نبض أرقام
08:52 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21
2024/11/20

فضلا فكر ثانية .. في سوق الأسهم عليك التمسك بأفكارك وعدم تغييرها مهما حدث

2022/05/20 أرقام - خاص

هل سبق لك أن اتخذت موقفًا من شخص ما وقمت بتغييره بعد ظهور معلومات جديدة تدفعك لذلك؟ إذا فعلت هذا فأنت تنتمي إلى أقلية تراوحها الدراسات بين 15-30%، بينما تتمسك الغالبية بمواقفها الأولية، وذلك للعديد من الأسباب منها رفض الاعتراف بالخطأ أو الخوف من الجديد "المجهول".

 

وتشير دراسة لمركز "بيو" للدراسات إلى أن 30% فقط من الناس لديهم استعداد لتقبل "الواقع الجديد" دون الوقوع في صدمة حقيقية، وأن هذه الأقلية (30%) لا تتقبل الواقع باستمرار، أي أن أحدهم قد يستوعب واقعًا اجتماعيًا ما ولا يستوعب واقعًا اقتصاديًا والعكس صحيح بما يجعل النسبة الواقعية المستعدة لتغيير مواقفها في كل قضية أقل كثيرًا من 30%.

 

 

"بافيت" والتكنولوجيا

 

وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو بمثابة نصيحة نفسية فحسب، إلا أنه يؤثر بشدة في الاقتصاد وفي سوق الأسهم، في ظل عجز كثيرين عن استيعاب المتغيرات من حولهم والبقاء كما هم دون تغيير بما يكبدهم الخسائر أو يحول بينهم وبين المكاسب.

 

فعندما بدأ "وارين بافيت" في شراء أسهم شركة "أبل" في عام 2016 كان بذلك يناقض تصريحات سابقة له شخصيًا بعدم الاستثمار في الشركات التكنولوجية، التي أكد أنه ونائبه في إدارة "بيركشاير هاثاواي"، "تشارلي مونجر" لا يفهمان شيئًا فيها.

 

ففي عام 1994 سأل مشارك في ندوة "بافيت" عما إذا كان مستعدًا للمشاركة في "مايكروسوفت" أو "فايزر" بوصفهما –حينها- شركتين يُتوقع لهما مستقبل مشرق، فقال "بافيت" إنه "لو قرر الاعتماد على مهارات شخص آخر في استثمار أمواله فإنه لن يجد أفضل من "بيل جيتس" ليفعل ذلك ولكنه عليه الاعتماد على نفسه في توجيه أمواله".

 

واعتبر "بافيت" حينها أن شركات التكنولوجيا "معقدة أكثر مما ينبغي"، وحولها متغيرات كثيرة للغاية تجعل الاستثمار فيها "رهانًا أكثر منه استثمارًا"، وبالتالي فإنه لن يستثمر في شيء اعتمادًا على معلومات شخص آخر ولن يقوما بخيار لا يمكنه توقع نتائجه.

 

تغيير راديكالي

 

وبعد 22 عامًا على تصريحاته تلك بدأ "بافيت" في شراء أسهم في "أبل" حتى بلغت حيازته من الأسهم من الشركة العملاقة أكثر من 5% في منتصف عام 2018 من خلال عمليات شراء ممنهجة على مدى عامين لتجنب ارتفاع سعر الأسهم بشكل حاد، وأنفق في تلك العملية أكثر من 36 مليار دولار.

 

 

وبعد 6 سنوات على تلك العملية تناهز قيمة أسهم "بيركشايرهاثاواي" في صناعة الآيفون حوالي 160 مليار دولار وفقًا لمتوسط القيمة السعرية للسهم في الربع الأول لعام 2022، أي أن حيازة أسهم الشركة حققت ربحًا 124 مليار دولار تقريبًا لـ"بافيت" في 6 سنوات أو أقل وهو ما يمثل ربحًا صافيًا يقدر بـ344%.

 

وتذكر كثيرون نجاح "بافيت" السابق في الاستثمار في شركة "كوكاكولا" والتي ارتفعت أسهمها منذ شرائه لها عام 1988 بنسبة 2000%، ولكن كان الغريب ليس النجاح ولكن تغيير موقف "بافيت" من الاستثمار في الشركات التكنولوجية بهذا الشكل.

 

وبسؤال "بافيت" عن سبب تغييره لموقفه أجاب بأن "أبل" تحظى بـ"حب" الكثير من المستهلكين الذين يرونها بلا منافس لأنها تملك الجوال الوحيد الذي يعمل بنظام "أي أو إس" ولا يقبل مستهلكو "ابل" عادة بشراء هواتف "أندرويد"، كما أن الشركة تحظى بنسبة رضاء تقارب 99% من العملاء وفقًا لاستطلاعات الرأي ولذلك فهي تمثل استثمارًا "واجب" الاهتمام به.

 

ولذلك رأى "بافيت" الشركة بمثابة "فرصة" استثمارية لا يمكن تفويتها ووضع أمواله فيها رغم رفضه السابق و"القاطع" للاستثمار في الشركات التكنولوجية.

 

نموذج معاكس

 

وفي الجبهة المقابلة لـ"بافيت"، يبرز "هاوي هبلر" وهو مسؤول إدارة السندات السابق في بنك "مورجان ستانلي" وتحديدًا في فترة ما قبل وأثناء الأزمة المالية العالمية (2008).

