لأكثر من عشرين شهراً تعيش سوق الطيران واحدة من أصعب فتراتها على الإطلاق، وكما حدث مع باقي الأسواق فالكل توقع أن تكون نهاية المعاناة بمجرد إيجاد لقاح للوباء وأن الأمور سوف تعود سريعاً لما كانت عليه قبل الجائحة ورفع قيود السفر والحركة، لكن ما لبث العالم يعالج مشكلة اللقاحات حتى ظهرت مشكلة الطاقة ثم نقص الرقائق وتلاها ضغط شديد على الشحن الجوي للبضائع، قبل أن تختتم سلسلة الأزمات بمشكلة نقص الطيارين.
الأزمات التي واجهها قطاع الطيران في آخر 50 عامًا |
|
الحقبة الزمنية |
الحدث/الأزمة |
1973 |
حظر النفط في حرب أكتوبر |
1980 |
الحرب العراقية – الإيرانية |
1991 |
حرب الخليج |
1998 |
الأزمة المالية الآسيوية |
2001 |
هجمات 11 سبتمبر |
2004 |
تفشي وباء السارس |
2008 |
الأزمة المالية العالمية |
2020 |
جائحة كوورنا |
الطلب المرتفع والهائل على السلع والخدمات بعد رفع القيود أدى بدوره إلى التكالب على الطاقة بمختلف أنواعها مما دفع بأسعارها إلى قمم تاريخية لم يُسمع عنها منذ 2014 على الأقل، ومن ضمنها سعر وقود الطائرات، حيث تراوحت الزيادة لمختلف مناطق العالم بين 98% و 108% مقارنة بعام مضى.
إضافة إلى أسعار الوقود المرتفعة، هناك ثورة ضد مصادر التلوث الصناعي والهيدروكربوني في الفترة الأخيرة لمكافحة تغير المناخ ووقف الانبعاثات التي تضر بصحة كوكب الأرض، وبسبب مساهمة انبعاثات الطائرات بحوالي 3% من إجمالي انبعاثات العالم، مما استدعي ضرورة تصنيع طائرات أقل تلويثاً وهو ما يضع الكثير من الضغوط على الصانعين الرئيسيين لإيجاد حلول سريعة تكلفهم تكاليف باهظة تدفع ثمنها شركات الطيران وتمرر جزءًا منها للمستهلك النهائي أو المسافر، مما يكبح معدلات نمو السوق.
أوروبا من ناحيتها تتجه إلى فرض قواعد جديدة على صناعة الطيران بداخل دولها تتمثل في إلزام الخطوط الجوية وشركات التأجير بتخصيص حد أدنى من تموين طائراتهم بوقود الطيران المستدام بدءاً من عام 2025 حتى 2050، ورغم ارتفاع سعره 4 مرات عن الكيروسين فإن وقود الطيران المستدام أو SAF مصنوع من النباتات، مما يجعل حرق الوقود النباتي محايداً بشكل كامل للكربون.
لكن "أياتا" المنظمة الدولية المختصة بالطيران ترى أن هذه الجهود لا طائل منها ولن تفيد في تقليل الانبعاثات إلا بنسبة قليلة لا تتجاوز الـ14% وتعتقد المنظمة أنه من المستحيل تقليل الانبعاثات بالتوازي مع زيادة عدد الركاب والرحلات خلال العقد الحالي إلا بالاستثمارات الكبيرة في الابتكارات التكنولوجية التي تؤدي إلى حلول سريعة وعملية مثل التوصل إلى تصنيع الطائرات العاملة بالهيدروجين الأخضر أو بالكهرباء لمسافات طويلة واعتمادية، وعلى أي حال لا يبدو أن العالم سوف يرى طائرة ركاب بأكثر من مئة مقعد وتعمل بالهيدروجين قبل عام 2050.
قواعد أوروبية لتقليل انبعاثات الطائرات 2025 - 2050 |
|
العام |
النسبة الملزمة لحصة الوقود المستدام في إجمالي كمية وقود الطائرة |
2025 |
%2 |
2030 |
%5 |
2050 |
%63 |
أما مشكلة نقص الطيارين فقد بدأت مع الوباء الذي اضطر شركات الخطوط الجوية والتأجير إلى التخلص من آلاف الوظائف لديها بما فيها الطيارين نظراً للحاجة الماسة إلى تقليص الخسائر ومنع الشركات من الانهيار نتيجة قيود السفر والطيران والنقل، لكن عملية إعادة تعيين هؤلاء بعد ارتفاع الطلب مرة أخرى ليست سهلة على الإطلاق، وتتوقع "بلومبرغ" أن الطلب العالمي على الطيارين سوف يتخطى المعروض من 2022 وصاعداً، أي أن سوق الطيران سوف يستمر في مكابدة نقص الطيارين والموارد البشرية اللازمة لفترة طويلة.
وعودة إلى أزمة الوباء، اكتشف العالم مؤخراً أن الأمور لم تنته بمجرد إيجاد اللقاح، فالمتحورات أكثر شراسة في بعض مناطق آسيا، وهذه الأيام ترزح ألمانيا تحت ضغط الموجة الرابعة للوباء واقتربت السعة الاستيعابية لغرف العناية المركزة من طاقتها القصوى، نفس الأمر يتكرر في بعض المقاطعات الصينية والمدن اليابانية، مما ينذر بعودة بعض الإجراءات المشددة مرة أخرى في الاقتصادات الكبرى في أوروبا وآسيا.
سوق الطيران: سنوات كورونا (2020 - 2022) تمحو تقريباً أرباح 9 سنوات (2010 - 2019) |
|
العام |
ربح / خسارة (مليار دولار) |
2010 |
17.0 |
2011 |
8.3 |
2012 |
9.2 |
2013 |
10.7 |
2014 |
13.8 |
2015 |
36.0 |
2016 |
34.2 |
2017 |
37.6 |
2018 |
27.3 |
2019 |
26.4 |
أرباح ما قبل الجائحة |
220.5 |
2020 |
(137.7) |
2021 |
(51.8) |
2022 |
(11.6) |
خسائر فعلية ومتوقعة بسبب الجائحة |
201.1 |
وهكذا تواجه صناعة الطيران أكبر تحديات في تاريخها الذي لم يشهد أبداً اجتماع كل هذه الأزمات بهذه الكثافة في توقيت واحد، لكن التحديين الأكبرين هما تغير المناخ والتعافي من خسائر الجائحة، التغير المناخي يمر بمنعطف تاريخي هذه الفترة نتيجة أن العديد من شعوب العالم قد لمس عملياً كيف يمكن أن يؤثر التغير المناخي على حياتهم اليومية وروتين عملهم سواء في انهيارات طينية للمنازل أو هلاك المحاصيل أو انخفاض الإنتاجية أو تحول الطقس الهادئ إلى ظواهر جوية عنيفة.
ومن ناحية أخرى، يبرز التحدي الثاني في ضرورة أن تبحث شركات الطيران عن طريق مخرج من دوامة الخسائر التي ارتطمت بها آخر 20 شهرًا نتيجة تفشي الوباء، الكفاح الحقيقي الآن لمنظمة "آياتا" هو كيف يمكن لها أن تقنع الحكومات خاصة في الاقتصادات الكبرى ألا تُقدم على قرارات إغلاق الاقتصاد مرة أخرى وما يستتبعها من تقييد للحركة والسفر، لأن هذه المرة سوف يكون الارتطام كارثياً وقد يؤدي لانهيار جماعي للعديد من شركات الطيران.
المصادر: أرقام – بلومبرغ – اياتا – ايكاو – ourworldindata.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}