نبض أرقام
11:57 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/21

هل أنقذت عبقرية "نابيولينا" الاقتصاد الروسي فعلا أم أن الأمر أكبر من ذلك؟

2022/05/23 أرقام - خاص

عندما ظهرت محافظة البنك المركزي الروسي "إليفيرا نابيولينا" متشحة بالسواد في ظهورها الأول في أعقاب بداية حرب بلادها على أوكرانيا أثار ظهورها بهذا الشكل  العديد من التكهنات في الدول الغربية في ظل اعتيادها استخدام الملابس والإكسسوارات التي توظفها في إرسال رسائل بعينها، كما اعتادت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبريت" فعل ذلك من قبل.

 

ورأى البعض أن "نابيولينا" ارتدت هذا الطاقم الأسود حدادا على أرواح الأوكرانيين أو الروس الذين قضوا في الحرب وقال آخرون إنها ارتدته كنوع من الاعتراض على العقوبات الغربية، بينما اعتقد فريق ثالث بأنها غاضبة بسبب تأثير الحرب السلبية على الاقتصاد.

 

 

أدوات فاعلة

 

وبغض النظر عن صحة أي من التصورات السابقة إلا أن الاهتمام بهذا الشكل بملابس "نابيولينا" في الغرب يعكس الدور الكبير الذي يرى الغرب أنه تلعبه في ضمان استمرار التمويل لآلة الحرب الروسية وعدم معاناة الاقتصاد الروسي من تبعات العقوبات الغربية الشديدة وغير المسبوقة على موسكو.

 

وحازت محافظة المركزي الروسي على إشادات واسعة بعد أن ارتفع الروبل للغاية حتى أنه بلغ مستوى 62 روبلا لكل دولار بعد انهيار سعره تماما مع بداية الحرب ليصل إلى 150 روبلا للدولار لكن يبقى السؤال عن كيفية قيام "نابيولينا" بذلك وهل الأمر محض مهارة منها، أم أن لروسيا أدوات قوية مكنتها من تجاوز العقوبات والحصار الاقتصادي الغربي، ولو بصورة مؤقتة، أم أن الأمر مزيج بين الأدوات القوية وكفاءة الإدارة؟

 

ولا شك أن التدفق المستمر للأموال الغربية المدفوعة كمقابل للنفط  والغاز كان بمثابة الأداة الأولى التي مكنت "نابيولينا" من الحفاظ على الروبل والاقتصاد الروسي، حيث استفادت الخزانة الروسية  بحوالي 60 مليار دولار من مبيعات للنفط في الربع الأول لعام 2022، بينما بلغت المبيعات لعام 2021 بمجمله 120 مليار دولار.

 

كما أن ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية التي يتم تداول أغلبها عند مستويات قياسية خلال الفترة الماضية مع نمو أسعار المواد الخام والمعادن صب في خانة دعم الاقتصاد الروسي الذي يزدهر بفعل غنى روسيا بتلك الموارد الطبيعية والمحاصيل.

 

قيود واتحاد أوروبي يتحايل

 

وضمنت هذه التدفقات وتلك القيود استمرار تدفق الأموال إلى الخزينة الروسية بما يسمح باستمرار الحرب في أوكرانيا، والتي تقدر مجموعة "سيتي" أنها تُكلف موسكو 250-300 مليون دولار يومياً كنفقات عسكرية مباشرة من حيث الإنفاق على المعدات العسكرية والجنود والامدادات اللوجستية، وسط تقارير عن نسبة زيادة تصل إلى 40% في تلك النفقات.

 

 

وحصلت "نابيولينا" على أداة إضافية أيضا من خلال اضطرار دول الاتحاد الأوروبي إلى التحايل على العقوبات التي وضعها الأخير وتمنع دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي، وذلك من خلال إيداعها في مصرف "جازبروم" الروسي والذي يقوم بدوره بتحويلها لروبل بما يعمل على دعم مركزه والحفاظ على سعره.

 

كما أن الاحتياطيات الروسية من النقد الأجنبي، والتي يقدرها الأمريكيون بحوالي 600-700 مليار من بينها 140 مليار دولار احتياطيات من الذهب، تضعها من بين أكثر الدول حيازة للمعدن النفيس تدعم العملة ولو بشكل غير مباشر بتوفير ضمانة ولو غير مباشرة لدعم الاقتصاد والعملة.

 

ولم يصبح الروبل قويا بسبب الصادرات فقط بل بسبب قيود داخلية على استخدام العملات الأجنبية شملت وضع حد لسحب الأموال من البنوك الروسية لتصل إلى 1000 دولار للأشخاص و10 آلاف للشركات، فضلا عن تقييد أوامر التصدير وضرورة موافقة البنك المركزي عليها بحيث يتم توجيه الدولارات فقط للضروريات.