 

وكان "هبلر" بمثابة فرخة تبيض دهبًا للبنك، لأنه كان مسؤولًا عن توليد 20% من الأرباح في الفترة بين عامي 2004-2006، بما جعل البنك يبتغي رضاه من خلال منحه سلطات كاملة في إدارة وحدته حتى أنها بدت كما لو كانت "بنكًا داخل البنك"، ولكن الغرض من ذلك كان منعه من المغادرة وتأسيس شركته الخاصة.

 

 

وبدأ "هبلر" في تحقيق أرباح قياسية من خلال السندات التي تعامل فيها مع الشركات العقارية، والتي كانت تشهد أرباحًا قياسية غير أنها كانت فقاعة كما اتضح لاحقًا، وفي أواخر عام 2007 بدأت الأزمة تظهر وتوصل "هبلر" لاتفاق مع "دويتشه بنك" كان من شأنه جعل خسائر البنك في السندات، التي تراجعت قيمتها بفعل زيادة مخاطر الإقراض في قطاع العقارات، في حدود 1.2 مليار دولار فحسب لكنه في آخر لحظة لم تتم الصفقة.

 

وكان دافع "هبلر" وراء ذلك ثقته في أن الأمر "مؤقت" ولن يستمر طويلًا وأن سوق العقارات "غير قابل للسقوط" لأن "أحدًا لن يسمح بذلك"، وعندما اتضح أن الأمر ليس مؤقتًا وأن كثيرين سيسقطون عالج البنك المسألة في 2008 بخسارة 9 مليارات دولار وهي ثالث أكبر خسارة في تاريخ "وول ستريت".

 

والشاهد هنا أن الفارق بين "بافيت" و"هبلر" في الاستعداد لتغيير الأفكار وبالتالي الاستثمار بشكل مختلف أو الجمود على نفس الأفكار والبقاء في مركب تغرق وتشير كل الدلائل إلى ذلك، بينما لم يستعد ركابها لاستخدام قوارب النجاة أو حتى أطواق السباحة.

 

جورج سورس

 

ويمثل "جورج سورس" أيضًا حالة لافتة في هذا الأمر، فما لا يعلمه كثيرون عن رجل الأعمال الأمريكي المنحدر من أصل مجري أنه "الرجل الذي كسر بنك إنجلترا المركزي" عام 1992، ولكن كثيرين لا يعلمون أنه قبلها بخمس سنوات فحسب تكبد إحدى أكبر الخسائر في تاريخ البورصات على الإطلاق والمقدرة بحوالي 30% من رأسماله خلال عمليات مضاربة في اليابان.

 

ففي عام 1987 خسر "سورس" نحو 800 مليون دولار في عمليات مضاربة متنوعة في البورصة اليابانية بفعل انهيارها، وقد كان ذلك نتيجة لقرار "سورس" بالتنوع "الكبير" في الاستثمارات ولذا كان من الصعب عليه إدارة استثماراته المتنوعة وخسر كثير منها في ظل أزمة تستدعي اتخاذ قرارات متزامنة في وقت سريع.

 

وبعدها بسنوات "ضارب" "سورس" بمعظم ثروته على الجنيه الإسترليني ليحقق أرباحًا طائلة تجاوزت 1.2 مليار دولار في بضعة أيام، وعلى الرغم من أن الكثيرين يرون أن ما فعله "سورس" لم يكن أخلاقيًا، وعدته المملكة المتحدة بشكل غير رسمي بمثابة "عدو للبلاد"، غير أن الشاهد أنه غيّر ما اعتاد عليه من تنوع كبير وغير مدروس كفاية لحساب استثمار مركز فحصد الأرباح.

 

 

ولعل ضرورة التكيف هي ما دفعت لظهور تعبير "the new normal" أو "الوضع الطبيعي الجديد" في علم الاقتصاد مؤخرًا، ويقصد به ضرورة تكيف الشركات مع الواقع الجديد مثلًا في توغل الذكاء الاصطناعي والأنظمة السحابية الإلكترونية في مختلف الشركات.

 

ونشر البنك الدولي أن بعض الأعمال قد تحقق وفورات قد تصل إلى 30% بين عامي 2025 و2030 إذا تبنت تلك النظم ومعها نظم العمل الهجينة بين العمل من المنزل والمكتب، معتبرًا أن المستثمرين بصفة عامة بحاجة لأن يصبحوا "أكثر ذكاء ومرونة" وليس "أكثر قوة وحدة".

 

ومع تزايد عدد المتغيرات من حولنا يوميًا وتسارعها يصبح انتقال المستثمر إلى فئة "الأقلية التي تجيد التكيف" أمرًا حتميًا وليس رفاهية، فحرصك على أن تبقي أفكارك مرنة ومتجددة فقط هو ما يضمن أن تكون استثماراتك في مكانها الصحيح لك وليست عليك.

 

 

المصادر: أرقام - البنك الدولي - سي.إن.بي.سي - محاضرات وارين بافيت في جامعة فيرجينا عام 1994 - نيويورك تايمز - كتاب "الكيمياء المالية" لـ"جورج سورس" - مركز "بيو"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.