رفسة القطة الميتة، والمتوسط المتحرك لـ50 أو لـ100 أو لـ200 يوم، وكذلك ما يسمى بأسهم التجانس ولفائف السوشي وغيرها من وسائل تساعد المتداولين في سوق الأسهم في تحديد ما إذا هناك سهم يغير اتجاهه من عدمه.
فالارتدادات في أسعار الأسهم تشكل فرصة للمتداولين، سواء للبيع في قمة سعرية أو للشراء في قاع بما يحقق أقصى استفادة ممكنة في الحالتين ويسمح بتعظيم الإيرادات من السوق في وقت قصير.
وهناك العديد من الأسئلة التي ينبغي على المتعامل الإجابة عنها لتبيان احتمالات ارتداد السهم، هل كان التراجع في "الأساسيات"؟ كيف كان أداء السهم بشكل عام قبل الارتفاع أو الانخفاض المفاجئ؟ وما هي الأساليب الإحصائية لتوقع الارتدادات؟ وما مدى نجاعتها؟
"بوينج" 2001 أم "بوينج" 2019؟
هناك تساؤل مهم يؤشر بوضوح لاحتمال ارتداد الأسهم، ويتعلق بهل كان الانخفاض أو الارتفاع متعلقًا بـ"أساسيات" سهم الشركة أم بتفاصيل استثنائية ستتغير بعد قليل؟
ولكي نشرح هذه النقطة يمكن عقد مقارنة بين الانخفاض الذي حدث مؤخرًا في أسهم شركة "ميتا" وبين الانخفاض الذي حدث في أسهم شركات الطيران في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001.
ففي حالة شركات الطيران، ولنأخد شركة "بوينج" الأمريكية كمثال، فقد تراجع سعر السهم بنسبة 13% في يوم 17 سبتمبر 2001، وهو أول يوم لاستئناف التداول في البورصة الأمريكية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر.
واستمر تراجع قيمة السهم لفترة زمنية ليست بالقصيرة (ولكن بنسب أقل بالطبع)، وعلى الرغم من ذلك فقد استطاعت بوينج تعويض قيمة الخسائر التي تعرضت لها والتي استمرت حتى نهاية عام 2001.
وجاء التعافي حتى أن مشتري الأسهم في نهاية 2001 أمكنهم مضاعفة رؤوس أموالهم خلال عام واحد، أي بنهاية 2002، فقط لسبب واضح هو أن "أساسيات" صناعة الطيران لم تتغير بطبيعة الحال بسبب أحداث سبتمبر.
وساهم في ذلك رفع المطارات في مختلف أنحاء العالم، وشركات الطيران أيضًا، من عوامل الأمان في صناعة الطيران بما أعطى الأسواق طمأنينة تدريجية بأن مثل هذه الأحداث غير قابلة للتكرار.
في مثل هذه الحالات يمكن اتباع القول الشهير - والذي يصدق أحيانًا ويخفق أحيانًا - بأنه يجب الشراء حينما يسيل الدم في الشوارع، أي أن نشتري بعد فترة من الانخفاض في سعر السهم، لأن هذا الانخفاض مؤقت وسيتبعه ارتداد في سعر السهم.
أما في حالة "ميتا" فيبدو الأمر متعلقًا بأساسيات الشركة، فلأول مرة في تاريخها تبدو الشركة عاجزة عن ضم مستخدمين جدد، وهو ما يجعل من "رهان" المستثمرين في الشركة حول توسع مستمر لها محل شك.
ولذا فإن التراجع الأخير في سعر سهم "ميتا" يبدو مستمرًا إلى حين ظهور بيانات أخرى مختلفة، ويجعل الرهان على تعافي سعر السهم مرتبطًا بالشق الثاني المؤثر على السوق خلافًا للأساسيات وهو معنويات المتعاملين، وهو عامل يصعب السيطرة عليه أو قياسه.
وشهدت أسهم "بوينج" نفسها حالة من التذبذب خلال العامين المنصرمين، منذ عام 2019 تحديدًا؛ بسبب الشكوك حول سلامة "بوينج 737" بما يجعل هذا التذبذب متعلقًا بالأساسيات هذه المرة وليس بحدث عارض كما هو الحال قبل 20 عامًا.
أسهم التجانس
وهناك ما يعرف أيضًا في السوق بأسهم التجانس sympathy play، وهي الأسهم التي ترتبط مع بعضها البعض في الارتدادات بشكل مستمر، أي أنها تصعد سويًا وتهبط سويًا، وبالتالي يمكن الاستدلال بسعر سهم لاستنباط سعر السهم الآخر.
وعلى سبيل المثال فإن أسهم شركة تويتر وأسهم شركة "سناب" هما مثال واضح لأسهم التجانس.
وتميل أسهم شركة سناب باستمرار إلى اقتفاء أثر تويتر في السوق ولذا فإن ارتفاعات وانخفاضات تويتر كثيرًا ما تكون مؤشرًا على ارتفاعات وانخفاضات أسهم "سناب".
