قبل وأثناء وبعد عملية الـ"بريكسيت"، نُشر الكثير من التحليلات والتقارير الاقتصادية من مختلف المؤسسات والبنوك والشركات التي أجمعت وقتها على أن العديد من الشركات العالمية التي تتخذ من "لندن" مقراً لأعمالها الأوروبية سوف تقوم بنقل مقارها إلى مدن أخرى لا تزال دولها أعضاء في الاتحاد، لكن التطورات المتلاحقة مؤخراً والتغيرات السياسية والجيواقتصادية تشي بنشوء نمط جديد مخالف لكل هذه التوقعات المسبقة.
في حقيقة الأمر، الكثير من المراقبين والزائرين لمدينة "لندن" مؤخراً يلاحظون ازدهاراً في العاصمة البريطانية بشكل واضح، العديد من الأبراج وناطحات السحاب التي تُعج بالمكاتب والمقرات الإدارية والتجارية وفروع الشركات الجديدة، في الوقت الذي حققت فيه قياسات مؤشر مديري المشتريات البريطاني قراءة نمو وتوسعا للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر الماضي، في الوقت نفسه، أوروبا تمر بتعثر تلو الآخر تحت ضغط متزامن من عدة جبهات.
تسلسل زمني بعملية البريكسيت 2016 – 2021 |
|
التاريخ |
الحدث |
يونيو 2016 |
البريطانيون يصوتون على الخروج من الاتحاد الأوروبي. |
2016 |
رئيس الوزراء "ديفيد كاميرون" يترك منصبه.
السياسية "تيريزا ماي" تتولى رئاسة الوزراء خلفاً لـ"كاميرون". |
2017 |
مارس: بريطانيا تبلغ الاتحاد الأوروبي بنتائج الاستفتاء.
ديسمبر: بريطانيا وبروكسل تحرزان تقدماً في رسم خارطة طريق لمفاوضات الخروج. |
2018 |
إصدار مسودة عن مستقبل العلاقة بين الطرفين.
الطرفان يوافقان على خارطة الطريق نحو الخروج. |
2019 |
مارس: الخروج من الاتحاد يدخل قيد التنفيذ.
يوليو: وزير الخارجية "بوريس جونسون" يتولى منصب رئيس الوزراء خلفاً لـ"ماي". |
2020 |
ديسمبر: الشاحنات تصطف في طوابير في موانئ بريطانيا، بسبب زيادة طلب الشركات البريطانية على البضائع، خوفاً من عدم توصل "بروكسل" و"لندن" لاتفاق تجاري. |
2020 |
يتوصل الطرفان إلى اتفاق لمفاوضات مرحلة ما بعد بريكسيت تبدأ من 31 ديسمبر 2020.
أبرز نقاط الخلاف: الصيد، الجمارك، الأمن والقضاء، ووضع أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا.
*جمهورية أيرلندا لا تزال جزءا من اليورو، بينما أيرلندا الشمالية جزء من المملكة المتحدة، وبسبب التعقيدات الجغرافية فالأمور صعب حلها وتفكيكها.
*بدون التوصل لاتفاقية قد تكون هناك حاجة لفرض رسوم جمركية على البضائع التي يجري استيرادها وتصديرها بين الطرفين وكذلك قيود على حركة التوظيف والتشغيل، مما قد يؤدي إلى ارتفاع اسعار بعض السلع وصعوبات في إيجاد الوظائف. |
2021 |
أزمة طوابير الوقود في بريطانيا تظهر مع أزمة طاقة عالمية في ظل صعوبة تعيين سائقين جدد للصهاريج بسبب عدم التوصل لاتفاق مع "بروكسل" بعد. |
الشركات تترك أوروبا!
النمط الجديد بدأ بشركتين من الحجم الكبير، شركة "يونيلفر" لمستحضرات التجميل والمنتجات الاستهلاكية الشخصية المتنوعة، وشركة "شل" المتخصصة في الطاقة، بعد أن أعلنت الشركتان نقل مقريهما من هولندا إلى لندن في سبتمبر الماضي، وبأغلبية أصوات أعضاء مجالس الإدارات في الشركتين تم تمرير القرار وسط شجب وإدانة من الحكومة الهولندية واحتفال واحتفاء من نظرائهم في الحكومة البريطانية.
الأمر كبير، "شل" هي ثاني أكبر شركة مدرجة في مؤشر فوتسي 100، أما "يونيلفر" فهي ثالث أكبر شركة مدرجة بالمؤشر، لذا فإن نشوء هذا النمط الجديد والاتجاه المخالف لكل التوقعات السابقة جدير بالانتباه والتحليل.
وزيرة الطاقة والأعمال في بريطانيا "كواسي كوارتنج" صرحت بأن انتقال "شل" إلى لندن هو بمثابة تصويت عالمي على الثقة في الاقتصاد البريطاني بينما تعمل الحكومة على تحسين مناخ الأعمال والتنافسية وجذب الاستثمارات العالمية وخلق فرص العمل في لندن.
