واصل الين الياباني تراجعه أمام الدولار خلال الفترة الماضية، لتكون العناوين باستمرار أن عملة بلاد الشمس المشرقة تواصل تحقيق مستويات متدنية قياسية، بما يثير تساؤلا حول أسباب الأداء السيئ للين أمام الدولار وعن أسباب امتناع الحكومة اليابانية عن وقف نزيف الين.
وقبل عام وتحديدًا في منتصف يونيو الماضي كان مستوى العملة اليابانية عند 110 ينات مقابل الدولار، ليتراجع إلى 135 يناً للدولار تقريبًا أمس الإثنين وسط تدهور متسارع خلال الشهرين الأخيرين.
الين و"السير عكس الاتجاه"
وبذلك يكون الين قد فقد 20% من قيمته خلال عام كما أصبح العملة الأسوأ أداء بين العملات العشر الرئيسية في العالم خلال العام الحالي، حيث فقد 17.72% من قيمته أمام الدولار منذ بداية العام ليسجل مستوى متدنيا جديدا لم يبلغه منذ 24 عامًا مع أزمة الأسواق الأسيوية عند مستوى 135 يناً لكل دولار.
ويأتي امتناع اليابان عن التدخل لوقف نزيف الين على الرغم من تمتعها بامتلاك احتياطي نقدي كبير من العملات الأجنبية هو الثاني بعد الصين، والتي تحتل المركز الأول بـ3.22 تريليون دولار تليها طوكيو عند 1.38 تريليون دولار، بما يجعلها قادرة للغاية على رفع قيمة العملة.
بل إن الحكومة اليابانية قررت السير عكس اتجاه باقي الاقتصادات الرئيسية كلها بالامتناع عن زيادة سعر الفائدة على الين، ومع زيادة سويسرا لسعر الفائدة نصفاً في المئة والزيادة المتوقعة لمنطقة اليورو والزيادات الأمريكية والبريطانية المتلاحقة لتصبح الصين واليابان هما الاقتصادان الرئيسيان الوحيدان اللذان امتنعا عن زيادة سعر الفائدة.
ولم تقتصر اليابان على عدم رفع سعر الفائدة فقط بل قال رئيس الوزراء الياباني "فوميو كيشيدا" إن بلاده لن تتوقف عن سياسة "التيسير النقدي"، وهي سياسة تتبعها طوكيو لزيادة قدرة الشركات على الاقتراض وإن كانت مفيدة للشركات الكبيرة بصورة أكبر بما يشير بشدة إلى أن الحكومة اليابانية ترغب في الحفاظ على مستوى سيولة مرتفع.
تعهدات تناقض الواقع
وعلى الرغم من التعهد الحكومي بمحاولة التعامل مع الأسعار المتزايدة إلا أن التصريح يبدو متناقضًا مع خطوات الحكومة ليظهر أن هدف الحكومة الحقيقي هو الحفاظ على معدلات تضخم موجبة حيث كان معدل التضخم خلال عام 2021 بالسالب (حوالي -0.2%).
وعلى الرغم من أن معدل فائدة سالباً قد يبدو لكثيرين أمرًا إيجابيًا لأنه يعني أن المستهلك الياباني لا يعاني كغيره زيادة مضطردة في الأسعار، ولكن ينعم بأسعار مستقرة أو حتى متراجعة، ولكن هذا الأمر لا يشجع على الشراء، ويدفع الكثير من المستهلكين للادخار بما يجعل معدلات النمو الياباني متدنية لاعتمادها بصورة أكبر على التصدير منها على النشاط الاقتصادي المحلي.
فمعدل نمو الاقتصاد الياباني في 2021 كان 1.62% وهو العام الذي حققت فيه الكثير من الاقتصادات الكبرى نسبًا أعلى بكثير بسبب التعافي من آثار كورونا الانكماشية وكان يفترض أن يتعافى الاقتصاد الياباني من انكماشه في عام 2020 بنسبة 4.5% إلا أنه لم يحقق إلا هذه النسبة المتدنية، وذلك على الرغم من معدلات الفائدة الصفرية التي تساعد على الرواج أيضًا.
ويرجع هذا بشكل كبير إلى أن الاقتصاد الياباني يبدو كما لو كان يسير على قدم واحدة، فهو يعتمد على التصدير وتشهد غالبية الأعوام نموًا للصادرات اليابانية، ولكن مستوى النشاط الاقتصاد المحلي الياباني يستمر متباطئاً ليحرم الاقتصاد من قدم أخرى يرتكز عليها لتحقيق النمو.
تدخل منتظر لاحقًا
ولا شك أن سياسة البنك المركزي والحكومة اليابانية الحالية بعدم دعم الين وتركه "يهوي" لها آثارها السلبية، لا سيما مع ما هو معلوم من استيراد اليابان لغالبية احتياجاتها من المواد الخام ومن الطاقة، وتصديرها بعد ذلك لمواد مصنعة ذات قيمة عالية.
فاليابان هي رابع أكبر مستورد في العالم بإجمالي واردات 634.5 مليار دولار في عام 2020 وتشكل المواد الخام والوسيطة حوالي نصف تلك الواردات بما يجعل ارتفاع فاتورة الواردات أمرًا مؤرقًا للمصنعين اليابانيين وليس فقط للمستهلكين.
ولكن يبدو أن الفائدة المنتظرة لترك معدل التضخم موجبًا تفوق مضار ارتفاع فاتورة الاستيراد ولهذا السبب تواصل الحكومة دعمها لحالة الرواج في الاقتصاد ولو على حساب التضخم المرتفع خوفًا من الركود وتداعياته لا سيما مع المخاوف القائمة من الأخير في الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
ويمكن توقع تدخل من جانب المركزي الياباني والحكومة في وقت لاحق بعد استقرار التضخم الموجب لفترة تطمئن الحكومة إلى أنه لن يعود للصيغة الصفرية أو السالبة السابقة والتي يرى خبراء الاقتصاد أنها ألحقت الضرر بالاقتصاد الياباني.
ويتوقع الكثير من التقارير تدخلًا حكوميًا ومن البنك المركزي يعيد الين إلى مستوى 115-120 يناً للدولار بوصفه المستوى الذي يدعم ثقة المستثمرين في الاقتصاد الياباني من جهة، ويحافظ على قدر كبير من "الجاذبية" والميزة التنافسية النسبة للصادرات اليابانية من جهة أخرى.
وبهذا يتضح أن اليابان "السعيدة" بالتضخم مستمرة -إلى حين- في السير عكس اتجاه الاقتصادات الأخرى، ويبدو الأمر منطقيًا مع معاناة الاقتصاد الياباني مشكلات مختلفة عن بقية الاقتصاد بما يجعل "دواء" ما تعانيه طوكيو مختلفًا عما يعانيه بقية العالم.
المصادر: أرقام- سي.إن.بي.سي- رويترز- نيبون- واشنطن بوست
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}