توالت إعلانات الشركات الغربية بخصوص الانسحاب من الاستثمارات المشتركة مع الشركات الروسية في قطاع النفط، لتثير التساؤل حول إذا ما كان قطاع النفط الروسي سيصبح مستهدفا من العقوبات الغربية، بعد أن بقي خارج العقوبات حتى الآن، وحول تأثير مثل تلك الانسحابات على سوق النفط الروسي والعالمي.
انسحابات بالجملة وتجميد استثمارات
أعلنت شركة النفط الهولندية البريطانية "رويال داتش شل" يوم الإثنين نيتها الانسحاب من مشروعات مشتركة مع شركة "جازبروم" الروسية والشركات التابعة لها.
وتشمل انسحابات "شل" حصتها بالربع تقريبا في مشروع "سخالين"، ونصف أسهم شركة "ساليم بتروليوم ديفلوبمنت"، وشركة الطاقة "جايدن"، فضلا عن وقف اشتراكها في مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي "نورد ستريم2" المملوكة لـ"جازبروم".
وبشكل عام فمع نهاية العام المنصرم كانت "شل" تمتلك أصولا ثابتة في مشروعات مشتركة في روسيا تقدر بنحو 3 مليارات دولار.
وتأتي خطوة "شل" بعد يوم واحد من إعلان شركة "بي بي" الانسحاب من الاستثمارات النفطية في روسيا، وتحديدًا من شركة "روسنف" اتي تمتلك قرابة 20% بما يعني سحب استثمارات بقيمة إجمالية تصل إلى 14 مليار دولار.
بدورها، أعلنت شركة "توتال إنرجي" الفرنسية أنها "لن تستثمر مستقبلا في مشاريع جديدة في روسيا" من دون انسحابها من المشاريع التي تشارك فيها راهنا.
لماذا؟
يمكن تفسير الأمر هنا في إطار "لعبة عض الأصابع" حيث تسببت القرارات الغربية في انخفاض أسهم شركة "جازبروم" المدرجة في بورصة "لندن" بنسبة 43% وشركة "روسنفت" بنسبة 53%.
في المقابل قال المدير التنفيذي لشركة "بي بي" البريطانية، "برنارد لوني"، إن القرار يأتي ليس فقط بوصفه "الشيء الصحيح" من الناحية الأخلاقية فقط، ولكنه الأفضل للشركة العملاقة أيضا اقتصاديا.
وتأتي تصريحات "لوني" بالفائدة الاقتصادية لشركته على الرغم من أن تأكيده باحتمال تكبد الشركة ما يصل لـ25 مليار دولار كشروط جزائية بسبب قرارها بسحب الاستثمارات من روسيا. كما أن "شل" توقعت أن تؤثر انسحاباتها من السوق الروسي على قيمة أصولها الدفترية.
أي أن تلك الشركات اختارت قرارا يلحق الضرر بالشركات الروسية، على الرغم من أنه يلحق بها الضرر أيضا، بما يؤكد صيغة "عض الأصابع" في القرارات الغربية بالانسحاب من الشركات الروسية.
وما يدعم ذلك ما كشفته إذاعة "صوت أمريكا"، من تعرض "شل" و"بي بي" لضغوط من جانب الحكومة البريطانية لاتخاذ قرارات سحب الاستثمارات على الرغم مما فيه من خسائر، ويشير لـ"الطابع السياسي" لتحركات الشركات الغربية.
التأثير المنتظر
على الرغم من أن روسيا يمكنها نظريًا تعويض تلك الاستثمارات داخليا أو من شركاء آخرين، ولاسيما لو اعتبرت الصين هذا الأمر فرصة في ظل احتياجات الأخيرة الضخمة من الطاقة بشتى أشكالها، إلا أن الأمر لا يبدو بهذه البساطة.
فالشراكة التي تبرمها الكثير من شركات النفط مع بعضها البعض تبدو "اضطرارية" أكثر منها اختيارية، في ظل تمتع بعضها، لا سيما الشركات الغربية بميزات نسبية تتعلق بـ"المعرفة" أو الـ"know how" سواء كان ذلك في مراحل الإنتاج أو التوزيع.
