نبض أرقام
09:01 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

في سوق الأسهم .. "المألوف" وحده لا يكفي لتحقيق النجاح

2022/04/01 أرقام - خاص

في كرة القدم يميل المديرون الفنيون الخبراء إلى تغيير خطط لعبهم باستمرار بين مباراة وأخرى، بل وقد يعمدون كثيرًا إلى تغيير الخطة واللاعبين خلال المباراة الواحدة بغية تحقيق أفضل نتيجة ممكنة.

 

ويرجع هذا لإدراك هؤلاء المدربين أن الأدوات التي تعينهم على مواجهة فريق شاب يتسلح باللياقة البدنية العالية تختلف عن تلك التي تنفعهم لمواجهة اللاعبين المهرة، ليبقى الإدراك الواضح دائمًا أن خطة بعينها ولاعبين محددين قد يحققون الفوز في مباراة ولكنهم قد لا يحققون نفس النجاح في أخرى.

 

ويتجنب هؤلاء بذلك أحد أبرز التحيزات المألوفة والتي تعرف بتحيز "المطرقة الذهبية"، وهي نوع من انحياز الشخص لما يألفه، ولما حقق به النجاح آنفًا على حساب ما لا يعرفه، أي شكل من أشكال "التحيز للمألوف".

 

 

مطرقة ولكن ذهبية

 

وقانون الأداة أو "مطرقة ماسلو" أو المطرقة الذهبية، كلها مسميات تشير ببساطة إلى التوجه للاعتماد المفرط على أداة مألوفة بصرف النظر عن مدى ارتباطها بالأمر من عدمه.

 

ويقول "إبراهام ماسلو" عالم النفس الأمريكي والذي تناول مغالطة قانون الأداة في عام 1966: "إذا كانت الأداة الوحيدة التي لديك هي المطرقة، فمن المغري للغاية أن تعامل كل شيء كما لو كان مسماراً".

 

بالطبع لا تعتبر المطرقة الأداة المناسبة لكل الأغراض الممكنة، لكن الشخص الذي لا يمتلك سواها من المرجح أن يحاول إصلاح كل شيء باستخدامها.

 

ورغم أن المطرقة قد تكون مطلوبة في بعض المهام، فإن فكرة استخدامها مراراً وتكراراً في كل الاستخدامات لمجرد أنها أثبتت نجاحاً قديماً قد تحول الإصلاح والنجاح المرجو إلى جعل الأمور أسوأ حالاً.

 

وبشكل عام يميل الكثيرون إلى إعادة استخدام نفس الأسلوب أو الخطة الذي أثبتت نجاحاً في تجارب سابقة، بصرف النظر عما إذا كان ذلك مناسباً للوضع الحالي وبدون حتى السعي لاستكشاف طرق جديدة للتعامل مع الحدث أو المشكلة الجديدة.

 

الأمر يبدو مبرراً من جهة علم النفس، حيث ذكر "دونالد أوه هب" في كتابه "تنظيم السلوك" أن في كل مرة تنشط فيها مجموعة من الخلايا العصبية معاً فإنها تصنع ما يمكن اعتباره نمطاً معيناً، وهذه الخلايا تميل لتشكيل نفس النمط في كل مرة تعمل فيها معاً.

 

المطرقة الذهبية في الاستثمار

 

وتظهر المطارق الذهبية في مجال الأعمال عندما تركن إحدى الشركات إلى مؤشر ديموغرافي أو أداة تحليلية واحدة لاتخاذ قرارات استراتيجية. كما يقول المثل، عندما تمنح مطرقة لفريق الإدارة في شركة ما، فإن كل شيء من حولهم يبدو وكأنه مسمار.

 

 

ويظهر تحيز قانون الأداة أي"تحيزالمطرقة الذهبية" بشكل خاص في طريقة تصرف المستثمرين في سوق الأسهم، اعتماداً على خبرتهم وتجاربهم السابقة التي أثبتت نجاحاً في الماضي.

 

ويتجه كثير من المستثمرين للاعتماد على طرق أو استراتيجيات معينة في الوقت الذي يتجاهلون فيه وسائل أخرى ربما تكون مناسبة بشكل أكبر.

