاع التلوث الصناعي- بالسحب والضباب الكثيف أغلب أوقات السنة، وبالتزامن مع درجات الحرارة المنخفضة فى هذه المناطق العالم خاصة الشمال والغرب الأوروبي، أصبحت الشمس لا تُرى سوى أسابيع قليلة فى السنة، وهنا تظهر فرصة الدول منخفضة التلوث والمُشمسة.
ظهور الفرصة
الفرصة تستطيع إستغلالها أي دولة تمتلك موارد طاقة شمسية مستقرة ومستدامة على مقربة من أوروبا وتتسم بإنخفاض نسب التلوث الصناعي بالتزامن مع طول ساعات سطوع الشمس يومياً بها، بالتالي تكون هذه الدولة مؤهلة لإقتناص فرصة مربحة للغاية لتصدير ونقل الطاقة الشمسية إلى البلدان التى تعاني من العجز فى الشمال والغرب الأوروبي وهو ما حدث بالفعل السنوات الأخيرة عبر إطلاق عدة مشاريع وخطط.
محاولة جذب أكبر الشركات العاملة في هذه الصناعة والتى بلغت إستثماراتها حول العالم فى 2019 ما يناهز 131 مليار دولار إضافة إلى توطين صناعة متقدمة مثل الطاقة الشمسية، يتطلب قائمة طويلة من الإصلاحات والتشريعات وبيئة العملالمحفزة والمواتية، بجانب ضرورة وجود الدعم من الحكومات وواضعي السياسات، وبدون توافر هذه العناصر لن تنجح مخططات نقل الطاقة الشمسية لمسافة آلاف الكيلومترات إلى المستهلكين.
مشروع X-links
نجحت المغرب في الإستعداد لهذه الفرصة قبل 10 سنوات، حين بدأت خطة طموحة لإستثمار الشمس والرمال المتوفرة بغزارة لديها فى الصحراء، وذلك بتهيئة مناخ الأعمال فى هذه الصناعة الناشئة وبتدشين مشاريع طاقة متجددة ضخمة تهدف عبرها بالوصول إلى إنتاج 12900 ميجاواط بحلول 2030 من مختلف مصادر الطاقة المتجددة.
أحدث المشاريع الطموحة لنقل الطاقة هو مشروع X-linksالمغربي البريطاني وبمشاركة شركة الطاقة السعودية "أكوا باور"، المشروع يستهدف نقل الطاقة المتجددة من المغرب إلى بريطانيا عبر كابلات تحت البحر مستغلة الفائض الكبير لدى "الرباط" لتلبية احتياجات "لندن" المتعاظمة من الكهرباء، كما أن الطاقة المولدة ستكون قادرة على تلبية 8% من احتياجات بريطانيا من الكهرباء.
معلومات عن مشروع X-links من المغرب إلى بريطانيا |
|
طول الكابلات البحرية |
3800 كم |
تكلفة المشروع |
21.9 مليار دولار |
سعة الطاقة المولدة |
10.5 جيجاواط |
تاريخ انتهاء المشروع |
2030 |
مشروع Euro-Africa Interconnector
مشروع يضم كلاً من مصر وقبرص واليونان، يقوم على توصيل كابلات بحرية تربط شبكات الكهرباء المصرية بشبكات الكهرباء الأوروبية وإستخدام قبرص كدولة معبر بهدف إنارة أوروبا والوصول إلي خطوط التوزيع الخاصة بدولها، المشروع يعتمد على خطط مصر نحو تنويع مصادرها للطاقة المتجددة وإدخال الشمس والرياح فى مزيج الطاقة.
عبر قدرات إجمالية تبلغ 50 جيجاواط، يُقدر الفائض منها بنحو 10 جيجاواط، تستطيع "القاهرة" تقديم نفسها كمورد جديد لأوروبا المتعطشة للطاقة واليائسة بإيجاد مورد جديد قد يُخفف من وطأة الضغط الروسي الذي يعتمد بدوره على تسييس الغاز الطبيعي ويحوله لأداة مسلحة فى العلاقات الدبلوماسية.
معلومات عن مشروع Euro-Africa Interconnector من مصر إلى أوروبا |
|
طول الكابلات البحرية |
1650 كم |
تكلفة المرحلة الأولى |
3 مليارات دولار |
سعة الطاقة المولدة |
1 جيجاواط |
تاريخ انتهاء المرحلة الأولى للمشروع |
2023 |
الطاقة المتجددة: السعودية
تحت مظلة رؤية المملكة 2030، تم إطلاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة والذي بدأ في وضع خارطة طريق محددة ومتسقة لتنويع مصادر الطاقة المحلية والعمل على استقرار اقتصادي مستدام في المملكة في ضوء أهداف رؤية المملكة 2030 والتي تتضمن تأسيس صناعة الطاقة المتجددة ودعم تطور هذا القطاع الواعد.
وفي أبريل الماضي، قامت حكومة المملكة بافتتاح مشروع "سكاكا" لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، إضافة إلى توقيع اتفاقيات شراء الطاقة لـ 7 مشروعات جديدة، والمستهدف من مشاريع مثل "سكاكا" و"دومة" و"الجندل" إضافة طاقة إنتاجية قدرها 3600 ميجاواط توفر الكهرباء لأكثر من 600 ألف وحدة سكنية وتُقلل الانبعاثات المسببة للاحتباس بمقدار 7 ملايين طن.
أزمة أوروبا الأخيرة
ما يزيد أهمية مشاريع الربط الأوروبية مع دول فائض الطاقة الشمسية، هو أزمة الطاقة التي اندلعت في الشهور الأخيرة والتى أدت إلى تضاعف سعر الغاز الطبيعي وانخفاض ملحوظ في وفرة مصادر الطاقة مع تباطؤ إنتاج الطاقة من الرياح في بحر الشمال بالتزامن مع قيام "موسكو" بليّ ذراع أوروبا لتعزيز موقفها التفاوضي في ملف الطاقة والغاز مع الغرب.
قد يظن البعض أن أزمة أوروبا الأخيرة مع ارتفاع أسعار الغاز هي أزمة تبدو موسمية ومؤقتة، أما مشروع مثل X-linksأو Euro-Africa Interconnectorفهو مشروع طويل الأجل ومستدام، يُنتظر إتمامه بحلول 2030 وبالتالي فلا يوجد رابط بينهما، لكن المشكلة الأوروبية مع الطاقة ليست مؤقتة وقابلة للتكرار كل عام.
فمع استمرار حالة عدم اليقين التي تحوم حول العلاقات الأوروبية مع روسيا بالتزامن مع تصاعد الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، بالتالي يكون التصرف الأذكى هو التحوط والاستعداد لأزمات المستقبل– والتي لربما تكون أكثر قتامة من أزمات الحاضر– عبر التنويع المبكر لمصادر الطاقة الأوروبية مع موردين جدد وبدائل متنوعة يُمكن الاعتماد عليها.
المصادر: أرقام – بلومبرغ – البنك الدولي –Euro-Africa Interconnector - X-links.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}