ويساهم هذا الأمر في جعل أطراف تلك الشراكات رابحة سويا، من خلال تقليل تكلفة الإنتاج أو الشحن أو التخزين، بما يزيد من أرباح الشركات الوطنية (مثل جازبروم في روسيا) ويسمح للشركات الغربية باستغلال مزاياها التنافسية بطبيعة الحال.
كما أن استبدال الأنظمة أو الاستثمارات في مجال النفط يستغرق وقتا ليس بالقصير، بما يعني احتمال حدوث اضطرابات مستقبلية في إمدادت النفط الروسي، بشكل يؤثر على عائدات موسكو منه بالطبع، وفي نفس الوقت يرفع سعر النفط عالميا بطبيعة الحال.
وما يؤكد إدراك موسكو لصعوبة تعويض تلك الاستثمارات، تقنيًّا في الأغلب وليس ماديًّا، ما قاله رئيس وزراء روسيا "ميخائيل ميشوستين"، أمس الثلاثاء، بأن بلاده تُعِد مرسومًا للحد من سحب الاستثمارات الأجنبية الذي بدأ منذ فرض العقوبات على موسكو.
وأضاف: "أُعد مشروع مرسوم رئاسي لفرض قيود موقتة على إخراج مستثمرين أجانب لأصول روسية" للسماح "للشركات باتخاذ قرارات منطقية" وليس "بضغط سياسي".
هل تتوسع "المواجهة النفطية"؟
الملاحظ هنا أن التصعيد لم يصل إلى حد "حظر" النفط الروسي تمامًا، بل إن الحكومة الغربية الوحيدة التي اتخذت قرارا مماثلا كانت الحكومة الكندية، التي قصرت قرارها على النفط الخام الروسي وليس المشتقات، وأكدت على لسان رئيس وزرائها، "جاستن ترودو" أنها لا تستورد إلا كميات قليلة جدا من النفط الروسي وأن القرار يبقى رمزياً.
والسبب منطقي وواضح للغاية، وهو أن أوروبا تشهد موجة تضخم استثنائية لا ترغب في تعزيزها بحظر النفط الروسي، الذي تؤكد الدراسات أنه "لا بديل جيدًا" له من الناحية الاقتصادية لأوروبا، فضلا عن استقرار الإنتاج العالمي وخطوط إمداده على مساهمة روسية ملموسة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.
ولذلك اعتبرت "نيويورك تايمز" الأمريكية أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة رفعت إنتاجها من النفط بصورة ملحوظة للغاية خلال الأعوام الأخيرة، فإن شركاءها الأوربيين لم يفعلوا المثل، لذا سيترددون للغاية في استهداف النفط الروسي.
بل أشارت الصحيفة إلى أن تهديد الرئيس الروسي" "فلادمير بوتين"، بالأسلحة النووية لم يكن موفقًا، وأنه كان بإمكانه التهديد بالنفط –على الرغم مما فيه من خسارة محققة لبلاده- كسلاح أقوى كثيرًا من السلاح النووي الذي لا يأخذ كثيرون التهديد باستخدامه على محمل الجد.
إلا أن تهديدًا كهذا - من أي الطرفين- سيتعدى مرحلة "عض الأصابع" إلى مرحلة "هدم المعبد" على رؤوس الجميع، فالنفط والغاز يشكلان سويا 36% من إجمالي إيرادات الموازنة الروسية في عام 2021.
فروسيا هي ثالث منتج للنفط عالميًا بما يقرب من 10.5 مليون برميل في المتوسط يوميًّا، بما يمثل حوالي 11% من إجمالي إنتاج النفط العالمي في الوقت الذي تُعَد فيه موسكو لاعباً رئيسياً وهاماً في سوق الطاقة أوروبياً قبل أن يكون عالمياً.
المصادر: إذاعة صوت أمريكا- كوارتز- موقع ستاتيكا- نيويورك تايمز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}