 

فإذا اعتمد على مكرر الربحية وحقق مكسبًا في شراء وبيع أحد الأسهم، أو معدلات السيولة أو التداول أو غيرها من المؤشرات يركن غالبًا إلى هذا المؤشر دونما غيره.

 

انطباعات الأشياء أيضًا تدوم

 

ويرتبط تحيز المطرقة الذهبية بشكل وثيق بمقولة "الانطباعات الأولى تدوم"، فعلى الرغم من هذه العبارة عادة ما تستخدم في الحديث عن العلاقات الشخصية أو الإنسانية إلا أن لها تأثيرًا أيضًا على علاقة البشر بالأشياء.

 

فتشير الدراسات النفسية إلى أن قرابة 70% من البشر لا يميلون لتغيير انطباعاتهم الأولى عن الأشخاص وذلك لميلهم الشديد في الثقة في "الحدس" الذي يدلهم على ما إذا الشخص الذي يتعاملون معه "جيد" أم غير ذلك، بل ويقوم البعض برسم "صورة كاملة" للشخص بما فيه صفاته التفصيلية مثل البخل أو الكرم، العند أم المرونة.. إلخ.

 

وفي علاقة البشر بالأشياء فإن نسبة اعتماد الأشخاص على "الانطباعات الأولى" تتزايد لتصل إلى 82%. فعلى سبيل المثال إلى ركب شخص سيارة من ماركة معينة لأول مرة ووجد أنها لا تعمل فإنه يكون من الصعب للغاية تغيير انطباعه ليعكس حقيقة أنها سيارة جيدة لكن مالكها لم يحسن استخدامها مثلاً.

 

 

واعتماد الناس على منطق الانطباعات الأولى مع الأشياء أكثر من الأشياء منطقي، لأن الناس لا تتوقع خداعًا من الأشياء بينما تتوقعه بدرجة ما من البشر، لذا تتزايد نسبة الثقة في الانبطاعات الأولى عن الأشياء عنها عن البشر.

 

الاستثمار في "المألوف"

 

ويرتبط منطق الانحياز لأداة بعينها إلى حقيقة انحياز الشخص باستمرار للمألوف، بمنطق أن الناس "أعداء ما جهلوا"، وتتزايد حدة الأمر عندما تكون هناك أموال أو استثمارات على المحك بما يجعل الناس أكثر حرصًا وميلًا للمألوف.

 

ومن بين الانحياز للمألوف ميل الكثير من المستثمرين إلى الاكتفاء بشراء الأسهم في بلدهم على حساب شراء الأسهم في دول أخرى وذلك لما يشعر به من ألفة وميل طبيعي و"تعود" في سوق الأسهم في بلده الأم.

 

وتشير دراسة إلى أن كثيرًا من المستثمرين الأمريكيين حققوا خسائر بسبب ميلهم لعدم الاستثمار خارج الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولا سيما في الفترة بين 2003-2007 والتي شهدت تفوق الأسهم الأسيوية والأوروبية في الأداء على نظيرتها الأمريكية بشكل ملحوظ.

 

ومن بين الميل للمألوف استثمار الكثيرين في الشركة التي يعملون بها، وذلك كنوع من الولاء، وبسبب قدرتهم النسبية –المفترضة- على قراءة اتجاهات الشركة المحتملة وتحقيق الأرباح بناء على ذلك، ولكن الأمر لا يسير بهذه الكيفية المباشرة والبسيطة باستمرار.

 

فعلى سبيل المثال، فإن الكثير من العاملين في شركة "إنرون" الأمريكية للطاقة، والتي أفلست عام 2001، عانوا بسبب هذه المتلازمة في الاستثمار في الشركة التي يعملون بمن فيهم أحد العاملين في الشركة والذي انخفضت قيمة أسهمه في الشركة من 470 ألف دولار إلى 40 ألفًا فحسب وذلك بعد حصول الدائنين والأطراف الأخرى على حقوقهم من الشركة بعد إشهار إفلاسها.