"أندرو ماكينزي" رئيس مجلس إدارة شركة "شل" يقول إن الهدف من هذا الانتقال هو تبسيط أعمال وروتينيات وحركة الشركة ورفع تنافسيتها وتسريع توزيعات الأرباح والوصول بشكل أفضل إلى صفر انبعاثات.
معلومات مقارنة عن "شل" و"يونيلفر" |
||
البند |
شل |
يونيلفر |
عام التأسيس |
1897 |
1929 |
القيمة السوقية 2020 (مليار دولار) |
136 |
156 |
الترتيب بين أكبر شركات العالم (بحسب القيمة السوقية 2020) |
80 |
105 |
الترتيب في مؤشر فوتسي 100 |
2 |
3 |
الانتشار الجغرافي (وفقا لعدد الدول) |
70 |
190 |
عدد الموظفين |
80,000 |
149,000 |
هل النمط الجديد قابل للاستدامة؟
إجابة هذا السؤال تعتمد على ما إذا كانت بريطانيا (بعد بريكسيت) قادرة على أن تقدم نفسها لمجتمع الأعمال الدولي بشكل مختلف عن بريطانيا (قبل بريكسيت)، فبحسب مسح أجرته شركة المحاسبة العالمية "برايس ووتر هاوس كوبرز"على نحو 5,050 رئيسا تنفيذيا، فإن "لندن" استطاعت تغيير الصورة الذهنية التي انطبعت حول العالم فيما بعد عملية الـ "بريكسيت" وتحولت إلى واحدة من أكثر وجهات الاستثمار الأجنبي جاذبية حول العالم.
المسح شمل التنفيذيين في أكثر من 100 دولة، 35% من هؤلاء الذين يديرون شركات تدر إيرادات بقيمة من 1 مليار إلى 10 مليارات دولار سنوياً، و60% منها شركات خاصة، وفيما يخص السؤال الأهم: هل ترى "لندن" في قائمة اختياراتك الرئيسية للاستثمار العام القادم؟ كانت الإجابات كما يلي:
مسح PWC: هل الاستثمار في بريطانيا ضمن اختياراتك الثلاثة الأولى؟ |
||||
البند |
إجمالي الشركات حول العالم |
الشركات في الولايات المتحدة |
الشركات في الصين |
الشركات في الهند |
النسبة في المسح الحالي |
%11 |
%21 |
%13 |
%25 |
النسبة في المسح السابق |
%9 |
%20 |
%3 |
%9.5 |
وداخل بريطانيا نفسها، قال رؤساء الشركات المستطلعة آراؤهم بخصوص سؤال: ما مدى ثقتك في تحسن إيرادات شركتك؟ قال 40% إنهم متفائلون بحدوث ذلك مقابل 26% في المسح السابق بـ 2019، وهو ما يدلل على تزايد الثقة بداخل السوق البريطاني نفسه وانخفاض حدة الشكوك والقلق في تردي الأوضاع بعد البريكسيت وأن الأمور قد تتجه لما هو مناقض تماما، أي إلى الازدهار.
مسح PWC: مؤشرات تُظهر ثقة أصحاب الأعمال بآفاق الأسواق داخل بريطانيا أعلى من المتوسط العالمي |
||
السؤال |
نسبة من يمثلون هذا الرأي من المديرين حول العالم |
نسبة من يمثلون هذا الرأي من المديرين في بريطانيا |
رغم اضطرابات الجائحة، توقع حدوث تحسن بدرجة ممتازة خلال الـ 12 شهر المقبلة بالاقتصاد العالمي |
%15 |
%26 |
توقع حدوث زيادة/نمو في توظيف مزيد من العمالة/الموظفين الفترة المقبلة |
%44 |
%56 |
الثقة في تحقيق ربحية الفترة المقبلة |
%34 |
%40 |
ورغم هذه الإحصائيات والحقائق التي تشي بظهور اتجاه جديد في أوروبا وبزوغ نجم "لندن" الثابتة على حساب "بروكسل" المرتبكة، لكن لا يزال أمام بريطانيا شوط طويل وجهود مضنية للتغلب على العديد من العراقيل التي تقف أمام تغيير الصورة الذهنية السلبية المأخوذة عنها منذ 2016 في أوساط الاقتصاد والأسواق العالمية، ورغم قوة الدلائل إلا أن هذا النمط الجديد من انتقال الشركات وجاذبية "لندن" للاستثمار لا يزال يحيطه كثير من الشكوك والتخوفات المنطقية لذا فالأفضل التريث قبل إصدار الأحكام على المباراة المحتدمة بين اليورو والجنيه الإسترليني.
المصادر: أرقام – بي بي سي – فايننشال تايمز – صنداي تايمز – سي إن بي سي – HIS MARKIT – فوربس – مركز أبحاث كارنيجي – رويترز – شل – يونيلفر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}