كان أسوأ تفشٍ لكوفيد-19 في الصين منذ موجة ووهان الأولى قد سبقه تدفق الحالات الوافدة من هونغ كونغ، مما يُظهر الخطر الذي تشكله أزمة انتشار الفيروس في المدينة على البر الرئيسي للصين.
على الجانب الآخر من الحدود من هونغ كونغ، كانت مدينة شنجن، التي تعد بمثابة المركز التكنولوجي للدولة الآسيوية، قد خرجت لتوها من إغلاق جرى فرضه لمدة أسبوع بهدف التعامل مع موجة تفشٍ لمتغير "أوميكرون". في غضون ذلك، تشهد شنغهاي أعلى معدلات الإصابات الجديدة خلال الوباء، حيث تم إغلاق نصف المدينة ليخضع للاختبار بعد تضاعف عدد الإصابات إلى أكثر من ألفي حالة في غضون أسابيع.
وفي هذا الإطار، وجد تحليل أجرته "بلومبرغ نيوز" أن الارتفاع في عدد الحالات الجديدة في كلتا المدينتين- اللتين تشكلان نقاط الدخول الرئيسية إلى البر الرئيسي- ظهر في نفس الوقت تقريباً، أو بعد وقت قصير من تسجيل زيادة في الإصابات بين المسافرين المعزولين القادمين من هونغ كونغ، حيث يقترب عدد الحالات الجديدة المسجلة من 8 آلاف إصابة.
وفي حين تعزل الصين كل شخص قادم إلى البلاد لمدة أسبوعين، على الأقل، تماشياً مع سياسة "كوفيد الصفرية، أشار مسؤولو الصحة في كل من شنجن وشنغهاي إلى تراخي الرقابة في مرافق الحجر الصحي للوافدين كسبب محتمل لانتشار الفيروس.
بعد تمتعها بفترات طويلة خالية من "كوفيد" بفضل نهج عدم التسامح مطلقاً، اتسم أداء الصين بالسرعة فيما يتعلق بتحديد المصادر الخارجية للإصابات بالفيروس التي انتشرت في المجتمع المحلي، وتعقب مصدر التفشي من مسافر قادم من باكستان، على سبيل المثال، أو من وافدين من الولايات المتحدة.
واقتصرت تصريحات لجنة الصحة الوطنية بخصوص الموجة الحالية على أن الصين تعرضت لضغوط متزايدة جراء غارات "كوفيد" مع اتساع تفشي الوباء في الدول المجاورة.
ومع ذلك، تُظهر البيانات الصادرة عن السلطات الصحية في شنجن أن القادمين من هونغ كونغ يمثلون الغالبية العظمى من الحالات الوافدة التي تم اكتشافها في المركز التكنولوجي الصيني منذ بداية العام، حيث شكلت الإصابات التي كان منشؤها المركز المالي الآسيوي (هونغ كونغ) أكثر من 93% من إجمالي 901 إصابة مؤكدة وافدة من الخارج كما في 26 مارس.
في شنغهاي، كانت هونغ كونغ مصدر أكثر من نصف الحالات الوافدة التي أبلغت عنها لجنة الصحة بالمدينة هذا الشهر حتى 26 مارس. وقد ارتفعت الإصابات المكتسبة محلياً، خلال هذه الفترة، من 2 إلى 2676 حالة.
لقد شكلت المدينتان الوجهتين الرئيسيتين لأولئك الفارين من تفشي المرض في هونغ كونغ، حيث بلغت أعداد الأشخاص الذين غادروا المنطقة أرقاماً قياسية اعتباراً من أواخر فبراير، مع خروج المرض هناك عن السيطرة بوتيرة متسارعة. كما لجأ مواطنو البر الرئيسي المقيمين في هونغ كونغ، على وجه الخصوص، إلى وطنهم، حيث ما يزال عدد الحالات الوطنية أقل منه في المركز المالي الأشهر.
ورغم فعالية فنادق الحجر الصحي في رصد حالات "كوفيد"، إلا أن تسرب الإصابات أصبح أكثر شيوعاً مع تطور الفيروس ليصبح أكثر عدوى.