 

للإيفاء بالديون سبب

 

هذا فيما يخص الصادرات والورادات، فماذا عن قدرة روسيا على الإيفاء بديونها؟ لا شك أن لـ"نابيولينا" فضلا كبيرا في وضع الخطة الروسية والتي تعرف بـ"الحصن الحديدي" من أجل تجنب العقوبات الغربية، وذلك من خلال تنويع كبير جدا في الأصول الروسية وتوزيعها في العديد من الاقتصادات خارج الغرب بما يضمن قدرة استثنائية على الوفاء بالديون.

 

فقبل كل موعد لسداد الديون الروسية تتزايد الأقاويل حول عجز روسي "حتمي" عن السداد، غير أن موسكو تفي بديونها بفضل هذه الشبكة من الحسابات الخارجية والداخلية، والتي قررت روسيا إنشاءها بعد سنة 2014 التي شهدت استهداف روسيا بعقوبات غربية موسعة شملت مقربين لـ"بوتين" ومصارف روسية (مثلما حدث في العقوبات الأخيرة) بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

 

ويعتبر كثيرون أن تلك المرحلة كانت بمثابة "مناورة" أو "تدريب" لروسيا على التصدي لعقوبات غربية موسعة، وأن موسكو لم تكن لتحقق هذا النجاح لولا وجود هذه الخبرة السابقة في التعامل مع العقوبات الغربية وفي البحث عن ثغراتها.

 

 

تراجع قادم رغم كل شيء

 

والشاهد أنه على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها روسيا من أجل الحفاظ على اقتصادها وتحفيزه، من خلال إعادة مستوى أسعار الفائدة إلى 12% بعد رفعه إلى 20% لفترة وجيزة كي تحافظ على سعر الروبل في مواجهة الدولار إلا أن الاقتصاد مقبل على الانكماش.

 

وتختلف تقديرات الانكماش بين موسكو التي ترجح ألا تتجاوز نسبة انكماش الاقتصاد 5% فحسب، بينما يرجح صندوق النقد الدولي أن تصل النسبة إلى 8%، وترجح مؤسسة "أكسفورد" للاستشارات الاقتصادية بلوغ النسبة 13%.

 

وبغض النظر عن ذلك فإن انسحاب أو تجميد أعمال 800-1200 شركة عالمية في السوق الروسي سيؤدي إلى المزيد من الانكماش مستقبلا وسيكون لذلك تداعياته السلبية للغاية على مستويات التوظيف في روسيا بما يهدد بزيادة نسبة البطالة.

 

وما يقلل من تأثير تلك الانسحابات الغربية هي حقيقة أن الكثير منها اضطر للتفاوض مع الدولة الروسية من أجل شراء الأصول التي تركتها تلك الشركات، ومن أبرز تلك الشركات التي أتمت عمليات البيع بالفعل "رينو" و"ماكدونالدز".

 

وعلى الرغم من ذلك تقدر التقارير أن هناك 200 ألف شخص فقدوا وظائفهم أو على وشك فقدها في روسيا وأن هذا الرقم قد يرتفع إلى نصف مليون شخص بنهاية العام فضلا عن تراجع مستويات المداخيل للكثير من الروس الذين اعتادوا العمل مع الغرب عن بعد (بنظام العمل بالقطعة بالأغلب).

 

كما تشير التقارير إلى مخاوف أخرى متعلقة بتنامي التضخم إلى 18%-23% بنهاية العام الحالي، بينما لم تتخط نسبته 9% قبل بداية الحرب بما يزيد من الضغوط السعرية التي من شأنها أن تزيد من تأثير مسألة تزايد معدلات البطالة.

 

 

وتقول "تاتيانا أورولوفا" الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة "أوكسفورد" الاقتصادية: "لا أتمنى أن أكون في مكان "نابيولينا" لأن الاقتصاد الروسي مقبل على ركود عميق وستكون هي واحدة من أهم المسؤولين عن القرارات الاقتصادية في الأعوام المقبلة وهو عبء كبير للغاية. وهي تشير بذلك إلى أن الأدوات المتاحة لحليفة "بوتين" الوثيقة قد تتقلص لاحقا بما سيحد من قدرتها على تحقيق نفس النجاح في إدارة الاقتصاد.

 

وبذلك يبدو أن "نابيولينا" قد نجحت فيما يتم وصفه دائما في علم الإدارة بوضع خطة، ولأي خطة عنصران أساسيان: هدف وأدوات. ويبدو أن الهدف كان تجنيب روسيا الصدمة الأولى كما ترى مجلة "فورين بوليسي"، إلا أن المؤكد أن العنصر الثاني توافر لديها بسبب قوة بلادها -النسبية- اقتصاديا وتوغلها في الاقتصاد الأوروبي والعالمي.

 

المصادر: أرقام- دوتيشه فيله- فورين بوليسي- واشنطن تايمز- لوس أنجلوس تايمز

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.