ويرجع هذا وفقا لتقديرات المحللين إلى انحصار الموقعين في نوع واحد من الأنشطة إلى حد بعيد، بما يجعل حركتهما منتظمة ومرتبطة ببعضهما البعض، وفقًا لدرجة "تفاؤل" أو "تشاؤم" الأسواق بأداء القطاع بشكل عام وليس أداء شركة بعينها.
وفي هذه الحالة تكون الشركة الأكبر في أغلب الأحيان في موقع "القائد" بسبب حجم التداول الأكبر تقليدياً، بما يجعلها هي المتغير المستقبل ويجعل الشركة الأخرى المتغير التابع كما يقال في علم الإحصاء.
ويوضح تحرك السهمين حالة من التجانس النسبي بالفعل بين تداول أسهم تويتر وسناب في نفس الفترة الزمنية بما يجعل ارتفاع سهم مرجعية لارتفاع الآخر، والعكس بالعكس، إلى درجة كبيرة.
وهناك صورة أخرى لـ "sympathy play" أو أسهم التجانس تتعلق بسلسلة التوريد التي تقوم عليها شركة ما ودرجة ارتباط صناعة ما بأخرى.
وعلى سبيل المثال، فقد اضطرت "أبل" لخفض إنتاجها من "الآيفون" هذا العام بسبب شح أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية.
وعلى الرغم من تحقيق "أبل" لنتائج جيدة بشكل عام في 2021، إلا أن أي انفراجة في سوق الرقائق، ستؤدي لزيادة قدرة الشركة على الإنتاج وبالتالي تحسن النتائج واحتمال حدوث ارتداد صاعد في سعر سهم "أبل".
وهنا تظهر قيمة ترقب المستثمر المتميز لما يعرف بـ"الأخبار الخام" أي التي قد تكون غير ذات قيمة لغيره من المستثمرين أو التي تظهر نتائجها في نتائج أعمال الشركات لاحقا، وبالتالي أسعار الأسهم.
وهناك أمر آخر ينبغي التنبه إليه عند ترقب الارتدادت في السوق، ويتعلق بمدى حيوية قطاع السهم والاقبال عليه والتفاؤل والتشاؤم حوله.
ولعل المثال الصارخ على ذلك عدم تحقيق أسهم شركة "ألفابت" لارتفاعات سعرية كبيرة في شهر فبراير الحالي، على الرغم من نتائج أعمال الشركة المتميزة، وذلك بسبب التشاؤم العام الذي سيطر على مؤشر "ناسداك".
وهذا لا يلغي تمامًا الرهان على مثل تلك الأسهم ولكنه يجعله رهانًا طويل المدى بمعنى الشراء للاحتفاظ لفترة وليس الشراء للبيع السريع لاستغلال تقلبات السوق لتحقيق أرباح سريعة كبيرة نسبيًا.
وهناك ضرورة للتنبه أيضًا لتاريخ السهم، فقد يكون السهم في قطاع نشط ولكنه لم يحظ أبدًا في المدى المنظور بارتفاعات لافتة، أي أنه لم يكن ما يعرف بـ"former runner" أو حصان السبق الفائز قبل ذلك.
الإحصاء واستنباط الارتدادات
وهناك عدد من الاستراتيجيات الأخرى لتبيان نقاط الارتداد في الأسواق أيضًا وتشمل: المتوسط المتحرك لـ50 أو 100 أو 200 يوم، وطريقة لفائف السوشي، ورفسة القطة الميتة.
أما فيما يتعلق بمؤشر المتوسط المتحرك، سواء 50 أو 100 أو 200، فهو يتم بجمع أسعار الإقفال لسهم ما لمدة 50 يومًا (أي 10 أسابيع تداول) ثم قسمتها على 50 ليظهر متوسط قيمة الإقفال في 50 يومًا وبالمثل في حالة الـ100 يوم والـ200 يوم.
وتستخدم هذه الوسيلة لبيان حركة السهم خلال 10 أسابيع حتى 40 أسبوعًا، بما يجعل التنبؤ بارتداد الأسهم (عند سعر محدد في الوقت الحالي) ممكنًا.
وبطبيعة الحال كلما زادت أسابيع تلك الوسيلة زادت دقتها بصورة أكبر، ولكن العوامل المؤثرة على سعر السهم تزداد بطبيعة الحال بما يجعل تحليل أسباب الارتفاع أو الانخفاض أصعب وبالتالي الوصول لنتيجة حاسمة حول احتمالات الارتداد أصعب أيضًا.
رفسة القطة الميتة
استراتيجية "رفسة القطة الميتة" Dead cat bounce مستلهمة من الثقافة اليابانية، حيث يعتقد اليابانيون أن تماثيل القطط المعروفة باسم "مانيكي نيكو" تجلب الحظ والسعادة، وهي استراتيجية للمدى القصير في تحليل الارتدادات ومعروفة من قبل مستخدمي التحليل الفني.