وبالمثل، شهدت الدول التي استخدمت فنادق الحجر الصحي كجزء رئيسي من استجابتها للوباء، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا، وكذلك هونغ كونغ، جميعها، تفشيات أفرزتها الحالات التي لم يتم رصدها في تلك الفنادق. ويعد ذلك أحد الأسباب التي جعلت معظم البلدان، التي سعت إلى القضاء على الفيروس في وقت مبكر من الوباء- على عكس الصين- مثل الولايات المتحدة، وقطاع كبير من أوروبا، تتحول إلى التعايش مع الفيروس.
الاعتراف بالمخاطر
تُظهر بيانات تتبع جهات الاتصال الصادرة عن السلطات الصحية في شنجن أن أولى حالات الإصابة المحلية في فبراير نشأت عن موظفين يعملون في فنادق الحجر الصحي. بينما أقرت حكومة شنغهاي، أيضاً، بدور "الثغرات" في إدارة الحالات الوافدة داخل الحجر الصحي، مما أدى إلى تفشي المرض محلياً.
قد تلتزم الصين الصمت حيال ما إذا كانت هونغ كونغ مصدراً لموجة التفشي الحالية، لكن أفعالها تشير إلى أن المسؤولين يدركون الخطر الذي تشكله.
وبعدما أضافت شركات الطيران المزيد من الرحلات في فبراير لتلبية الطلب من جانب الفارين من هونغ كونغ إلى موطنهم في البر الرئيسي، قلصت السلطات الحد الأقصى لعدد الركاب على خطوط الرحلات من هونغ كونغ إلى شنغهاي إلى 50% من القدرة الاستيعابية لكل طائرة اعتباراً من 25 فبراير.
كما تم تقليص الرحلات الجوية إلى شنغهاي- التي تبرز كمركز رئيسي للموجة الحالية في البر الرئيسي- باطراد. حتى وقت قريب، توجهت المزيد من الرحلات الجوية من هونغ كونغ إلى شنغهاي أكثر من أي مكان آخر، غير أن عدد الرحلات المتجهة إلى شنغهاي تراجع إلى ما دون وجهات مثل تايبيه وسنغافورة ومانيلا كوجهة رئيسية في الوقت الحالي، وفقاً لبيانات "سيريوم" لاستشارات الطيران.
وبالمثل، عند المعبر البري بين هونغ كونغ وشنجن، تم اكتشاف إصابة سائقي الشاحنات من العاملين على نقل الأطعمة الطازجة عبر الحدود، مما أجبر السائقين والمخالطين المقربين منهم على الخضوع للحجر الصحي الإجباري.
وبدلاً من ذلك، سعت المدينة إلى الحفاظ على إمدادات الغذاء من خلال عمليات التسليم عبر القطارات والسفن القادمة من الصين.
على الرغم من هذه الإجراءات، وعدم توجيه أصابع الاتهام إلى هونغ كونغ من قبل المسؤولين في البر الرئيسي، إلا أن التصور بأن الوافدين من هونغ كونغ قد عززوا تفشي المرض في البر الرئيسي ترسخ على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية.
في منتصف مارس، أثيرت ضجة بسبب صور تظهر تزاحم سكان هونغ كونغ على الشواطئ على الرغم من الأرقام القياسية للحالات. تمت مشاركة منشور يعرض صوراً لرواد الشاطئ على موقع "ويبو" (Weibo)- المكافئ الصيني لـ"تويتر"- أكثر من 126 ألف مرة، وتلقى المنشور أكثر من خمسة آلاف تعليق في يوم واحد قبل إزالته من قبل المنصة.
وانتقد المستخدمون سكان هونغ كونع باعتبارهم أنانيين، ودعوا إلى سحب الدعم الذي توفره سلطات البر الرئيس للمدينة مثل الطواقم الطبية، ومنع سكان هونغ كونغ من دخول شنجن.
في السابق، دفعت هونغ كونغ بقوة من أجل إعادة فتح الحدود مع البر الرئيسي. كما أعربت الرئيسة التنفيذية، كاري لام، عن تفاؤلها بشأن استئناف المحادثات للقيام بذلك في الأسبوع الماضي. لكن التهديد المتمثل في عدد حالات الإصابة، الذي لا يزال مرتفعاً في المدينة، قد يجعل المسؤولين الصينيين يتمهلون للتفكير بالأمر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}