 

 

والأزمة هنا إلى أن الكثيرين قد يرون أن مجرد استمرار حصولهم على الراتب وبعض المزايا المادية من شركتهم مؤشر لاستمرارها وقدرتها على البقاء لذا يستمرون في الاحتفاظ بأسهمها حتى وإن تعددت مؤشرات معاناة الشركة من أزمات هيكلية تهدد بقاءها أو حتى قدرتها على النمو وتحقيق الربحية.

 

وفي بعض الحالات "يحب" (أو بالأحرى يستحسن) المستثمرين شركة بعينها فيقومون بالاسثمار فيها، لتفضيلهم فكرة معينة أو ابتكار تطرحه الشركة.

 

ومن ذلك ما حدث مرتين مع شركة "غروبون" الأمريكية، وهي شركة قامت على فكرة توفير عروض ليوم واحد فقط على أن تتغير تلك العروض باستمرار وحظيت باكتتاب كبير في 2008 قبل أن يتراجع سعر سهمها سريعًا بسبب عدم الإيفاء بالتوقعات رغم إعجاب الكثير من المستثمرين بالفكرة.

 

ومؤخرًا غيرت الشركة نشاطها لتصبح متخصصة في تقديم كوبونات الخصومات بالأساس، وأدى ذلك لارتفاع السهم بسبب توقعات بآثار ذلك الإيجابية من حيث تقليل النفقات وزيادة الإيرادات إلا أن السهم وزع أرباحاً بـ0.18 دولار فقط في الربع الأخير من 2021 قياسًا بنصف دولار في الربع الأخير لعام 2020، بما أدى لتراجع كبير في سعر السهم (9% في يوم إعلان النتائج نفسه مثلا).

 

والشاهد في المرتين أن الناس "أعجبوا" بفكرة، دون دراسة كافية لأثر تلك الفكرة الواقعي على أداء الشركة بما أدى للمبالغة في قيمة السهم وتحقيق الكثير من المستثمرين لخسائر.

 

المخاطر والحل

 

الاستثمار فقط بأداة واحدة أو في "ما تعرفه" فحسب يعني التخلص من العديد من فرص التداول الجذابة الأخرى مع مخاطر أقل وعائدات أعلى. أول وأهم شيء يجب أن تتذكره حول التحيز المألوف هو أن المألوف لا يعني الأمان. بل أن هذا التحيز السلوكي الشائع له عدة آثار سلبية ومنها:

 

- تداول سهم واحد أو عدة أسهم مألوفة فحسب.

- تخصيص غير متنوع للأصول.

- تداول الأسهم المحلية فقط.

- تداول الأسهم التي تبدو قريبة من نظرتك الثقافية.

- تداول الأسهم المتعلقة بنشاطك المهني.

 

ولمعالجة تلك المشكلة يقول "بنجامين جراهام"، أحد أشهر المستثمرين ومؤلف كتاب "المستثمر الذكي" "المشكلة الرئيسية للمستثمر، بل وحتى أسوأ أعدائه، من المحتمل أن تكون هو نفسه".

 

 

ويضيف "جراهام" أن هذا لا يعني أن المستثمرين الأفراد غير قادرين على الإدارة الفعالة للأموال ولكن لتذكير المستثمرين بأننا غالبًا ما نميل إلى الوصول إلى طريقنا الخاص، والذي لا يكون بالضرورة أفضل طريق".

 

ولذلك فإن "طلب المساعدة في الاستثمارات ليس في حد ذاته علامة على الضعف، بل أنه إدراك للحقيقة البسيطة المتمثلة في أن لدينا نقاط ضعف".

 

ولذلك ينصح بضرورة اللجوء باستمرار إلى مستشاري الاستثمارات أو صناديق التحوط ومتابعة التحليلات المالية والفنية المستقلة وغير ذلك من أساليب تجنب الانحيازات، لكي يستطيع المستثمر تجنب رؤية "مطرقته الذهبية" بوصفها الحل باستمرار لأنه "ليس كل شيء مسمارًا".

 

المصادر: أرقام - كتاب Blink: The power of thinking without thinking”- انفيستوبيديا - بيهيفريال ايكونوميكس - فوربس

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.