ويعود ذلك إلى قصة قديمة تدور حول امرأة عجوز فقيرة للغاية اضطرت إلى ترك قطتها لأنها لا تقدر على إطعامها، فجاءتها القطة في المنام واقترحت عليها صنع تماثيل من الخزف على هيئتها، فقامت بذلك بالفعل. وكانت تلك بداية نجاح "المانيكي نيكو" التي جلبت ثروة هائلة لصاحبتها الفقيرة.
لكن الأمر يختلف في عالم أسواق المال، فالأمثولة الأشهر للقطط هنا تشير إلى ارتداد الأسهم الذي يتجلى في نمط "رفسة القط الميت".
وعادةً ما يشير النمط سالف الذكر إلى سوق هبوطية تشهد ارتفاعاً حاداً ومؤقتاً في سعر الأسهم يتبعه مزيد من الانخفاض وذلك لعدم زوال أسباب الهبوط بشكل أساسي.
ويجعل هذا الأمر بعض المتداولين يبادرون لشراء السهم باعتباره صفقة رابحة عند بداية الانخفاض الحاد، وهو ما يسهم بدوره في تغذية الارتداد الصاعد، لذلك يكون انخفاض السعر لفترة مؤقتة.
وغالبًا ما تعتبر عودة السعر إلى ما كان عليه أو إلى مركز قريب مما كان عليه عند بدء التداول هي النقطة المناسبة للتخلى عن الأسهم قبل العودة للانخفاض مجدداً، وهنا ينبغي التحلي بالمرونة، إذ لا ينبغي انتظار العودة لنفس سعر الافتتاح بالضبط.
وتحتاج استراتيجية "وثبة القط الميت" إلى دقة ومتابعة حثيثة لتمييز النمط واختيار الوقت المناسب للتخلص من الأسهم المتوقع عودتها للهبوط، ومن ثم تحقيق أرباح "المانيكي نيكو" عبر مراقبة ارتداد أسهم "القط الميت".
لفائف السوشي
أما استراتيجية "لفائف السوشي Sushi Roll " فتعتبر واحدة من أدق وسائل التنبؤ بتوجهات السوق، وارتدادات الأسهم إذ توفر وسيلة للتنبؤ بارتفاع مفاجئ أو انخفاض مفاجئ لسهم ما بما يسمح للمتعامل في السوق باتخاذ القرار الأفضل بالشراء أو البيع.
ويبدو أن التشابه بين نمط التداول المثير للاهتمام والطعام الياباني الشهير من حيث دقة طي طبقاته واتساق لفائفه وتمايز ألوانه، كان السبب وراء تسميته بهذا الاسم أثناء تناول بعض المستثمرين للسوشي على الغداء.
بصورة أساسية، تعتمد تقنية "لفائف السوشي" على مقارنة خمسة أيام تداول تتحرك في نطاق ضيق تتبعها خمسة أخرى تبتلع السابقة في شكل هبوطي أو صعودي حسب النموذج، بمعنى آخر، يقوم النمط الاستثنائي على مقارنة التحركات الخمس الأخيرة بالتحركات الخمس التي سبقتها لتحديد ما إذا كان السوق يغير اتجاهه.
في كتابه "المتداول المنطقي"، يناقش مارك فيشر تقنيات تحديد قمم وقيعان السوق المحتملة، حيث تأتي استراتيجية "لفائف السوشي" كمؤشر للتحذير المبكر بشأن تغير اتجاهات السوق في إطار النظام الذي وضعه خبير التداول.
وقياساً على ذلك، فعندما يظهر نمط "لفائف السوشي" في اتجاه هبوطي، فإنه ينبه المتداولين إلى فرصة محتملة لشراء مركز قصير أو الخروج من السوق بالبيع. وذلك، بعكس ظهور النمط ذاته في اتجاه صعودي، بحيث يلفت انتباه المتداولين إلى فرصة محتملة للبيع، أو شراء مركز قصير.
ولاختبار جدوى نمط "لفائف السوشي" وموثوقيته، فقد خضع للاختبار مقارنةً باستراتيجية الشراء والاحتفاظ التقليدية في تنفيذ الصفقات على مؤشر "ناسداك" المركب على مدار 14 عامًا.
وبشكل لافت، أظهرت النتائج تفوق النمط الاستثنائي بفارق، حيث بلغت عوائد التداول وفق نمط "لفائف السوشي" 29.31%، في حين كانت عائدات التداول استناداً إلى نظيره التقليدي 10.66 %.
ويبقى تحقيق أقصى ربح ممكن من كافة التحليلات السابق مرتبطًا بالقدرة على تحديد "نقطة التشاؤم القصوى"، أي التي يبلغ فيها السهم أقصى درجات انخفاضه ليتدخل المستثمر هنا بالشراء (أو بالبيع إذا كانت نقطة تفاؤل قصوى).
ويصعب هنا تحديد ألية واضحة لذلك، ولكن المستثمر الكبير "وارين بافيت" يحددها بعبارته الأنيقة "كن طماعًا عندما يكون الجميع خائفين، وكن خائفًا عندما يكون الجميع طماعين".
المصادر: أرقام- فوربس- انفستبيديا- كتاب "The Logical Trader"- بيزنيس ستاندرد- مجلة تايم
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}