أشاد مؤيدو حرية التعبير المطلقة، برؤية إيلون ماسك الخاصة بإزالة القيود التي يفرضها موقع "تويتر" على المحتوى، إلا أنَّ هذه الرؤية تخاطر بجعل المنصة مجانية للجميع، مما قد يؤدي إلى عزوف المعلنين، ويعرّض المستخدمين العاديين لسوء المعاملة.
قدّم ماسك عرضاً للاستحواذ على "تويتر" بقيمة 43 مليار دولار، يهدف من ورائه إلى إطلاق إمكانات الموقع ليصبح "منصة لحرية التعبير في أنحاء العالم كافة". وقال ماسك: "حرية التعبير ضرورة مجتمعية لديمقراطية فاعلة".
لكنَّ موقعاً إلكترونياً يغيب عنه الإشراف على المحتوى، سيصبح مصدر قلق للمعلنين المهتمين بالعلامة التجارية الخاصة بهم، والذين لا يرغبون في ظهور إعلاناتهم إلى جانب مشاركات مثيرة للجدل، كما سيتوقف الأشخاص العاديون عن استخدام هذا الموقع، إذا ما تجاوزه المتحرّشون أو أصحاب نظريات المؤامرة.
قال جوشوا لوكوك، كبير مسؤولي التسويق العالمي في وكالة "يو إم وورلد وايد" (UM Worldwide) الإعلامية: "يتمثّل مصدر القلق الأساسي، في احتمال أن يصبح تويتر مكاناً سيئاً ومجتمعاً ساماً".
كباقي منصات التواصل الاجتماعي، يعتمد "تويتر" بشكل كبير على الإعلانات، التي تمثل نحو 90% من إيرادات الشركة، والتي بلغت 5.1 مليار دولار في عام 2021. كما عانت شركة "تويتر" مثل أقرانها أيضاً، وخصوصاً "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms Inc)، من أجل تحقيق التوازن في إدارتها لمحتوى المنصة.
ينتقد المحافظون ما يزعمون أنَّه تحيز ليبرالي، فيما يذهب آخرون إلى أنَّ المنصة لم تفعل ما يكفي لوقف دعوات العنف أو خطاب الكراهية.
في عام 2020، أوقفت عشرات الشركات، ومن بينها "كوكاكولا"، و"مايكروسوفت" (Microsoft)، الإعلانات مؤقتاً على منصة "فيسبوك" التابعة لـ"ميتا بلاتفورمز"، احتجاجاً على محتوى ضار على المنصة، مع تخوفهم من ظهور إعلاناتهم إلى جانب ذلك المحتوى.
يعد ماسك، الذي يتابعه أكثر من 80 مليون شخص على "تويتر"، أحد أبرز مستخدمي هذا الموقع منذ فترة طويلة، كما أنَّه أحد أكثر منتقديه بشكل علني.
انتقاد الحظر
انتقد ماسك رقابة "تويتر" على المحتوى أكثر من مرة، وأبدى تعاطفه مع المستخدمين الذين طردتهم إدارة "تويتر"، كما حصل مع حساب (Babylon Bee) بسبب منشور ساخر محافظ عن مسؤول حكومي أمريكي متحول جنسياً، إذ اعتُبر المنشور انتهاكاً لقواعد الموقع. بعد ذلك بوقت قصير؛ تواصل ماسك مع الشركة، وفكّر في أنَّه "قد يحتاج إلى شراء "تويتر".
لكن العديد من "لكمات وصرخات" ماسك، لم تحظرها إدارة "تويتر"، بما في ذلك التعليقات والـ"ميمات" التي تنتقد المتحولين جنسياً، باستثناء واحدة منها تم حذفها، فضلاً عن منشور يقارن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بهتلر، وتعليق آخر وصف فيه مستكشف كهوف بريطانياً بأنَّه "رجل عجوز مخيف" أو (pedo guy)، وهي إهانة كانت تستخدم في جنوب أفريقيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
حتى مع استمرار تطوير "تويتر" للقواعد والسياسات المتعلقة بتنظيم المحتوى، ما يزال العديد من المستخدمين يواجهون مضايقات، ونشر معلومات شخصية بشكل علني، أو نشر تفاصيل شخصية. وقد يؤدي تهاون المنصة مع هذا النوع من المحتوى إلى تفاقم المشكلة، ويجعلها أسوأ مما هي عليه.
قال مات نافارا، مستشار وسائل التواصل الاجتماعي ومحلل في هذا المجال: "فيما يتعلق بالمستخدمين العاديين؛ فإنَّ الناس تكره المضايقات". وأضاف: "هل يمكنك تخيّل السماح بمزيد من حرية التعبير مع سياسات وقواعد أقل؟ لن يكون ذلك هو المكان الذي قد يرغب الناس بالوجود فيه".
مشكلة غياب الرقابة
يقول لوكوك من "يو إم وورلد وايد"، إنَّه بالنسبة إلى المعلنين، لا تكمن المشكلة في حرية التعبير، بل في عدم وجود أي رقابة على المحتوى في "تويتر". وأضاف لوكوك: "أعطى الرئيس التنفيذي السابق لـ(تويتر)، جاك دورسي، الأولوية للبيئة الصحية التي توفرها المنصة، الأمر الذي نال تقدير مجتمع الإعلانات"، كما "زادت الثقة في المنصة، ولا يبدو واضحاً ما إذا كان ماسك سيستمر في اتباع النهج ذاته، أم سيبتعد عنه تماماً".
برغم تنوع الأنشطة التجارية التي يعمل فيها ماسك، والتي تبدأ من تصنيع السيارات الكهربائية إلى إطلاق الصواريخ والأقمار الصناعية؛ لكنَّه لم يتولَ إدارة شركة تعتمد بشكل أساسي على عائدات الإعلانات. وقد اقترح ماسك قبل إعلانه عن نيته الاستحواذ على "تويتر"، التخلص من الإعلانات، ومكافأة المستخدمين الذين يدفعون اشتراكات مقابل الخدمة، بعلامات التحقق.
قال لوكوك: "لم يبدِ ماسك أي اهتمام على الإطلاق بعمل يعتمد على الإعلانات، ونأمل أن يعيّن مساعدين يتفهمون الطاقة الإعلانية".
قدّم ماسك عرض الاستحواذ المقترح في صيغة معركة من أجل حرية التعبير، وليس من أجل مصلحته المالية. وقال: "الحصول على منصة عامة تحظى بثقة كبيرة وشاملة على نطاق واسع، أمر بالغ الأهمية لمستقبل الحضارة".
من المؤكّد أنَّ ماسك غير متأكد من نجاح محاولته، لكنَّه قال، إنَّ لديه خطة احتياطية، إذا رفضت الشركة عرضه.
العبرة في التنفيذ
لا تقتصر الدعوة إلى المزيد من حرية التعبير على منصات التواصل الاجتماعي على رجل الأعمال الملياردير وحده فقط؛ إذ انتقد "الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية" مراراً فرض قيود على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي.
قالت نادين ستروسن، الرئيسة السابقة للاتحاد، إنَّ حلّ تلك المشكلات لا ينبغي أن يقع على عاتق شخص واحد. وأضافت: "بغضّ النظر عن مدى إيجابية نوايا ماسك اليوم؛ يمكن أن تتغيّر نواياه غداً، وحتى إذا ظلت جيدة؛ فإنَّ عملية تنفيذ تلك النوايا قد تعتريها العيوب".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}